كانت الغرفة تشبه حافلة ركاب.. مستطيلة، مكسوة ب"مضربات" تقوم مقام مقاعد الحافلة، تحملها "كتاري" خشبية، مشكلة بخطوط هندسية، من النوع الذي خلفه الأسلاف إبان عصرهم الذهبي الذي ازدهرت فيه فنون المعمار،والنجارة و"الزليج" الأصيل، ورغم أن الغرفة، لم ترث أي صورة فنية من صور ذلك العصر الغابر، فإنها بطولها كانت تشبه كل الغرف التي تشيدها أيدي البنائين المحليين..
ألقيت نظرة على كم هائل من قطع اللعب المفككة، الملقاة فوق أرضية الغرفة.. كانت أرضية الغرفة مغلفة بذلك النوع الجديد من بساط" الموكيت" المستورد، والمصنوع غالبا من وبر الحمير..لم يكن أهل البلدة يقبلون تغليف أرضية غرفهم إلا" بالزرابي" المصنوعة محليا، غير أن إقبال السياح على شرائها بمبالغ مالية باهضة، جعل أهل البلدة يكتفون بأرضية عارية، وإذا اضطرهم البرد القارس إلى تدفئة منازلهم، يشترون" الموكيت" ..يستخدمونه، كما هو شأن "حياة" صديقتي، لإخفاء قبح" المربعات الزليجية" التي تغلف أرضية الغرف.. غير أن رطوبة أغلب المنازل، تدفع كل النساء بالبلدة إلى حمل "الموكيت" لتعريضه إلى أشعة الشمس، فوق سطوح المنازل، أو قرب عتباتها..ولا يصل "الموكيت" إلى خارج المنزل إلا بعد أن تستغيث النساء بالجارات، أو الأقارب، ليساعدن على حمل ثقل أثاث الغرف، بما يشمله من "مضربات" قد يصل وزن الواحدة منها وزن كيس من الدقيق، حجمه خمسون كيلو..غالبا ما كنت أصادف قرب عتبة منزل" حياة"، أثاث غرفها..فأسألها: - هل حملته بمفردك؟ تصيبني الدهشة من قدرتها الفردية على حمله دون استعانة من أحد ..لكن دهشتي تتضاعف عندما تؤكد لي بأن الأمر يحتاج إلى استخدام العقل!!.. وعندما أدرك بأنها تستخدم وسيلة ما تساعدها على حمل الأثقال ..أتذكر نساء البلدة اللواتي تعودت ظهورهن حمل الأثقال المختلفة، مثل قنينة "البوطاكاز"..أكياس النفايات.. حطب الغاب، أكياس الصخور المستخدمة في البناء، يحملنها كما يحملن أطفالهن الرضع طيلة النهار..
.................................................. ...............................
أمسك بلعبة وشرع يفككها قائلا: _ أستطيع إعادة تركيبها ..اجلسي .. جلست فوق "المضربة" المغلفة بقماش خاص يقتنيه النساء ليستخدمنه في غرف استقبال الضيوف..
من قبل كانت نساء البلدة، يغلفن "المضربات" بسجاد مزركشة بألوان زاهية، تستورد من تركيا..يضعنها فوق قماش أبيض، يشبه تماما قماش تلفيف الموتى، يظل بياض القماش بارزا بقدر يسمح لحاشية السجاد، الذي يحده مفصل الركبة عند الجلوس، بالتأثير على البياض، فتصبح واجهة "المضربة " تنقسم إلى ثلا فضاءات، فضاء السجاد، فضاء القماش الأبيض المنحدر على "المضربة" ويحده السجاد من فوق، وفضاء " الكتاري" الخشبية المزركشة التي تحد القماش من الأسفل..كان هذا التشكيل الفني لديكور المنازل التقليدية، إلى جانب ألوان الجدران المصبوغة بمادة النيلة، والجير، يبث في النفس روح القرون الوسطى، بما حفلت به من حضارة أندلسية، هذه الروح التي سيصيبها الأذى بدئا بحرق كتب ابن رشد، واستمرارا بحدوث تلك القطيعة بين العرب والامبراطورية التركية، بفعل تأثير "لورانس العرب" هكذا انقطعت "الزرابي"..السجاد، الخاصة بتزيين "المضربات" من غرف منازل البلدة.
.................................................. ............................
يتبع-[img]C:\Documents and Settings\K@ReeM\Mes documents\Mes images[/img]