من الخطاب الديني المتأثر بالتنمية البشرية، التفاؤل، ولكن ليس الذي على المفهوم الإسلامي، وإنما ذلك التفاؤل الذي يخلق في النفس المشاعر المزوّرة، مما يعمل عمل المخدّر في تغييب الوعي، والعيش في حالة الاستلاب العقلي والنفسي.
مثلاً:
كثيراً ما نقرأ في صفحات التواصل، وربما ممن ينتمون إلى الخطاب الديني:
ممكن حياتك تتغير بدعوة.. بسجدة.. برؤية..
ألم تتغير حياة النبي يوسف عليه السلام برؤية؟
فلا تيأس..
أقول:
هذا خطاب اختزالي جداً وغير واقعي، ولا يقع ضمن السنن الإلهية.
فهؤلاء يحذفون كل الأحداث من حياة يوسف، والتي أوصلته إلى لحظة الرؤية.
يحذفون من (ألمر).. مروراً برؤيا يوسف.. كيد إخوته.. الجب.. العبودية.. مراودة امرأة العزيز.. استعصام يوسف.. إغواء نساء مصر.. السجن..
كل هذه المحن والامتحانات والابتلاءات والصبر والإحسان والتي توّجت برؤية الملك، محذوفة من قصة يوسف.
الخطاب الاختزالي يقول: ستتغيّر حالك برؤية، فلا تيأس!
هل صبرت مثل يوسف؟
هل قاومت الإغراءات مثل يوسف؟
هل أثبت عقيدتك ومبادئك في مكان عملك مثلما فعل يوسف في قصر العزيز؟
هل كنت من الصابرين والمحسنين مثل يوسف؟
إذا كان الجواب: لا..
فكيف تريد نتيجة يوسف؟!
وعندما أعطى الله تعالى لزكريا وإبراهيم عليهما السلام عطاءً عجيباً (وهذا أيضاً مما يروّج له الخطاب الديني المتأثر بالتنمية البشرية)، كان لهما تاريخ مشرق مع الله تعالى، فزكريا وزوجته قال الله عنهما: «إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ».
وفي ابراهيم قال: «وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ».
وهكذا في بقية الأنبياء والصالحين.
بينما نحن نعمل عمل الشياطين ثم نريد نتائج الأنبياء!
فصدقني يا صديقي، حياتنا لن تتغير بدعوة لا تكون بعدها تغيير حقيقي وواعي لأنفسنا وواقعنا.
لن تتغير بسجدة تعود بعدها حليمة إلى عادتها القديمة!
التغيير قرار ثم عمل حقيقي، وليس أمنيات وترداد كلمات.
قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».
رب قائل يقول:
إذا كان الأمر كما تقول فما فائدة الدعاء والسجود؟
والجواب:
إن عملية التغيير تحتاح إلى توفيق وتسديد، فأنت عندما تقرر التغيير وتتحرك في الواقع لتحقيقه قد لا توفّق، فتذهب إلى الطريق الخاطئ، وتتخبّط ذات اليمين وذات الشمال، وقديماً قال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: "وكم من مُريدٍ للخير لن يُصِيبَه".
فهنا تأتي الدعوة والسجود لـ:
✓ تطلب من الله أن يعينك على التغيير في الاتجاه الصحيح.
وفي الدعاء نقول: "اهدني لما اختلفت فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".
✓ لأن التحديات والمغريات والمثبطات والجواذب كثيرة، والانزلاق وراء الشبهات والشهوات وارد في كل لحظة، فتدعو الله أن ييسّر لك التغيير، ويثبّتك في مسيرك نحو هذا الهدف.
✓ الشعور بالراحة والقوة، لأنك تربط نفسك بالقوة العظمى المطلقة، فتنطلق في الحياة انطلاقة الواثق بربه، المتوكل عليه.
ويبقى الدعاء سلاحاً قوياً بيد المؤمن، على أن يكون في سياق القيام بالواجب الشرعي، وليس بديلاً عن الواجب.. فتأمل!