حقيقة المقاومة في العراق ...
الوثيقة الزرقاوية تكشف النقاب عن حقيقة المقاومة في العراق
وكأن هذه الوثيقة التي طال انتظارها جاءت لتحل الكثير من ألغاز ما يسمى بالمقاومة العراقية !..إذ شكى المتعاطفون مع هذه المقاومة من استهداف رجال الشرطة العراقية ومراكز الدولة المختلفة في الوقت الذي كان يصور فيه عناصر التيارات الأصولية في العراق وغيره بأن معركتهم مع الجنود الأمريكيين تحديداً.. فما الجديد في هذه الوثيقة الصارخة ؟
وقعت وثيقة الزرقاوي التي عثرت عليها القوات الأمريكية بجيب أحد عناصر التيارات الأصولية المعتقل مؤخراً في العراق على قرص مدمج في 17 صفحة، وقارئ الوثيقة يلحظ بوضوح لغة الخطابات الجهادية النارية جنباً إلى جنب ولغة التكفير التي لا تستثني إلا الجماعة السلفية التي تعد الدم مشروعها الوحيد، وتستشهد الوثيقة بآراء كبار علماء السلفية، أبن تيمية وغيره، لتبرير قتل الناس من المسلمين قبل غيرهم، فيما تنظر الوثيقة بعين الشك إلى العراقيين، الذي ما ساعدوا المجاهدين على حد وصف الوثيقة من القيام بمهامهم الوطنية، حيث ظل العراقيون، تضيف الوثيقة، يرنون إلى يوم السلام والأمان وبناء غد العراق المشرق !!.. وتنتقل الوثيقة لتشريح فئات الشعب ومكوناته وتخص بالويل والثبور وتهديد : أبناء الشيعة والأكراد والكثير من أبناء السنة الذين رفضوا مجتمعين الانخراط في معركتهم الدموية (ضد من ؟ لا احد يعرف !)، وبعد هذا التشريح تدعو الوثيقة إلى مزيد من الدم عبر : استهداف تلك الفئات، وزرع الفرقة بينها واغتيال رموزها وإثارة الفتنة بين السنة والشيعة والأكراد وصولاً إلى تحويل العراق إلى بركة من الدم ! متأسفة من أن جغرفية العراق ليست فيها جبال تورا بورا
نعم، جاءت الوثيقة لتحل لغز ما يسميه الأشقاء بالمقاومة العراقية (الباسلة) عندما شرحت طرائق تفكير رموزها ونظرتهم العملية للواقع العراقي، عندما يصبح اغتيال الحلم مشروعاً، واغتيال الوطن هدفاً، وتشريد الأمهات الثكالى أمنية وترويع الصغار مطلباً … ولكن : لماذا هذا كله ؟
يبدو مشروع الإسلام السياسي المعاصر مليئاً بالدم، أو على الأقل هكذا تقول أدبياته بالرغم من الدعاوى التي نسمعها هنا وهناك وتفيد بأن الإسلام هو دين التسامح والمحبة.. نقول أن تلك الدعاوى بدأت تتساقط الواحدة تلو الأخرى، وصار المسلمون في حيرة من أمرهم من يصدقون ؟ التيارات الأصولية تغزو الشارع العربي والإسلامي، وعادت ألفاظ عديدة من قبورها لتولد اليوم تحت حوافر الجهاديين، ألفاظ مثل : الرافضة و النصارى والسيوف والخيول وما إلى ذلك تقدمت بقوة صفوف الكلام والخطاب لتعيد أمة الإسلام إلى قرون طويلة خلت، ولابد للمتابع هنا من أن يقف متفكراً فيما يريد هؤلاء المتحصنين بفتاوى وشيوخ وقلوب ميتة حقاً.. هل يريدون إقامة دولة الخلافة الإسلامية ؟ فلمذا إذن لا يتحالف معهم الكثير من الشيوخ وجال الدين في هذه الدولة أو تلك مادام مطلبهم هذا شرعياً كما يقولون ؟ ثم من علينا أن نصدق ؟ ثمة اليوم من رجال الدين المسلمين من يكفر هؤلاء الجهاديين، وبالطبع فإن الجهاديين أنفسهم لطالما كفروا غيرهم ؟.. لنعد إلى وثيقة الزرقاوي نفسها، فهي تتوعد ضمناً دولاً أخرى : دول الخليج تحديداً، فماذا يقول رجال الدين في هذه الدول، خاصة السعوديين منهم، ونحن نعرف أن تيار القاعدة الدموي بزعامة بن لادن كان يهدف من جملة أهدافه إلى القضاء على عائلة الحكم السعودية.. طيب، وجيش العالماء والمفكرين والدعاة السعوديين.. كيف علينا أن ننظر إليهم ؟ إنها متاهة لا أجد لها مخرجاً حقاً.. ولكن الجهاديين وجدوا مخرجهم بالحرب الطائفية في العراق، وهو ما تدعو وثيقة الزرقاوي إليه جهاراً، إذ يعتقدون أن هذه الحرب هي وحدها الكفيلة بإخراج الأمريكان من العراق وبالتالي تسهيل أهدافهم الستراتيجية في العراق ودول الجوار الخليجية.. وكاتب الوثيقة يتوجه بطلب النجدة إلى الشيوخ المتحصنين في الجبال البعيدة، فماذا يعني ذلك ؟ الا يعني أن هؤلاء الشيوخ باستطاعتهم فعلاً أن يساعدوا بالمال والرجال والسلاح ؟ فما دور رجال الدين الآخرين، غير الجهاديين، من ذلك ؟
لقد كان واضحاً قبل الحرب الأخيرة أن العراقيين لن يدافعوا عن نظام حكم أذلهم، وسيتركوا المجنزرات الأمريكية تعبث بهيبة بطل البوابة الشرقية، وهو ما حصل فعلاً، وبدا بعد التاسع من نيسان أن العراقيين مشغولين بعد فرحهم بسقوط النظام ببناء وطنهم المدمر، ولكن ذلك لم يكن ليرضي نخباً عربية واسلامية واسعة، من بينهم بالطبع الزرقاوي القادم من وراء الحدود وثلة من الجهاديين الوهابيين. فهل استطاعت هذه الوثيقة الخطيرة جداً أن تكشف للنخب العربية الموهومة بطريقة طفلية بمعاداة الامريكان أن ما يجري في العراق اليوم ليست على أية حال مقاومة وطنية مشروعة لإخراج المحتل ؟ هل تدرك النخب العربية أن ما يجري في العراق من الممكن جداً أن تنتقل فصوله بأقرب فرصة إلى دول عديدة قد تعتقد أنها تعيش اليوم بأمان وسلام ؟ هل ستدرك هذ النخب أن مشروع التيارات الأصولية ليس إلا مشروعاً دموياً يستبيح كل شيء وأي شيء باسم الإسلام ؟ وأخيراً متى نسمع من النخب العربية خطاباً واضحاً وصريحاً بخصوص أنهار الدم التي تجري هنا وهناك باسم الإسلام وتياراته الجهادية الأصولية ؟
من البداهة بالنسبة لعراقي أن يقول أن الخلافات المذهبية والطائفية، أو القومية حتى، لم تكن في يوم من الأيام سبباً لللاحتراب في العراق، ويلمس هذه الحقيقة كل من زار العراق وجال في أرجاءه، ومن البديهي إذن أن يقر الزرقاوي في وثيقته تلك بأن مهمتهم تفشل في استمرار في العراق، ولذلك يدعو إلى توسيع رقعة الدم المسفوح لإرباك أكثر قدر ممكن من العراقيين وجرهم إلى المعركة التي يصفها هو ويريدها هو، في الوقت الذي يجمع فيه العراقيون على رفضهم لهذه الحرب القذرة …. والقذرة جداً ...
أخوكم محمد السوالمة
بئس تاج على رأس خانع مذل ونعم قيد في ساعد حر أبي