ك
ع ر ا ق
يأخذون مواقعهم ويصطفون، تتحرك المقدمة والميمنة ، وتدور الميسرة للمراقبة ، يرفع أحدهم صوته من المؤخرة " هنفوز هنفوز ... يا شيخ يا عجوز ،،،حط الكف على الميزان … فريقنا هو الكسبان ،،، فايزين فايزين .... يا عم حسين " يرددون خلفه .
دارت عيناه إلى اليمين تارة وإلى اليسار أخرى ، تلمس الأسلحة المكدسة : أعواد البوص والبوط والأحجار بأحجامها المختلفة ،اضطجع على جذع السنطة المائل بجانبه ، تذكر حبات لب البطيخ المحمصة في ( سيالة ) الجلباب اليمنى ، أخرجها ووضعها في فمه دفعة واحدة دون أن يتفحصها ، يقزقزها بشكل آلي ، عيناه من خلف السور المتهدم ترقب تطورات المعركة وتحركات العدو، الأنباء تأتي بسحق الخطوط الأمامية لفريق أولاد أبي علي ، رفع ( الأستيك ) الذي يحفظ عدستي النظارة من السقوط ، وتوقع حرب حامية الوطيس .
صوتهم يأتيه قويا يلهب حماسه ، وتبرق عيناه خلف العدستين " موشى ديان الغول الغول ... ضرب مراته بطبق الفول " هو يعلم أن فريق أبي علي لا يوجد بين صفوفه من يكنى موشى ديان ، محمد حجازي أحضر اليوم سلاحا جديدا ، أمسكه بكلتا يديه وأوقفه أمامه ، قامطة حديدية لا يتحملها أحد من أولاد (أبو علي) ، لا يمكن استخدامها إلا وقت اللزوم ، انتبه وتوقف عن قزقزة لب البطيخ حين سمع همسا بجواره ، تبينه …..
- قشقش إيه فيه إيه ؟
- محسن بيقولك أي واحد ييجي ... إديه سلاح
- الحرب فين ؟
- عند دوار عزاز
دق قلبه دقات خفيفة ، ووضع يده علي السلاح الجديد واطمأن ، سحب لاسة أبي الغشم ، وربط بوسطه حجرا من صخر الدرع العربي القاسي ، طوحه ليمسح مساحة دائرية حوله على سبيل التجريب ، مد يده ليعد صفقة جديدة من الأسلحة : زلط متوسط الحجم كامل الاستدارة ؛ يمكن قذفه لمسافة تقترب من عشرين ذراعا ، أنقز من براعم الرمان اللينة تترك أثرا لا بأس به على مؤخرة من يضرب بها ، أكياس تراب ناعمة من رماد البرك التي تشل حركة مستنشقها ، أحس بطمأنينة غير عادية وهو يتفحص عتاده ومعداته . توقف فجأة واستدار دورة كاملة ولم يسعفه نظره الضعيف من تبين ما يحدث حوله .....
- مين ؟ ... مين هناك ؟ .... مين ؟
- عباطة !!!
- إيه ؟ حصل له إيه ؟
- الواد الأطرش ضربه بالطرة على جنبه
- يا سنة مش معدية
لقد تقطعت أوصال المجموعة بخروج عباطة من الساحة ، وكذا انفصلت القيادة عن الصفوف ، فهو حلقة الوصل بين الأجنحة ، وهو الذي يستطيع نقل أخبار تحرك المقدمة والميمنة والميسرة للقيادة في المؤخرة ، عباطة هو الحبل الذي يجمع شمل حبات العقد .
انصرف الجميع وتركوه يضع يده اليمنى على جنب عباطة الأيسر ، ويتحسس الجنب برفق ويسأله عن المكان الذي يؤلمه ، وعباطة لا يرد . رائحة أكياس التراب المنفجرة تزكم الأنوف وتمنع الرؤية بجانب الظلام ، أحس ببصيص أمل حين تلوى الراقد أمامه وتأوه ، دفعته الحالة للتخلي عن موقعه والتقدم للانضمام للصفوف .
لم يعد يتبين ما يحدث حوله بدقة ، الظلام يزداد حلكة ، وزعابيب التراب تنتشر في شكل دوامات هوائية كفساء العفريت ، شيء ما ثقيل يصطدم برأسه ، ويده تمتد دون قدرة على الإمساك بالقامطة الحديدية ، يدور دورة فاقدا وعيه من أثر الصدمة ، وحرب عالمية ثالثة تضع أوزارها .



ما حكاه له بقلة حين زاره مجبرا في المستشفى
بعدما ضربت عباطة، ووقع على الأرض ، تأخرتُ متوارياً خلف باب الدوار ، ورأيتُهم يحملونه ، تتبعتُهم حتى يتسنى لي أن أعرف خباياهم وأماكن تخزين السلاح والتموين ، فرأيتهم يدخلون حوش السنطة ، تلصصتُ حتى وجدتك جالساً ، التصقتُ بالسور حتى انصرفوا ، تقدمتُ منك ظننتُك تراني ، تراجعتُ ونظري على تحركاتك ، حينما ملتَ على عباطة تقدمتُ مرة أخرى أكثر حتى ما كان بيني وبينك مسافة ذراعين ، ثم صوبت ناحيتك قنبلة الألف رطل كما نسميها : زلطة كبيرة ثقيلة قصيرة المدى . بكل قوتي صوبتها إلى وجهك ونظارتك فارتميتَ وفررتُ ، عندها ساعدت الولايات المتحدة الأكراد والشيعة للخروج على النظام وذلك للعمل على تقسيم العراق .
*****************
الطرة : آلة حربية بدائية يرجع أصلها إلى الهكسوس ،مداها سبعون ذراعا ن ومنع استخدامها في الآونة الأخيرة طبقا لاتفاقية جنيف