بسم الله الرحمن الرحيم

هل كل حزبي اعمى
أو ضرورة التكتل عن وعي

الاسلام دين هدى ونور ، ليس فيه غموض ولا اغلوطات ولا طلاسم ، بسيط رغم عمقه . اصوله البيِّنات في متناول عقل كل أحد يريد بصدق فطرته التي فطر عليها ان كان جادا أن يصل إلى الحق فيها . فهو اذا ما اخلص نيته وتجرد عن الاغراض وشمَّر عن ساعد الجدِّ واتعب نفسه في البحث قليلا، ورفضَ التقليد المذموم ، التقليدَ على غير بصيرة ، كانت اصوله البينات اقرب اليه من حبل الوريد . افمن يمشي مكبا على وجهه اهدى امن يمشي سويا على صراط مستقيم ان قارئ القرآن الكريم يَمر على قوله تعالى : ﴿قل هذي سبيلي ادعو الى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما انا من المشركين ﴾ يوسف 108
فمن تبِعَ غيَّره على جهالة وعمى أشرك بالله وان لم يشعر بذلك .
ويمر على الآية الكريمة : ﴿ يا ايها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم فان تنازعتم في شيء فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ واحسنُ تأويل﴾ا النساء 59
فحصول التنازع والخلاف بين المسلمين وبينهم وبين غيرهم أمر واقع لا محالة ، ولكن مرجعية الحُكمُ ومقياس الفصل عند الخصومة هو القرآن والسنة وما ارشدا إليه ، أي الدليل الموحى به من الله .
والذي لديه ادنى المام بالثقافة الاسلامية مرَّ عليه حديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : ((لا طاعة لمخلوق في معصية الله عزوجل )) مسند أحمد وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : (( لا طاعة في معصية انما الطاعة في المعروف )) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابو داود واحمد .
فمن قلدّ دينه الرجال وقع في التقليد غير السائغ ومن كان هذا حاله أنـّى له ان يعرف المعروف من المعصية حتى تكون طاعته طاعةَ من استحقها شرعا في المعروف، ومثل هذا ينطبق عليه بدقة قوله تعالى : ﴿صمّ بكم عمي فهم لا يعقلون ﴾ البقرة 171 وقوله تعالى : ﴿ صم بكم عمي فهم لا يرجعون﴾ البقرة 18 وقوله تعالى : ﴿ان شرَّ الدواب عند الله الصمُّ البكم الذين لا يعقلون﴾ الانفال22.
فالذين لا يعقلون الحقيقة بأنفسهم ويتوصلون إليها بذاتهم لا يرجعون إلى الصواب أبدا .
نستنتج من بعض ما ذكر من الآيات والاحاديث وما شاكلها على كثرتها أن الاتباع على بصيرة هو إتباع للغير شكلا ، انقياد للحق الذي توصل له المتبِع بذاته حقيقة . أ ي هو إتباع للحق وفق تصور المتبِع اقتضى مما يقتضيه طاعة في المعروف لمن استحق الطاعة شرعا.
ويجسد هذه الطاعة الواعية المستنيرة الصحابي الجليل كعب بن مالك وصاحبيه رضي الله عنهم الذين ادركوا ان لا ملجئ من الله الا اليه وبقوا متمسكين بايمانهم رغم كل الظروف ولم يخرجوا عن طاعة الرسول قيد شعرة حتى ضاقت عليهم الارض بما رحبت غير متّهِمين للرسول ولا للمسلمين الذين قاطعوهم طاعة لله والرسول حتى بلغت المقاطعة اقرب المقربين منهم .لقد كان جميعهم المقاطَعون والمقاطِعون تشخص ابصارهم الى السماء تنتظر الفرج المبين .وكم كانت فرحة المقاطِعين بتوبة الله على المقاطَعين . وهذه الحالة لم تثر احقادا ولم تظهر همزا ولا لمزا ولا انتصارا شخصيا ولا استعراضا كلاميا دعائيا لما قام به المقاطَعون مما ظهر منهم من اعمال الخير في سالف ايامهم خشية ان تُحبط وتُجعل عليهم حسرات ، بل لم تنفع اغراءات الاعداء لايجاد ثغرة في مجتمع المسلمين، الاعداء الذين كانوا يراقبون ما يحدث به عن كثب . فطاعة الله ثمّ من امر الله بطاعتهم في المعروف لا تستدعي الفجور عند الخصومة فمن عبد الله كأنه يراه واستحضر درجة الاحسان هذه ارتدع عن الفسوق والعصيان والتباهي بالاعمال وكأن العمل للاسلام هو استعراض للعضلات وتباه بالادعاءات .
أما إتباع الإنسان غيره على غير بصيرة تقوم بذات المتبِع فهي عماية وضلال قد تقود صاحبها الى بيع اخراه بدنيا غيره لا بدنياه ، فيخسر خسرانا مبينا. ورحم الله عبدالله بن المبارك عندما قال حين سئل عن السفلة ، (( الذين يأكلون بدينهم ، قالوا فمن سفلة السفلة ؟ قال : الذين يصلحون دنيا غيرهم بتضيع دينهم . )) العقيدة الاسلامية واثرها في بناء الجيل ص75 عبدالله عزام .
وينطبق على هؤلاء الحمقى تمام الانطباق قوله صلى الله عليه وآله وسلم .
عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا تكونوا امّعة تقولون : ان أحسن الناس أحسنا واذا ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم اذا أحسن الناس ان تحسنوا واذا أساءوا فلا تظلموا )) انفرد به الترمذي
وقول الشاعر :

وهل انا الا من غزية ان غوت ...... غويت وان ترشد غزية ارشد

وتعال بنا أخي الحبيب نتدبر قوله تعالى : إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم

لاحظ الجهالة المقيتة المتمكنة من الاتباع على غير بصيرة حتى عند رؤيتهم الحق رأي العين ، تلك الجهالة التي تمثلت بقولهم : لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا ، ولم يقولوا : لو ان لنا كَرَّة فنتبع الحق _ وقد رأوه بالعين _ فننجوا بانفسنا يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون الا من اتى الله بقلب سليم ، بل كل همهم رغم اللحظات العصيبة ان ينتقموا ممن ضَحك عليهم بعد ان كانوا مستعدين للتضحية في سبيلهم بالمال والنفس .فهم قُفلٌ حمقى حتى في مثل هذه اللحظات العصيبة ، كل ما كان لديهم في الدنيا هو السباب والشتم والاستهزاء وردود الافعال وهي عين ما لديهم هنا ، لا يعقلون فلا يرجعون . وكفى هؤلاء الاتباع عذابا فوف عذابهم ان يتبرأ منهم رؤساءهم واسيادهم ومعبوداتهم التي كانوا يطيعونها في كل شيء حتى في الامر ونقيضه , فلنتأمل هاتين الآيتين جيدا ، قبل ان نندم حيث لا ينفع الندم وتصبح اعمالنا حسرات علينا ، لا سمح الله .
ومن كان هذا حالهم لازمهم الجهل والعمى والتعصب الاعمى فاصبح تسخيرُهم وركوبُهم لخدمة الأرباب سهلا ميسورا ، فضلَّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا .
هؤلاء هم الذين عناهم سيدنا علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ورضي عنه بقوله: والباقي همج رعاع اتباع كلِّ ناعق في قوله مصنفا الناس : ((الناس ثلاث :فعالم رباني ومتعلم في سبيل نجاة والباقي همج رعاع اتباع كل ناعق )) جامع بيان العلم وفضله ليوسف ابن عبد البر ج1 – ص 29
لاحظ قوله كرم الله وجهه(( متعلم في سبيل نجاة )) والنجاة مستحيلة بالجهل او الاتباع الاعمى على غير بصيرة .
هؤلاء هم شرّ خلق الله وويل لامّة حكمها الارباب الطواغيت بامثال هؤلاء الجهلة الجفاة الاغبياء الذين لا يعرفون الا تنفيذ الاوامر ، فكانوا يدَّ الطاغوت التي يبطش بها وعينه التي يتجسس بها لابقاء الواقع الفاسد متحكما متمكِّنا للحيلولة بين المخلصين للدعوة على بصيرة وبين التغيير والنهضة بالامة الاسلامية ، والأخذ بيدها إلى المكان الذي امرها الله ان تقتعده ما كانت الحياة الدنيا ، مهما تعددت اجتهاداتهم ما دامت مستنبطة استنباطا صحيحا عليه دليل معتبر .

يتبـــــــــــــع ......... / ......