بسم الله الرحمن الرحيم
في القرآن، قال طالوت قائد الجيوش لجنوده أثناء الزحف: "إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ، فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي، وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي، إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ، فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ".
ربط الانتصار في المعركة بالانتصار على النفس: "فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي". رغم العطش، لا تشربوا، إذا إشتد بكم العطش.
حَسِب الواحد منهم أن يشرب غرفةً واحدة، يغرفها من النهر. فكانت النتيجة "فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ". وهؤلاء هم القليل في كل عصر، شعارهم: نقاوم ما نحب ونتحمل ما نكره.
هاتان الكلمتين هما كل الدنيا. الدنيا كلها في الكلمتين. الدنيا هي النهر الذي يجري تحت أرجلنا، وكل واحد منا يغرف منه. واحد يأخذ ملء كفيه، وواحد آخر يُحمل. "فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ". هؤلاء القليل هم الذين خلق الله الدنيا لهم لكي يُفرِزهم، يُفرِز هؤلاء القليل من الكثيرة.
خلق الدنيا لكي يُفرِزهم ويعطيهم جناته في الآخرة، لأن هؤلاء أهله، أَهْلُ اللَّهِ وَخَاصَّتُهُ.
أما الباقي فهم حطب الشهوات في الدنيا، وحطب النار في الآخرة.
ربنا يجعلنا من الذين يقاومون ما نحب ونتحمل ما نكره.
....
د/ مصطفى محمود.
.رحمه الله.
كتاب: تأملات في دنيا الله