باحث إسرائيلي:

الاستشهاديون الفلسطينيون لا ينتحرون

أقر عالم نفس إسرائيلي متخصص في حوادث الانتحار أن هناك فارقا كبيرا بين الانتحار وبين ما جرت العادة على وصفه بـ"العمليات الاستشهادية"، موضحا أن المنتحر يجد الموت هدفا في حد ذاته ودافعا للتخلص من حياته، بينما يكون دافع الاستشهادي أسمى، ويتمثل في "إيجاد حياة كريمة للآخرين".

وقال يسرائيل أورون في بحث سيكولوجي نشرته صحيفة هآرتس الإسرائيلية الثلاثاء 22-4-2003م: "إن الدافع السيكولوجي للانتحار ينطوي على أنه ألم نفسي لا يستطيع الإنسان تحمله"، موضحا أن "الإنسان الذي يقرر الانتحار يضيق عليه عالمه لينحصر في هدف واحد هو وضع حد لحياته، فهو غير قادر على الشعور بالأمل أو رؤية مستقبل آخر، ولذلك تجده يتصرف مدفوعا بدوافع أنانية محضة".

وأضاف أورون أن الأمر مختلف تماما عند منفذي العمليات الاستشهادية الذين يجدون في تنفيذ عملياتهم الفرصة الوحيدة لتغيير أوضاع أبناء شعبهم السيئة، وإذا ما تخلوا عن هذه الفرصة فإنهم سيعيشون حتما حياة ذل وخطر دائم، لا تستحق وصفها بالحياة.

رؤية للحياة والمستقبل

وقارن عالم النفس الإسرائيلي بين رؤية الشخص المنتحر والاستشهادي للحياة والمستقبل، موضحا أن "الشخص الذي ينوي الانتحار، ينظر للحياة التي عاشها ولا يتطلع للمستقبل، وهو بالقطع لا يفكر بتكوين أسرة، التي هي رمز لاستمرارية الحياة، لكن استنادا لتحليل مقابلات تلفزيونية أو تسجيلية مكتوبة أجريت مع منفذي عمليات ظلوا على قيد الحياة، استنتجنا أن غالبية هؤلاء لم يرغبوا في الموت".

وأشار أورون إلى أحد أقوال بعض منفذي العمليات الاستشهادية، ومنها: "اخترت أن أكون شهيدا"، "أردت فقط المشاركة في كفاح شعبي من أجل التحرر الوطني"، "هذا ليس انتحارا، بل عملية استشهادية".

وفي سياق بحثه النفسي حول هذا الموضوع بحث أورون عن نموذج مشابه للاستشهاديين الفلسطينيين يتعلق بـ"حرب الانتحاريين"، واختار من ذلك ما مارسه الطيارون اليابانيون "الكاميكاز" في مواجهة الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية.

وتوصل عالم النفس الإسرائيلي من خلال تحليل نصوص الرسائل التي تركها الاستشهاديون الفلسطينيون، وطيارو الكاميكاز، إلى أن الدوافع النفسية لدى الحالتين متشابهة، موضحا أنهم مدفوعون بدافع إرادة الحياة، وليست رغبة الموت، على خلاف ما يحرك المنتحرين من الناس العاديين.

وقال أورون: إن الرسائل الأخيرة التي تركها طيارو الكاميكاز اليابانيون تؤكد أن إقبالهم على تنفيذ العمليات الانتحارية يأتي من قبيل "طاعة الأمر"، الذي يخلو بصورة شبه تامة من عنصر الاختيار.

وأوضح أنه "على الرغم من أن مهمة طياري الكاميكاز وصفت بأنها تطوعية، فإنه كان واضحا أن هذا التطوع بمثابة أمر لا يمكن رفضه أو التردد في تنفيذه"، مشيرا إلى أن الانقضاض الانتحاري للطيارين اليابانيين بطائراتهم على السفن وحاملات الطائرات الحربية الأمريكية كان وسيلة عسكرية تهدف إلى ضمان إصابة الهدف.

الأمل الأخير

وفي معرض إجابته على سؤال حول "ما الذي يدفع شخصا يافعا ومعافى إلى قتل نفسه؟" قال أورون: في حالة طياري الكاميكاز: الإقبال على العمليات الانتحارية كان بمثابة اليقين بأنه ليس هناك خيار آخر، وأنهم الدرع الأخير والأمل الأخير لليابان، وأنهم إذا رفضوا التطوع للمهمة فإن النتيجة ستكون هزيمة اليابان وموتهم.

وأضاف أن حافز منفذي الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية مشابه لحافز طياري الكاميكاز، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن القادة الذين جندوا طياري الكاميكاز في اليابان ورجال المنظمات الفلسطينية الذين يجندون "الانتحاريين" لتنفيذ العمليات اعتمدوا على نصوص مستمدة من الدين والتقاليد.

ونقل عالم النفس الإسرائيلي عن أحد السجناء الفلسطينيين المتهمين بمحاولة تنفيذ عمليات استشهادية قوله: إنه اعتمد على الفريضة الدينية "الاستشهاد" باعتبارها الدافع الأبرز والأهم، ومن ثم واجب مقاومة الاحتلال.

وأضاف أورون أن حديث المعتقلين يدل على أن نية الموت لم تكن الدافع المحرك لديهم، مشيرا إلى قول المعتقل "أ" الذي يقول: إنه لو أقيمت دولة فلسطينية ما كان ثمة حاجة لتنفيذ عمليات، ولكن "طالما بقي الاحتلال، فسيبقى الاستعداد للمقاومة، وبالتالي الاستعداد لاختيار الشهادة".

الموضوع منقول