(1)
من داخل صالة للبلياردو فى شارع من شوارع المدينة ، فى النصف الأخير من ليل من الليالى الشتوية الممطرة الباردة القارسة ... يلتفت أنيس حوله فلم يجد لا طاولة البلياردو ، وكراسى للنتظار خالية ... فهم بغلق جهاز " الكاسيت " ، واتجه صوب باب المحل ، فأغلقه أشد الإغلاق ، وأحكمه أشد الإحكام ، وانطلق مسرعاً مخلفاً وراءه خطواتٍ لحذاء متشقق بال .
(2)
وفى داخل غرفة بيتٍ من بيوت المدينة ، يقف أنيس أمام نافذته المفتوحة ، بعاود النظر إلى سرب طير أَلِفَ فى هذا الوقت ، وفى هذه السماء أن يراه ، يبتعد ثم يختفى وراء عمارة " سعدون " الشاهقة الارتفاع لتحجب عنه رؤيته ، فدار ببصره على حائط غرفته ، ليجد صورة ابنه " على " منقوشةً على جداره المتشقق .
(3 )
والولد الصغير يلوم قطاره الواقف المعطل ، يتحسس " على " بأنامله قضبانه الباردة ، أدرك كم من الساعاتِ مرت عليه دون أن يشعل فيه الحركة ، ويضج غرفته بصوتِ الحياة .
(4 )
والأم الكبيرة تجهز العشاء لابنها الصغير ، تدعوه لتناوله بقايا لقيمات الصباح ، يتثاقل " على " فى مشيته بدلالٍ ، خشية النومِ بعد العِشاء .
( 5 )
و" على " الصغير فى منامه ، صار رجلاً كاملاً ، يمعن الاستماع لآهاتٍ كسيرة على حلمٍِ قد تربع ، ثم تبخر عندما أفاق .
( 6 )
وبعد غروب شمس يوم من أيام شهور الصيف الحارقة المشتعلة المتقدة ، ووسط جموع البائعين ، التفت الشيخ " أنيس " حوله فوجد ابنه " على " غارقاً فى أحزانه ، فاقترب منه ليهون عليه ما ألم به من خسارةٍ فى تجارته .
( تمت )
سامح عبد البديع الشبة