رؤية نقدية لـ :- د. محمد عبد الحليم غنيم
*********************************
القصة القصيرة
وإشكالية النوع الأدبى
د. محمد عبد الحليم غنيم
** *
ونصل إلى الكاتب سامح عبد البديع الشبة ، ونقف عند أنموذجين من نصوصه التى تشكل مجموعته ( سنوات الجنون الأبدية ) فنجده لا يستخدم عناوين مجازية أو لغة تصويرية مثقلة بالتشبيهات والاستعارات المتتابعة ، ولكنه يستخدم لغة سردية شفيفة لولا تدخل المؤل الحقيقى أحياناً وضعف التركيب اللغوى فى بعض الأحيان ، إذن أين تكمن الغنائية لدى كاتبنا سامح الشبة ؟
الحقيقة أن الإجابة يجب أن تستخلص من تخيل النصوص ، ولكنه دون إستباق للأحكام ، نقول بصورة مجملة أن الغنائية تتجلى لدى المؤلف فى غلبة الرؤية الذاتية فى السرد بقطع النظر عن الضمير المستخدم ، وضعف الصراع الدرامى فى الأحداث وبروز صوت المؤلف ، وهى عناصر كافية تماماً لتأكيد الصيغة الغنائية وهيمنتها على القصة ، لكن المؤلف لا يكتفى بذلك ، إذ يلجأ إلى التكرار فى صورة لفظة أو جملة لخلق نوع من الإيقاع أقرب إلى إيقاع الشعر ، وأؤكد مثال على قولنا هذا قصة " استعداد للرحيل " حيث يكرر جملة " هذل\ا الطفل الأسمر " عدة مرات ، فتبدأ بها الفقرات السبع التى تتكون منها القصة ، زد على ذلك أن بعض الجمل تكاد موزونة عروضياً ، مثل قوله فى الفقرة الثالثة :-
" هذا الطفل الأسمر ... يأكل بعضاً من ورق ، يشرب شيئاً من أرق ، يسبح دوماً فى بحورٍ من غرق ، يبحث دوماً عن عمرٍ قد سرق ". ( المجموعة ، ص 87 )
وتتداخل الضمائر وتتنوع لدى سامح وهو أمر مشروع ، بيد أن هذا التنوع تحكمه رؤية سردية واحدة ، رؤية ذاتية أو قل رؤية المؤلف نفسه ، فمثلاً فى قصة " مريم " أول قصص المجموعة ، يبدأ المؤلف القصة بالجملة التالية :-
" انتهى كل شئ ، طفولتى وشبابى ، حتى شيخوختى قاربت على الانتهاء " ( المجموعة ، ص 8 )
وفى الصفحة نفسها نقرأ :-
" كنتما فى غاية السعادة ... كدت تطير بها لولا أنك خشيت أن تهوى كما هوى ابن فرناس من فرط ما كان به من بهجة وسرور ونشوة " .
والانتقال من ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب أثرى السرد حيث تحول الراوى إلى مروى له يستقبل الخطاب ليكون بمثابة الوسيط الذى ينقل المحتوى إلى المتلقى الحقيقى .
وفى قصة " شروق جديد " يستخدم سامح جملة :-
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف " .
لتكون بمثابة الكورس فى المسرحيات اليونانية القديمة ، حيث تكرر سبع مرات ، وفى كل مرة يتقدم الحدث إلى الأمام قليلاً ، إذ يأخذنا الراوى العليم إلى سائق يجلس فى سيارته وينام فيها من الصباح إلى العصر دون أن يفتح باب سيارته راكب واحد ، ويأتى الليل وترحل كل السيارات ويبقى السائق بسيارته دون أن يفتح عليه براكب واحد ، وهنا لابد من فعل شئ إيجابى ، إذ يستعيد السائق توازنه :
" انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "
استعاد السائق توازنه وقال :
ولن تقترب من هذا المكان أية سيارة ، إن اقتربت لقتلت سائقها ، حتى أحمل حمولتى وركابى وأرحل بهم بعيداً عن هذه المدينة الجميلة الهادئة الساكنة الحركة ، المملة ودون رجعة " ( المجموعة ، ص 63 ) .
*****
المصدر :-
- المؤتمر الأدبى الخامس لإقليم شرق الدلتا الثقافى - خصوصية الإبداع فى شرق الدلتا الثقافى - القصة القصيرة وإشكالية النوع الأدبى - د. محمد عبد الحليم غنيم - ( ص 120 - ص 123 )