لَمْ تَكُنِ الخَسَارَةُ وَجَعِي،
وَلَا الوِحْدَةُ خَيْمَتِي،
وَلَا الفَقْدُ سَيْفًا عَلَى خَاصِرَتِي.
الوَجَعُ كَانَ أَعْمَقَ مِنْ تَفَاصِيلِ الرَّاحِلِينَ،
كَانَ فِي تَهَشُّمِ المَعْنَى،
فِي تَصَدُّعِ المُطْلَقِ الَّذِي ظَنَنْتُهُ حَارِسَ وُجُودِي.
مَا سَقَطَ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَلْمُوسًا…
بَلْ رُكْنٌ فِي القَلْبِ
كُنْتُ أَظُنُّهُ مُقَدَّسًا:
ثَبَاتٌ،
حَقٌّ،
عَدْلٌ،
نُورٌ لَا يَخْفُتُ، وَسَنَدٌ لَا يَخُونُ.
لَكِنَّ الخَرَابَ، يَا صَدِيقِي،
لَا يَجِيءُ صَارِخًا،
لَا يَهْجُمُ كَجُيُوشِ الظَّلَامِ،
بَلْ يَتَسَلَّلُ…
كَوَجَعٍ بَارِدٍ فِي العَظْمِ،
يَسْتَقِرُّ،
ثُمَّ يَصِيرُكَ.
مَا عُدْتُ أَبْحَثُ عَنْ إِجَابَةٍ،
وَلَا أُطَارِدُ ضَوْءًا فِي آخِرِ النَّفَقِ.
كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ الآنَ،
صَمْتٌ يُشْبِهُ الحِكْمَةَ،
وَغَضَبٌ لَا يَصْرُخُ…
لَكِنَّهُ يَعْرِفُ جَيِّدًا مَا خَسِرَهُ.
كُلُّ يَقِينٍ تَهَشَّمَ،
كُلُّ فِكْرَةٍ أَصَابَهَا الصَّدَأُ،
كُلُّ شُعُورٍ صَارَ خَفِيفًا كَرَمَادِ العَاطِفَةِ،
وَكُلُّ حُلْمٍ صَارَ قَابِلًا لِلذَّوَبَانِ مَعَ أَوَّلِ غِيَابٍ.
كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ المَعْرِفَةَ تُدَاوِي،
أَنَّ الخَيْرَ لَا يُمْحَى،
أَنَّ فِي القَلْبِ ضَوْءًا لَا يُطْفَأُ.
لَكِنَّ الرِّهَانَ خُذِلَ،
وَالعَهْدَ تَسَرَّبَ مِنْ بَيْنِ الأَصَابِعِ.
فَهِمْتُ مُؤَخَّرًا،
أَنَّنَا نَشْتَاقُ لِمَا لَا يُوجَدُ .. نُؤْمِنُ بِمَا نَتَمَنَّى، لَا بِمَا هُوَ.
وَرَغْمَ هَذَا…
لَمْ أَهْرُبْ.. لَمْ أُطْلِقْ صَرْخَةَ النَّجَاةِ،
لَمْ أُخْفِ وَجْهِي خَلْفَ قِنَاعٍ رَخِيصٍ.
بَلْ وَقَفْتُ… وَجْهًا لِوَجْهٍ أَمَامَ الغِيَابِ،
كَمَا هُوَ.
لَا بُطُولَةَ فِي هَذَا،
وَلَا شَجَاعَةَ خَارِقَةً.
هُوَ فَقَطْ صِدْقٌ…
الصِّدْقُ الأَخِيرُ لِلْإِنْسَانِ حِينَ يُبْصِرُ الحَقِيقَةَ .. وَلَا يَمُوتُ.
بَلْ يَتَنَفَّسُ…
وَهَذَا وَحْدَهُ،
أَحْيَانًا،
يَكْفِي!.