هو والدي رحمه الله أحمد ابن خفير ابن محمد ابن أحمد ابن سالم ابن علي آل غانم القيسي العمري الحَجري الأزدي القحطاني . وُلِد في قرية خاط في وادي بني قَيس بجنوب غرب المملكة العربية السعودية .
عاش حياةَ علمٍ وكفاحٍ ومثابرةٍ صانَ قلبَهُ ولسانَهُ عن الزللْ فملأ اللهُ حياتَهُ بالأملْ وجعلهُ للسكينة والوقارِ مثلْ ، كان كلما ازدادَ علماً وطموحاً زادَ عقلهُ رُجوحاً وجدَ نفسهُ ابن شيخ القبيلةْ
فكانت المسوليةُ جليلةْ . رأى والدُهُ فيه الرأيَ الحصيفَ والقلبَ الشَّفيفَ واللفظَ العفيفَ والقصدَ الشريفَ فقربهُ منهُ وأدناهُ وخصَّهُ بحبٍّ خالصٍ وأفشاهُ في قصائدَ نظمها أذكرُ بيتينِ منها :
مرحباً ياشرحةِ الخاطرْ
جاب ناموسٍ وجا عِدَّه
الولد لا من نَشا يِلزَمْ
ملزَم أبوانَه وذا جَدَّه



ابتدأَحياتَهُ العمليةَ عسكريَّا في قطاعِ الطيرانِ يعملُ صباحاً ويدرسُ مساءاً حتى حصل على شهادةِ الكفاءةِ فغادرَ العسكريةَ إلى المدنيةِ ليعملَ في المحكـمةِ الكبرى بجدة سبعةً وعشرينَ عاماً
ويتقاعـدُ وهو رئيسٌ لقسمِ الأنكـحةِ والضمانِ وبقيَ بعدها مأذوناً شرعيّاً عشرَ سنينٍ بادرَ خلالها بعقودِ النكاحِ لجماعتِهِ وأقاربِهِ وجيرانِهِ وأصحابِهِ دونَ أجرٍ سوى مالهم من محبةٍ في قلبه .

وقد عانى رحمه اللهُ بادئَ أمرِهِ ماعاناهُ أهلُ عصرِهِ من ضنكِ العيشِ وعُسرِهِ فرزقهُ اللهُ من الخيرِ لكنَّ المالَ حطَّ على يدٍ مبصوطةٍ لا تعرفُ معنىً للانقباضِ تنفقهُ يَمنةً ويَسرةً وهو بذلك راضي
أيقنَ أنَّ الدنيا إلى الزَّوالِ وكلُّ ما عليها كالخيالِ حتى لم يترك وراءّهُ سوى حقيبةٍ دبلوماسيَّةْ لم تمتلأ بالشيكات وصكـوكِ المُلكيَّةْ بل بقُصاصاتٍ من المقـالاتْ ومدوَّناتٍ من كتبٍ متفرقاتْ من
كلِّ بحرِ علمٍ حريٌّ بها أن تُجمعَ في كتابٍ مُلمٍّ . كان يستهويهِ التاريخُ الاسلاميُّ وعلمُ أنسابِ العربِ وبلاغةُ اللغةِ وفصاحتُها يتحِفُنا في كلِّ مجلسٍ بقصصٍ من التاريخِ والحِكمِ وأبياتٍ من الشعرِ
ضُمِّنت بالقيَمِ دأبَ على ترديدها أتذكرُ منها :



ألا يـادارُ لا يُبكـيكَ حـــزنٌ *** ولايذهبْ بصاحبِـكَ الزمـانُ
فنعمَ الدارُ كنتَ لكلِّ ضيفٍ *** إذا ما ضاقَ بالضيفِ المكانُ
أما والله قد بكتكَ الدارُ وساكنيها وضيفٌ كان يلقى مأواهُ فيها . ومنها أيضاً :



كم تشتكي وتقولُ أنكَ معدَمُ *** والأرضُ مُلكُكَ والسما والأنجُمُ
ولك الحقولُ وزهرُها وأريجُها *** ونسيمُهـا والبلبلُ المتَرَنِّمُ
إن كنتَ مكـتئباً لعزٍّ قـد مضى *** هيهـاتَ يُرجـعهُ إليـكَ تندُّمُ
أنظُر فمازالت تطلُّ من الثرى *** صُورٌ تكادُ لحُسـنها تتكلمُ
مابينَ أشجـارٍ كأن غصـونها *** أيـدٍ تصـفـقُ تـارةً وتسـلِّمُ
أحـبابُنا ما اجملَ الـدنيا بكم *** لا تقبُحُ الـدنيـا وفـيها أنـتمُ
ولقد رأينا قبحَها بدونِكَ وسوادَ لونِها بغيرِ نورِكَ . وأيضاً :

سـأعـيشُ رغمَ الـداءِ والأعــداءِ *** كالنسرِ فوقَ القـمـةِ الشمَّاءِ
أرنو إلى الشمسِ المُضيئةِ هازئاً *** بالسحبِ والأمطارِ والأنواءِ
وأيضاً:



ولاخـيرَ في خـلٍّ يخــونُ خـليلَهُ *** ويلقـاهُ من بعـد المـــــودةِ بالـجـفـا
سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها *** صديقٌ صدوقٌ صادق الوعدِ منصفا



وغيرُها أبياتٌ اعتدنا عليهِ يُنشِدها في كل أحوالِهِ في حـلِّهِ وترحـالِهِ ، ولم يخلو مجلسٌ يجلسُهُ من آياتٍ يتلوها ويفسِّرُها وملائِحَ من سيرة الحبيبِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ يكرِّرُها
تاقت لذاكَ الصوتِ حتى جُدرانُ المجالسِ وسرائرُها .
وكان يميِّزُهُ عفا اللهُ عنهُ جمُّ وفـائِهِ واعتزازُهُ بانتمائِهِ أحبَّ قبيلتَهُ وسعى لما فيهِ رِفعتُهم يفـرحُ لفرحهـم ويغتمُّ لغمِّهم لم يخلو دارُهُ يوماً من أحـدِهم يظل عندهُ أياماً وشهـوراً حتى
تُقضى حاجتُهُ ، وكان يُحـدد وقتاً لتعليمِ من شاءَ منهم بما فتحَ اللهُ عليهِ وأكثرُ ما اهتمَّ بتعليمهِ القـرآن ، ولم يكّد يحضرُ خِـلافاً لجماعـتهِ إلا أنهاهُ لما آتاهُ اللهُ من الحكمـةِ (ومن
يؤتَ الحكمةَ فقد أوتي خيراً كثيراً) فلا يفرغُ اجتماعٌ لقبيلتِهِ إلا باقتراحٍ منهُ ناجعْ ورأيٍ سائغٍ ماتعْ يتداولهُ مع أولي النُّصحِ منهم . مع ذلك لم يسلم من عداواتٍ أرهقتهُ وأرَّقتهُ
وأسقَمَتهُ كان دافِعُها الحسد .



ابتُليَ بمرضِ السرطانِ وبعدَ رحلةٍ طويلةٍ مع العلاجِ شفاهُ اللهُ وعادَ وهجُ السراجِ ثمَّ ابتُليَ بوفاةِ ابنتهِ الدكتـورةِ أحبُّ الناسِ إلى قلبهِ مخلِّفـةً بعـدها ثلاثةَ أطـفالٍ أكبرهم عمرُهُ سبعُ
سنينٍ فاحتواهم وصبرَواحتسبَ وبالصَّقلِ والتمحيصِ تعرِفُ الذَّهبَ . كما احتوى أمَّهُ من قبلُ وأخويهِ اللذين لم يكتب لهما التوفيقُ بوظيفةٍ ودخلٍ ثابتٍ وأسرةٍ فاهتم بهما ورعاهُما
وأسكنَ أحدَهما معهُ بحبٍّ ووفاءٍ قلَّ ما تسمعهُ .



رزقهُ اللهُ تسعةَ أبناءٍ خمسةُ بناتٍ وأربعة أولادٍ نشأوا على رؤيةِ الكتابِ لايفارقُ يدي والدِهمْ فأحبوا العلمَ والفضلُ في ذلك يعودُ لملهِمهمْ من غايةُ سعادتهِ نجاحُهم في دراسَتِهِمْ .
بناتهُ : معلمتينِ في اللغةِ العربيةِ والأحياءِ ودكتورةٌ في أصولِ الفقهِ بجامعةِ الملك عبدالعزيزِ (رحمَها الله) والأخيرتانِ حاصلتانِ على درجةِ الماجستير في علم النفسِ والتربيةِ .
أولادُهُ : معلمٌ في اللغةِ العربيةِ ونقيبٌ مهندسٌ في البحريَّةِ وأخصائيينِ في العلاجِ الطبيعيِّ والمختبراتِ الطبيَّةِ في مستشفى الملك فيصل ومستشفى الملك عبدالعزيز .
سعِدَ بما وصلَ إليهِ أبناؤُهُ وشعرَ بتحقيقِ ماسعى وراءَهُ فطابتْ نفسُهُ وقد شابَ رأسُهُ ورقَّ بأسُهُ فسلمَ للهِ أمرهُ وتسللَ المرضُ عائداً وإن حـاولَ الطبيبُ جاهـداً لكنهُ الأجلُ ليس
حائدأ وافتهُ المنيَّةُ يومَ الجمعةِ الموافقِ للتاسعِ من شهر ربيعٍ الثاني لعام ألفٍ وأربعمئةٍ وثلاثةٍ وثلاثينَ للهجرة بعدَ صلاةِ العشاءِ وأسألُ اللهُ أن يكون ممن شملهم قول الرسـول
صلَّ الله عليه وسلم ( ما من مسلمٍ يموتُ يومَ الجمعةِ أو ليلةَ الجمعة إلا وقاهُ اللهُ فتنة القبرِ) . رحمهُ اللهُ وطهرهُ ونقاهُ وزكاهُ واحتواهُ واجتباهُ ورضيَ عنهُ وأرضاهُ وأفسحَ قبرهُ
ونوَّرَ لهُ فيهِ وجعلهُ في المحسنين وكتابهُ في عليين إنه هو أرحمُ الراحمين .