أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قصة قصيرة :- شروق جديد

  1. #1
    قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر - بلطيم
    العمر : 49
    المشاركات : 285
    المواضيع : 38
    الردود : 285
    المعدل اليومي : 0.04

    افتراضي قصة قصيرة :- شروق جديد

    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    مد السائق ساعده من نافذة السيارة ... تساقطت قطرات من المطر عليه ... سحبه داخل السيارة ... غرس أصابعه بين كتلة شعره الصلب المجعد المتراكم عليه ذرات من التراب ... نظر فى المرآة الأمامية وجده ككتلة حجرية قِدَمَ الزمان ... ضحك ... سخر من نفسه :-
    - مثل الرأس الفرعونى الذى شاهدته فى المتحف التاريخى !
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    كل السائقون أمامه منهمكون فى أعمالهم ... من يحتسى فنجان القهون ... من يحتسى كوب الشاى الساخن ... من يتناول وجبة إفطاره ... ومن يسخن موتور سيارته ... فهم يقومون بهذه الأعمال استعداداً للرحيل لمدنٍ وبلاد قد ملوا الرحيل إليها يومياً ... صباحاً ومساءً .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    النهار فى بدايته طويل ... رغم أننا فى اليوم السادس من طوبة ... والسماء ملبدة بالغيوم وبالسحب المتراكمة المتزاحمة الشديدة السواد ... فشيئاً ما فى هذا الفضاء يوحى بأن هذا اليوم مبرق ومرعد وممطر ... هكذا استنتج السائق ما سيحدث فى هذا النهار ... وما سيلاقيه فى سفره من متاعب وأهوال فى الطريق .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    ذهب السائق تجاه النافذة ... قرب منها ... ألقى رأسه خارج العربة جهة الشرق ... فاصطدمت عيناه بعين الشمس المولودة حديثاً بطريقةٍ قيصرية من رحم السماء .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    بدأ السائق يحدث نفسه وهو ناظر إلى قرص الشمس التى تحاول السطوع متحديةً كل الظروف السيئة المحيطة بها :-
    - النهار طويل ... الطريق طويل ... والمسافرون كثيرون ... وساعات اليوم كثيرة على سائق مثلى تخطى عشرين عاماً فى مجال القيادة .
    تعود السائق فى الساعات الأولى من صباح كل يوم أن يغفو قليلاً على كرسى القيادة منتظراً ميعاد رحيله .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    فكل سيارة لها ميعاد محدد للرحيل عن هذه البلدة ... فقد تم عقد اتفاق أو ما جرى عليه العرف فى محطة السفر على من يأتى مبكراً عليه أن يحمل حمولته وركابه ويسافر ويليه الثانى ثم الثالث ... إلى أن ترحل آخر سيارة ... كل إلى بلاد ومدن مختلفة تمام الاختلاف عن تلك البلدة الجميلة الهادئة .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    أغلق السائق النافذة اليسرى لشعوره بالبرد داخل السيارة ... ود أن يفعل أى شئ داخل السيارة ... أدار المذياع ... خفض من صوته ... أغلقه ... نظر أمامه ... نظر للخلف .
    جاءه من الخلف أصوات متداخلة مزعجة ... أصابته بالصداع ... حاول أن يصغى أذنيه من النافذة ليعرف سبب هذه الضجة ... فتبين له أنها مشادة كلامية بين سائق وآخر ... وهناك على جانبى الرصيف شخصان يسبان بعضهما و ...
    فتناول مسرعاً قطعة القطن الملقية على الكرسى المجاور له وشطرها نصفين ... وسد بها أذنيه ... أحس بالهدوء ... فغلبه النوم ... فنام .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    استيقظ السائق من سباته ... اعتدل فى جلسته ... ابتسم ... تحولت ابتسامته إلى قهقه عالية صارخة مدوية فى أركان السيارة ... لم يسمع شيئاً قط ... حاول أن يستوعب ما حدث له ... وسرعان ما تذكر ... لمس صدره ... عاد السائق إلى الدنيا مرة أخرى ... أحس أنه بحاجة إلى مادة تنعشه أكثر وأكثر ... فتح باب السيارة ... نزل منها على مكثٍ ... وقف أمام الباب يحدث السائقين والمارة ... فلم يحدث أى تغير يذكر فى هذا المكان ... كل شئ على حاله ... السيارات لم ترحل بعد - لم ترحل عن المدينة - وسيارته مازالت على حالها ووضعها ... كما كانت فى الصباح ... لم يفتح أحد الركاب أبوابها ... أيمكن أن يحدث هذا ؟!
    أيمكن أن تبقى كل الأشياء فى مكانها لا يصيبها أى تغير منذ الثامنة صباحاً حتى آذان العصر ؟!
    أيعقل أن أستيقظ بعد كل هذا الوقت وأجد جميع السائقين فى أماكنهم كما تركتهم فى الصباح ؟!
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    يسير السائق ذاهباً وآيباً أمام صف السيارات المنتظم ... يبادل زملائه السائقين التحية ... وعلى ثغره ابتسامة باهتة ... لا معنى لها ... فرجع إلى سيارته ... فأغلق باب السيارة ... فهيئ جسده للنوم فغفى وسؤال مازال يلح عليه :-
    - لماذا تغيرت الوجوه هكذا ؟!
    لم تمض فترة من الوقت حتى فتح السائق عينيه ولاحظ أن جميع السيارات قد رحلت ... فنظر مندهشاً إلى المكان عبر نافذته :-
    - إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    وجد السائق لسانه يكرر وهو على كرسى القيادة :-
    - إننى متعب هذا المساء ... ولا أستطيع الرحيل فى هذا الوقت المتأخر .
    هرول السائق نحو الباب ... وما كاد ينفذ منه حتى خيل له أن الأرض تميد تحت قدميه ... ووجد نفسه يضحك ويرقص ... فدار حول السيارة مخاطباً نافذتها :-
    - سأرجع إلى البيت الآن ... فى الحال .
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    تريث السائق فى الكلام وقال :-
    - لا ... لن أعود إلى البيت الآن .
    أحس السائق قدميه تكادان أن تتعثرا فى العجلة الجانبية من السيارة ... فوقع على الأرض ... يحبس فى صدره ميلاً شديداً للعودة إلى البيت ... ثم رفع بصره للسماء وقال :-
    - فات الوقت ... وتأخرت على زوجتى !
    " انتبه من فضلك ... السيارة ترجع إلى الخلف "

    استعاد السائق توازنه وقال :-
    - لن تقترب من هذا المكان أية سيارة ... إن اقتربت لأقتلن سائقها ... حتى أحمل حمولتى وركابى وأرحل بهم بعيداً عن هذه المدينة الجميلة الهادئة ... الساكنة الحركة ... المملة ... ودون رجعة .
    ( تمت )

    سامح عبد البديع الشبة

    sameh_ss_center@yahoo.com

  2. #2

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. شروق
    بواسطة سارة محمد الهاملي في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 30-01-2019, 10:11 AM
  2. شروق جديد............
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 18-11-2017, 07:42 PM
  3. حبنا شروق
    بواسطة خلود داود أحمد في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 26
    آخر مشاركة: 01-05-2010, 09:13 AM
  4. شروق .. لا غروب بعده.
    بواسطة حسنية تدركيت في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 17-09-2007, 05:59 PM
  5. عينيك شروق وغروب
    بواسطة محمد عسران في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 12-01-2006, 01:42 PM