صندل أحمر كوميديا قصصية ترد الاعتبار للأحذية

هشام الصباحي
قرر سمير الفيل في مجموعته القصصية المُسماة "صندل أحمر " والصادرة في القاهرة عن دار فكرة للنشر والتوزيع عام 2008 في طبعتها الأولى أن يعيد الاعتبار كما يقول في الإهداء " إلى الجزم، والصنادل، واللكلوك..إلى النعال،, الشباشب، والكعب كباية "
حيث يعتبرها في نهاية الأمر جلودا لكائنات حية أُجبرت على التنازل عن الحياة حتى تساعدنا نحن في الاستمرار ومواصلة الحياة باستخدامها. ومن هنا يحاول القاص أن يعيد صياغة وعينا بالأشياء والمواد المحيطة ونفض غبار العادي عنها وإعادة الرؤية من جديد إلى ما نلبس في أقدامنا وأيضا إلى ما يعيش في عقولنا ويحيي ويموت في أرواحنا.
سمير الفيل واحد من أدباء مصر الذين يعيشون في محافظة دمياط وقد صدرت له من قبل خمسة دواوين شعرية، وروايتان، وسبع مجموعات قصصية، وكتابان للأطفال، وبعض الدراسات والحوارات الصحفية.
إن التفاصيل الإنسانية الاجتماعية التي تعبر عن روح المجتمع وخاصة في مدينة صغيرة مثل دمياط هي الأساس الذي لابد أن يمسك بك في قصص سمير الفيل مثل بائع الترمس الذي يرص قلله، وقراطيس الترمس، وقراطيس الطعمية، والحارة التي لا يبل في فمها فوله، وعلبة النشوق، وأعمال السحر الشعبية من فتح مندل وربط الرجال وعمل حجاب، والسميط والدقة والملح، والأطباق الفارغة التي تنزل من البيوت صباحا حتى تعود بعد دقائق بها فول مدمس وقرطاس الطعمية، حيث كان هذا الإحساس الذي تولد مع قراءة القصص في منتهى الروعة وهذه العادة من عادات أمي أطال الله عمرها خلال مرحلة الطفولة، أما حينما ذهبت للمدينة لم أمارس هذه العادة ولم أشعر بهذا الحنين إلى الطفولة وانتظار الأم عائدة بالفول والطعمية في الصباح الباكر إلا مع هذه المجموعة القصصية التي بها رائحة الحارة والريف معا.
من الإهداء ومن الصفحة الأولى يقوم سمير الفيل بصدمة الوعي العادي وخلق وعي جديد من حيث رؤيتنا للأشياء وخاصة إذا كانت تبدو في منتهى السطحية إذ أنه يجبرنا على أعمال الفكر بوعي جديد، حتى العنوان أيضا جديد و صادم.
لقد اعتمدت الفكرة الأولى على أن تكون القصص ذات عالم مترابط وبينها رابط، مثل الراوي فلفل الذي هو سمة أساسية في كل القصص يمثل الصوت الأساسي والراوي حيث أن كل ما يحدث في مجموعة صندل احمر القصصية يحاول سمير الفيل أن يتحدث فيه عن عالم جديد يتصل بالأحذية من بائع الأحذية ومصلحها ولابسها حيث وجه وعينا إلى أهمية هذا العالم الذي نشترك فيه جميعا إذ من النادر أن يكون هناك إنسان دون حذاء حتى لو كان ذا قدم ساق وحيدة » واحدة مثلما جاء في ص 30من القصة الأولى، التي تحمل عنوان،« السيم » يبدأ القاص سمير الفيل في السرد على لسان فلفل الذي يعمل في محل أحذية طرق البيع المختلفة التي يستخدمها في الحصول على نقود الزبون وهي مثل طرق الحرب التي لابد أن يخرج منها منتصرا، وقد أعطانا فلفل درسا في كشف هذه الأساليب والتعرف عليها. فلفل يمثل الراوي في أغلب القصص، هو الذي يكشف عن الملامح الخفية لأبطال القصص، مثل أستاذ الفلسفة والمحامي الكبير، حيث يعرفنا على حقيقتهم التي هي في الأغلب تختلف عما يظهرون بها أمام الناس.
تظل هذه المجموعة القصصية تطرح سؤالا يحتاج إلى أن يجيب عنه سمير الفيل بنفسه: لماذا لم يقم بتسميتها رواية وخاصة أنها تمتاز بالوحدة العضوية متوحدة المكان ووحدة العالم وأيضا وحدة الراوي فلفل بالإضافة إلى أن الرواية هي الصنف الأدبي الأكثر مبيعا في مصر بغض النظر عن الجودة .
نقلا عن جريدة العرب العالمية .. يوميات الثقافة 24/10/2008