بقلم الأستاذ : يسار الحباشنة -


حياة الناس بكل تعقيداتها، وكذا الوجود بجميع ما يحوي... كل ذلك مُحاك حِياكة دقيقةً بديعة محكمة.
فالكون بكل ما فيه.. منسوجٌ كُلُّه على نَوْل الحكمة، محبوكةٌ أشطُرُه بإبرة الخبرة. لا يستغني فيه جزءٌ عن جزء. ولا يُغني فيه جزء عن جزء. ولا يستغني هو عن أي جزء.
وكل شيء فيه هو في مكانه الصحيح المناسب له تماما. وكل حدث يطرأ فيه إنما هو من جنس النسيج نفسه. فهو قطعة متكاملة ومتداخلة منسجمة بنسجها.
ِ
هذه ‫#‏حقيقة‬
ِ
أما ما نراه نحن كبشر أو نتوهمه أو يعجبنا أو لا يعجبنا أو نفهمه أو لا نفهمه ... فهذا كله شأن آخر، ومسألة أخرى، لا تغير من جودة وكمالية وخيرية النسيج الكليّ. لأننا لا يمكننا أن نرى أو نعرف الأشياء (في ذاتها). فلاسفة كبار يقرون بعجز الإنسان عن درك الشيء في ذاته، ومنهم (عمانوئيل كانت) أبو الفلسفة الحديثة.
ِ
نحن حتى أنفسنا لا نستطيع أن نعرفها معرفة حقيقية كاملة. ولذلك نعاني دائما من رؤية المتناقضات. ولا بد أن نرى المتناقضات لأن هذا جزء من خلقتنا ووظيفتنا المحددة، ولأن عقولنا هذه هي تركيبتها وتلك هي حدودها.
ومن لا يعرف ذاته على حقيقتها، فمن باب أولى أنه لا يعرف الكون على حقيقته. فلا يمكنه الحكم عليه. ومن باب أولى كذلك أنه لا يعرف حقيقة خالق الكون الذي هو، فوق ذلك، متحجّب بألف حجاب!
_
مهم أن نعرف هذا. حتى لا نتسرع في الأحكام والقرارات، ولكي نتزحزح قليلا عن دائرة (الأنا) التي تظن أن الحقيقة تابعة لما تراه وتحسه. ولا تعلم المسكينة أن الحقيقة أمر أعلى بكثير، وأبعد بكثير عن تصوراتها. فما هذه الأنا إلا كبرغي أو دبوس صغير مصغّر في هذا الكون العظيم. ولها دور محدد جزئي مؤقت تقوم به ثم تعود إلى أصلها في توقيت محدد لا يتقدم ولا يتأخر.


________________________

بقلم : الأستاذ يسار إبراهيم الحباشنة - حفظه الله تعالى -
يوم : 25 /06/ 2016