رِحْلَةُ الحُبِّ ..
يا وحشةَ الليلِ لا أُنسٌ ولا سَمَرُ
غاب الأحبةُ عن عينيك واحتجبوا
فكيف يغمضُ جفنٌ شدَّهُ السَّهَرُ ؟!
والصَّمتُ يخنقُ ليلاً مثقلاً ألماً
والبيتُ كهفٌ به الأنوارُ تحتضرُ !!
أينَ الذين ابتنَوْا في الروح مسكنَهم
ولم يهيمنْ عليها غيرُهم بَشَرُ ؟
أُحبُّهم ولساني لاهجٌ أبداً
بذكرِهم فَهُمُ الآمال والفِكَرُ !!
واللهِ واللهِ لو غابوا يموتُ بنا
طعمُ الهناء .. ويحيا إن هُمُو حَضَرُوا..
أُحبُّهم وكأنّي حينَ رؤيتهم
ما كان لي قبْلَهم سمعٌ ولا بَصَرُ !!
بهم حياتي .. بهم إبداع قافيتي
ولهفتي وبروقُ الحبِّ والمطَرُ !
فلن يُضيئَ زماني غيرُ شمسهمو
ولن يُنيرَ ظلامي غيرُهمْ قَمَرُ !!
إن كنتُ غنيتُ أشعاري لغيرِهِمُو
فذاك لهوٌ .. ووهمٌ ماله أَثَرُ !!
أرى النساءَ سوى الأحبابِ أقنعةً
وكل حُسْنٍ بها يخبو ويندثر
في قُرْبِهمْ تنتشي الأفراحُ مشرقة
والحبُّ ينضجُ في بستانه الثمَرُ
في قُرْبِهمْ تلبسُ الأوقاتُ زينَتَها
وبالجَمالِ فؤادُ الكونِ ينبهرُ
في قُرْبِهمْ تُعلنُ الأشياءُ رغبتَها
ولهفةُ الوصلِ في الأرجاء تنتشرُ
في قُرْبِهمْ تتخلى عن طبيعتِها
كلُّ الجماداتِ .. حتَّى يعشق الحَجَرُ!!
وينبُعُ الدفءُ من ثلجِ الزَّمانِ ولا
يَمَسُّ وردَ المُنى خوفٌ ولا ضَرَرُ
فيستريح فؤادي في مرابعِهِم
ولا يلوِّعُهُ التَّوديعُ والسَّفَرُ
حروفُهُم أجملُ الأصواتِ في لُغتي
والشِّعرُ فيهم تمنَّى عَزفَهُ الوتَرُ
هُمُ الأحبةُ .. مَنْ في الكونِ يعدِلُهم
فلا يُماثِلُهُم بَدوٌ ولا حَضَرُ ..
يا لحظةَ البوْحِ صُوغي تِبرَ قافيتي
فها هو الحرفُ بالأشواقِ ينصَهرُ
وهل أحقّقُ يا دنيايَ أُمْنِيَةً
ما زلتُ أحلمُ لو تأتي وأصطبرُ !!
وإن دنوتُ غداً منهم أصافِحُهم
فهلْ سأُعْلِنُ ما في القلبِ يستترُ ؟!
وهل أكونُ جريئاً في مخاطبتي
وهل أنالُ الذي أرجو وأنتظرُ ؟!
أشتاق أشتاق علَّ الوصلَ يمنحُني
معتَّقَاً في خدودٍ وردُها نَضِرُ
أشتاق أشتاق صار الشوقُ قافيةً
يشدو بها الطَّيرُ حتى يطْرَبَ الشجرُ
يا حبُّ كن في شعوري روحه أبداً
فالحبُّ أجملُ ما يحيا لهُ البشرُ
والحبُّ .. قلبٌ وآمالٌ وأشرعةٌ
وقاربٌ في بحارٍ مَوْجُهَا خَطِرُ
ورحلةٌ لستُ أدري ما نِهَايَتُهَا
النَّهْرُ يصْفو بها طَوراً ويعتكرُ
أنا الحبيبُ الذي يهفو إلى زمنٍ
تأتي بأفراحِهِ الأيامُ والقَدَرُ
فهل يعودُ إلى جنَّاتِ بهجتِهِ
والحبُّ يمنحه ما كان ينتظرُ ؟!
وهل تُراه غداً ترسو مراكبُهُ
والوصلُ مِرْفَأهُ .. والحبُّ منتصرُ !!
والعينُ موئِلُهُ والثغرُ منهَلُهُ
والحُضْنُ منزلُهُ والْحُزْنُ يَنْدَحِرُ
يا زورقَ الحُبِّ هل تجري الرياحُ بنا
حتى تعانقَنا الشُّطْآنُ والجُزُرُ ؟!
حياتُنا دونَ وصْلٍ كُلُّها تَعَبٌ
ولا رحيقَ إذا لم ينْبُتِ الزَّهَرُ