تتغير قناعات الإنسان واهتماماته مع تقدم العمر، تختلف قراءته للحياة وإقدامه أو إحجامه على مغامراتها. لذلك لم أعد أراك بطلا، بل معجزة أو أسطورة! لن أدعي أنني أعرف الكل لكنني أعرف كثرا ممن صنفوا في خانة الأبطال، وأعرف عما أوصلهم إلى تلك الخانة ما يجعل القصة أقل نبلا وإعجازا، ليس انتقاصا منهم، بل لأنه لو تغيرت الظروف التي ساقتهم سوقا لتغير المؤدى ولظلوا بشرا عاديين. إلا أنهم وقد جرت بهم المقادير، أدوا ما عليهم كأحسن ما يكون، وبذلوا فيه جهد استطاعتهم، فاستحقوا تقديرنا للأبطال، وبإذن الله استحقوا جزيل الأجر والثواب.
تختلف أنت عنهم، فكل ما في حياتك كان ينصب كشلال هادر في مجرى حياة عادية متميزة، متميزة جدا، مجرى متواز تماما مع مجرى البطولة لا يتقاطع معه قط. لكنك تركت لشعورك أن يتنزعك من مجرى لآخر وعيناك مفتوحتان على كل الاحتمالات الرهيبة، دون قبس تفاؤل واحد. لم يكن انتحارا أو يأسا، وأنت تضع الخطط والخطط البديلة، وتسخر كل ما حباك به الله من مواهب وإمكانات لتذليل الدرب الشائك العسير، كنت حذرا يقظا غير متعجل. ولست أدري كيف اتخذت قرارك.. لكنني على ثقة من دمع الحسرة في عيون العدو والصديق يوم أدركوا جميعا أنهم فقدوك إلى الأبد! لم أر قبلك ولا بعدك بطلا لم يشمت أحد في خسارته، بل خسره الكل! ألم أقل لك أنك أسطورة!