أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: قراءة في رواية «اللعنة» لسلوى دمنهوري

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي قراءة في رواية «اللعنة» لسلوى دمنهوري

    قراءة في رواية «اللعنة» لسلوى دمنهوري

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ........................................

    (1)
    في رواية "اللعنة" للروائية سلوى عبد العزيز دمنهوري نلمح تنويعات على اغتراب البطل، تُحاول أن تلمسها الكاتبة من خلال رحلة بطلها "شامل" العربي، الذي أرسله أبوه ـ وهو طفل في السابعة ـ مع صديقه الأمريكي "دميرين" ليتعلّم في أمريكا، ويموت أبوه بعد ثلاثة أعوام في حادث مُفجع أثناء عودته، بعد توديع "شامل" في سفره، ويتبنّى "السيد دميرين" ـ الذي حُرِم من إنجاب الأطفال ـ "شاملاً"، ويُعلِّمه حتى يُصبح طبيباً فذا. ويعود السيد "شامل دميرين" إلى وطنه، ليبحث عن بقايا أسرته التي نجت من الحادث الذي أودى بالإخوة: سامر وعامر وحسن، ولم تنج منه إلا شقيقته "ميرامارا".
    ويظل "شامل" يبحث عن "ميرامارا" طول فصول الرواية الثمانية، حتى يعثر عليها في نهاية الرواية، وقد أصبح اسمها "شروقاً"، متزوجة من ثري مُغرم بالنساء والاستحواذ عليهن، يُدعى "يوسف الملاحي".
    وتحفل الرواية بالشخصيات والأحداث؛ ومن الشخصيات التي اهتمّت بها الرواية شخصية "شامل"، وشقيقته "ميرامارا" (شروق)، وزوجها "يوسف الملاحي".
    *وشخصية "شامل" شخصية مغتربة، اغتربت جسديا ببُعدها عن المكان (البيئة العربية التي نشأت فيها)، وقد تبنّاه "السيد دميرين"، وأعطاه اسمه (وهو العربي، المسلم)، وعلَّمه في أمريكا. وكما اغتربت الشخصية جسديا فقد اغتربت نفسيا بعدم قدرتها على التلاؤم والتكيُّف مع مجتمعها.
    لكنّه يتحوّل إلى شخصية مُشاركة في الحياة، آملة في الغد حين يسمع أن أخته "ميرامارا" مازالت حية، وأنَّها نجت من الحادث المُروِّع الذي لاقتْه الأسرة. ومن ثم يُداخله الأمل "ويُودِّع الغربة القاسية، والسنين الماضية"( ). إنه الآن ينتمي إلى المستقبل، ويُخاطب نفسه: "يوم الغربة والسنين القاسية كان هو الماضي. حبيبتي ميرا .. أين أنتِ الآن؟ أين أجدك؟ يقترب من النافذة، بكاؤه يملأ أذنيه وكيانه. مناداتها. ترانيم لهجتها البريئة المتكسرة تُدخل في نفسه الرّاحة والسرور. سأبحث عنك يا شقيقتي. لن أتوانى، لن يقف شيء في طريقي … وإن طال بحثي لا بد وأن أجدك"( ).
    إن الأمل الذي أصبح يُخامره ـ والعزيمة الوثّابة يمنحانه القدرة على الحلم بالسعادة، ومُغادرة الحزن والخوف اللذين اقترنا باغترابه الجسدي والنفسي.
    (2)
    تهتم الرواية بإبراز جمالية المكان عنصراً من عناصرها الرئيسة، فحينما يصل "شامل" (بعد غربة طالت عشرين عاما) يكون بيته القديم هو أول ما يبحث عنه؛ فهذا البيت الذي عاش فيه سبعة أعوام قبل أن يُسافر مع "السيد دميرين" إلى أمريكا، يُمثِّل جزءاً من ماضيه الذي يبحث عنه، ومن ثم فإنه يركب سيارة أجرة من المطار، ويتجه ناحية البيت الذي مازال ـ رغم مرور عشرين عاماً ـ مرسوماً في الذاكرة، وتصف الروائية هذا المشهد بهذه الفقرة:
    "ترجَّل من السيارة. اقترب من هاويةٍ صغيرة. انحنى. اتّكأ على ركبته بيساره. التقط بعض الحجارة وهو شارد متأملاً المكان، نفسه تتألم ـ متحدثاً إليها ـ: لا بد أنه هو، هوة صغيرة، وفي منعطف خفي لعين، إنه هو، لا ريب في ذلك"( ).
    ويتفق الوصف السابق مع الحالة النفسية لـ"شامل"، حيث تصفه في السرد بأنه "هو الغريب، عائد إلى غربة أكبر وأمرّ، فما أقسى غربة المرء في وطنه"( ). وتقول: "الإحساس بالغربة يطغى ويشل تفكيره، فهو لا يعرف أحداً، ولا يعرفه أحد"( ).
    فالبيت ـ بعد سفره الطويل ـ وموت أبويه وثلاثة من إخوته لم يعد سكناً واستقراراً، وإنما "هوة صغيرة"، تنزلق رجْلُ من يُحاول الوصول إليه (فما بالك بالمكوث فيه؟)، وتوحي جملة: "منعطف خفي لعين" بأن هذا البيت لم يكن إلا لمحة خاطفة عابرة في وجدان "شامل": "منعطف"، لا تكاد تظهر تفاصيلها في الذاكرة "خفي"، ولا يحس نحوه بالسكينة والرحمة والتعاطف "لعين"، وهكذا يكون المكان مُعبرا عن أحاسيس الشخص، وجزءاً من التكوين الروائي، أو كما يقول باشلار: "المسألة الجوهرية في البيت هي رؤية ساكنيه له، باعتباره مكاناً مارس فيه أحلام اليقظة والتخيل"( ).
    وبما أنه عاش طفولته المبكرة في هذا البيت ـ وقد نسيه خلال غيبةٍ طالت عشرين عاما، فإن البيت لا يمثل له إلا "هوة صغيرة، في منعطف خفي لعين".
    إنه يبحث عن بيته الذي شهد طفولته، ويقترب من بيت يظنه بيت الأسرة: "يُتابع سيره بمحاذاة السور. إنه كبير جدا، وعال جدا، وكأنه في عصر المماليك … شبه مهدَّم. يتأمّله بحذر. الليل هاجع وسكونه مخيف. الشوارع تكاد تكون خالية. ليس هناك مارة. الطرقات مظلمة رغم ما فيها من مصابيح. يشغله ذلك السور العالي الذي لا تخلو جدرانه من الفجوات والثغور الضيقة، يتوسّطه باب كبير أشبه بصفيحة نُحاسية، عفا عليها الزمان فتآكلت أطرافه، كُتبت عليه بعض الأرقام المُبهجة والرسومات … تملّكه الخوف، وقرأ بعض الآيات مُحاولاً التماسك. اقترب منه، وما إن لمسته يداه حتى انصفع، وكأنّ ريحاً هوجاء صفقته إلى الداخل بصوت يصرخ أنيناً من آلام السنين، فاضطربت حركته"( ).
    إن هذا الوصف للمكان يأتي مكملاً لوصف الشخص؛ فالروائية تعي دور المكان في تحديد رسم الشخصية، وفي هذا المعنى يقول ميشال بوتور: "إن للأشياء تاريخا مرتبطاً بتاريخ الأشخاص، لأن الإنسان لا يشكل وحدةً بنفسه، فالشخص، وشخص الرواية، ونحن أنفسنا لا نشكل فرداً بحدِّ ذاتنا جسداً فقط، بل جسداً مكسوا بالثياب، مسلحاً، مجهزا"( ).
    وتستكمل الروائية وصف البيت بقولها:
    "دقات قلبه تتضاعف، شيء في داخله يطلب منه التراجع، صوت يملؤه: "إنه هو، أتذكّره تماماً". يخطو بضع خطوات إلى الداخل، تزداد عيناه اتساعاً. المصابيح تزداد ذبولاً كلما توغّل غي ذلك المكان فتجعله أكثر ذبولاً ووحشة. خطوات بطيئة مترددة. يتلفّت حوله. كل شيء قديم ومهجور. هنا حظيرة كبيرة خالية. أبوابها شبه مخلوعة. أو كأنها كسيت بالعناكب الكبيرة الظاهرة، ترسم خطوطها الواهنة التي توحي بالاستفسارات والتساؤلات. جدرانها تكاد تسقط من كثرة وقوفها لأزمان وأزمان. هنا وهناك بقايا من سيّارات قديمة، وأخشاب عتيقة. أشياء كثيرة مبهمة، آلات ومعدّات تراكم عليها الصّدأ"( ).
    إن هذا الوصف يُعبِّر عن البطل المغترب، الذي يحس نفسه غريباً عن المكان والأشياء، فكلما نظر «تزداد عيناه اتساعاً» من الدهشة، والمكان الذي لن يكون حيا إلا بأصحابه، أو من يسكنونه ـ ولهذا نراه بعيداً عن الألفة، بل بعيداً عن أن يكون مكاناً للحياة، إنه «أكثر سكوناً ووحشة».
    والبطل ـ رغم انتمائه القديم للمكان ـ يحس بالفجوة الكبيرة بين المكان وبينه، ومن ثم فـ «خطواته مترددة، يتلفت حوله. كل شيء قديم ومهجور».
    أما حين تستدعي ذاكرة «شامل» الصورة القديمة للبيت ـ قبل أن يموت أبوه وأمه وإخوته الثلاثة ـ فإن فضاءه يتمثّل له على النحو التالي:
    «بيتنا أتذكّره جيداً .. كان مميزاً، مؤلفاً من طابقين، سقفه من الحجر الأحمر. في شكله يُشبه الكوخ، به حديقة صغيرة مليئة بالرياحين ودوّار الشمس وزهور البنفسج، ظللت بسقيفة من الصفيح تتخللها فجوات تتسرب من خلالها أشعة الشمس لتضفي الدفء على تلك الأشجار الصغيرة»( ).
    فهنا يختلط وصف المكان وتحديد فضائه ببهجة الطفولة: فالحجر ملوّن «الحجر الأحمر»، والذاكرة تستدعي الطفولة، وأفقها المميز، وعالمها العبق برؤى تقترب من البدائية، والنظرة إلى الواقع نظرة شاعرية، تحوله إلى ما يشبه الصور الغريبة التي تقترب من طفولة الإنسانية، وما تماهي البيت في الكوخ إلا تعبير عن ذلك.
    ومن الملاحظ على الوصف السابق لفضاء البيت تراسل الحواس، فمن المرئي (دوار الشمس) إلى المشموم (الرياحين)، وما يجمع بين المرئي والمشموم (زهور البنفسج).
    وهكذا، فإن الطفولة السعيدة ـ أو تذكرها واستدعاؤها ـ هي التي جعلت فضاء المكان (البيت) يتقاطع مع الفضاء الزماني (الماضي الجميل) ثم يتماهيان في الشخصية المغتربة «شامل» التي تستروح ظلال تلك الأيام الجميلة البيضاء. إنه بيت واحد للأسرة، ولكننا يمكننا أن نقارن بين صورتين:
    صورة البيت في الماضي، حيث سقفه من الحجر الأحمر، وبه حديقة صغيرة مليئة بالرياحين، وعباد الشمس، وزهور البنفسج ، ظللت بسقيفة من الصفيح، تتخللها فجوات، تتسرّب من خلالها أشعة الشمس .
    أما البيت في الواقع فقد صار أكثر قتامة، فالسور كبير، وعال جدا. والليل هاجع، وسكونه مخيف. والشوارع تكاد تكون خالية. الطرقات مظلمة، رغم ما فيها من مصابيح.
    ويدل هذا على أن مخيلة الروائية منحازة إلى الماضي، متشككة في الحاضر وقدرة الإنسان على الفعل فيه.
    ونرى وصفها للمكان وتحديد فضائه محملاً بالرموز والدلالات، فقولها «يسير بجوار السور» (رمز للحرية التي فقدها «شامل» حينما غادر طفولته قسراً بانتزاعه من بيئته ليعيش في بيئة غريبة (أمريكا) ويتعلم علومها وهو ابن السابعة)، و«السور الكبير» و«عال جدا» رمز للغموض الكثيف الذي أحاط بمصير الأهل بعد هجرته، و«الطرقات المظلمة رغم ما فيها من مصابيح» ترمز للخوف والغموض والقتامة، وكأن الروائية تشير هنا إلى غموض الحاضر ومواته، ويأسها من إمكان استمرار الماضي الجميل من خلال عدم قدرتها على العثور على بقايا الأسرة، المتمثلة في «ميرامارا».
    أما حينما تظهر بشريات في الأفق تدل على إمكان التقاء شامل بأخته «ميرامارا» (التي أصبح اسمها السيدة «شروق الملاحي») يُصبح للمكان فضاؤه الدلالي على بهجة وانطلاق بلا حدود. إن المكان يصبح هنا معبراً عن ملامح الشخصية المغتربة وهي تخلع ثوب اغترابها، وتعود لتندمج في الحياة التي ابتعدت عنها زهاء عشرين عاماً.
    «الجياد تسرح في تلك الساحة الكبيرة. يزداد عدد المشتركين. الضجيج يملأ المكان. يتوق شامل لوجود فرصة مواتية كي يشترك في هذه الساحة»( ).
    إن "الساحة الكبيرة" ليست إلا تعبيراً عن الحياة المضطرمة التي أصبح «شامل» يتوق إلى أن يخوض غمارها في وطنه . وما الرغبة في المشاركة إلا خطوة نحو مغادرة هذا الاغتراب الذي كان يشعر به من قبل. وما «الجياد» إلا أفكار شامل التي تضطرم في نفسه المنطلقة، التي تريد أن تُعانق الحياة.

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الناقد الاستاذ الدكتور حسين علي محمد

    قراءة في رواية «اللعنة» لسلوى دمنهوري , عمل ادبي
    رفيع المستوى , شأن كافة اعمال الناقد , التي قيّد لي الاطلاع
    عليها , اكاديمية وحرفية في المعالجة والتحليل والقراءة .

    اخوكم
    السمان

  3. #3

المواضيع المتشابهه

  1. اللعنة
    بواسطة دلال كامل في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 25
    آخر مشاركة: 14-10-2015, 12:32 PM
  2. اللعنة
    بواسطة مصطفى حمزة في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 28-12-2014, 11:47 AM
  3. قراءة فى قصة " اللعنة " للأديب مصطفى حمزة
    بواسطة هشام النجار في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 23-12-2014, 01:31 AM
  4. اللعْنَة
    بواسطة سامي أحمد الأشول في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 20
    آخر مشاركة: 15-12-2014, 05:45 PM
  5. النزعة المثالية في ( صحراء الأربعين ) لسلوى الحمامصي
    بواسطة سمير الفيل في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 05-03-2006, 12:46 PM