تقسيم الوطن لا تقبله أمة حية شريفة
الإيجابية السمحة التي سار عليها بعض الدول العربية
لم ترد الإنجليز إلا عناداً، واليهود إلا صلفاً وعتوا
السؤال الثالث:
يقول بعض الناس : إن رفض التقسيم ، والكتاب الأبيض، والتزام السلبية، من الأسباب التي أوصلت فلسطين إلى حالتها الحاضرة، فما تقولون في ذلك ؟
الجواب :
إن لنا أن نتساءل، ونحن في صدد بحث مشروعات الحلول المعروضة لقضية فلسطين : أن لو قبل بها العرب، على قلة جدواها ومخالفتها للميثاق القومي والمبادئ الوطنية السامية، فهل هناك ما يضمن أن الإنجليز سينفذونها ويعملون بها، بعد أن يكونوا قد انتزعوا من العرب اعترافاً بالانتداب والوطن القومي اليهودي؟
إن لدينا أدلة كثيرة أيدتها تجارب مريرة على أن السياسة البريطانية تفتقر دائماً إلى حسن النية، وعلى أن بريطانيا مصممة كل التصميم على تنفيذ مؤامرتها المبيتة مع اليهود في فلسطين .
لجان التحقيق البريطانية :
فقد شكلت الحكومة البريطانية في كثير من المناسبات، نيفاً وعشرين لجنة من "لجان التحقيق البريطانية" لدرس مشكلة فلسطين وتقديم التواصي لمعالجتها على أساس بحث شكاوي الأهلين وتجنب قيام اضطرابات جديدة وكان من أهم تلك اللجان لجنة السر ولترشو البرلمانية، ولجنة السر جون هوب سمبسون، ولجنة لويس فرنش.
وقد اعترفت جميع تلك اللجان بصحة شكاوي العرب وحرمانهم من حقوقهم، وأوصت الحكومة البريطانية باتخاذ بعض الوسائل لمعالجة شكاياتهم، ولكن هذه الحكومة لم تنفذ أية توصية من التواصي التي جاءت في صالح العرب. وهكذا استبان العرب أن القصد من تشكيل تلك اللجان إنما كان المراوغة والتخدير .
الكتاب الأبيض لعام 1930م :
وعلى أثر اندلاع ثورة 1929 ووضوح ظلامة عرب فلسطين للعالم أجمع، وصدور تقرير (لجنة شو) ، أصدرت الحكومة البريطانية في أكتوبر 1930 كتاباً أبيض عرف باسم "كتاب اسفيلد، وهو وزير المستعمرات حينئذ، وكان هذا الكتاب قائماً على أساس تقرير لجنة "شو" الذي نص على وقف الهجرة اليهودية وتقييد بيع الأراضي لليهود. فلما صدر أقبل عليه العرب ولم يرفضوه وضج اليهود باستنكاره، فقررت الحكومة البريطانية إرسال لجنة خاصة لدرس شؤون الأراضي برئاسة السر جون هوب سمبسون، وكنت مع الوفد الفلسطيني الذي كان في لندن حينئذ، فقلت لمستر ما كدونالد رئيس الوزارة : "لقد دلت التجارب على أن كل تقرير يكون في صالحنا ولا يريده اليهود لا ينفذ، وأن كان التقرير في صالح اليهود نفذ فوراً، وإنا لنخشى أن يكون مصير هذا التقرير كذلك، والدليل على هذا إزماعكم إرسال لجنة سمبسون ولما يجف مداد تقرير لجنة شو، ونخشى أن يؤثر اليهود على أعضائها . فقال ما كدونالد : "إن هذه اللجنة هي لجنة فنية لبحث شؤون الأراضي ومقدار استيعابها. واد مازحاً: لا يستطيع اليهود أن يؤثروا على السر سمبسون مطلقاً، فهو اسكتلندي أصيل مثلي .." .
وبعد عودة هذه اللجنة الفنية صدر كتاب باسفيلد الأبيض المذكور آنفاً، فلم يقف العرب حياله سلبيين رغم أنه لم يحقق آمالهم وكانوا إيجابيين ، ولكن اليهود هم الذين كانوا سلبيين، فاستنكروه ورفضوه وأثاروا حوله الضجة، فنقض الإنجليز غزلهم، وسحبوا الكتاب الأبيض المذكور، وبنتيجة ذلك استقال اللورد باسفيلد الذي تبنى ذلك المشروع .
المجلس التشريعي لعام 1935:
وفي عام 1935 فوضت الحكومة البريطانية المندوب السامي السر أرثروا كهوب فعرض في 21 ديسمبر مشروعاً جديداً لتشكيل مجلس تشريعي مؤلف من 28 عضواً نصفهم من العرب والنصف الآخر من اليهود والإنجليز، وأعلن المندوب السامي أن الحكومة مصممة على تشكيل المجلس رغم كل معارضة، ولو اضطرت إلى تعيين الأعضاء عن الفريق الذي يرفض الاشتراك فيه . ورغم هزال المشروع أبدى العرب استعدادهم لبحثه، ولكن اليهود رفضوه معلنين أنهم لا يقبلون الاشتراك في أي مجلس تشريعي لا يكون لهم فيه نصف الأعضاء على الأقل . ولما جرى بحث المشروع في البرلمان البريطاني قرر مجلس اللوردات ومجلس العموم رفضه، فطوته الحكومة البريطانية ، ولو رغبت فيه لما عجزت عن الحصول على موافقة البرلمان عليه .
لجنة بيل توصي بتقسيم فلسطين :
ولما وقع إضراب فلسطين العظيم عام 1936 الذي صحبته ثورة فلسطين الكبرى ودام ستة أشهر كاملة ولم ينته إلا بتدخل ملوك العرب وأمرائهم ، أوفدت الحكومة البريطانية لجنة التحقيق الملكية (لجنة اللورد بيل) إلى فلسطين ، وأوصت في تقريرها بتقسيم فلسطين بين العرب واليهود والإنجليز، وكان طبيعياً أن يرفض العرب تقسيم بلادهم .
مؤتمر مائدة مستديرة في لندن :
فاستأنفت الثورة واشتدت ، واتسع نطاقها اتساعاً خطيراً جداً اضطر السلطات البريطانية للعدول عن التقسيم في عام 1938، ورأت بريطانيا لمعالجة الموقف أن تدعو كلا من حكومات مصر والمملكة العربية السعودية واليمن والعراق وشرق الأردن واللجنة العربية العليا بصفتها الممثلة لعرب فلسطين، إلى مؤتمر مائدة مستديرة في لندن، ولكن المؤتمر فشل في الوصول إلى حل لقضية فلسطين ، لتعنت الاستعمار واليهود ، وتدخل الولايات المتحدة الأمريكية .