أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 12

الموضوع: عن محمد حافظ رجب

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي عن محمد حافظ رجب

    عن محمد حافظ رجب و «جيل بلا أساتذة»

    بقلم: أ.د. حسين علي محمد
    ------------------------
    محمد حافظ رجب قامة سامقة في القصة القصيرة، وقد أخذ بأيدينا حينما أسس "الصحوة" عام 1968م، لكنه كان قد توقف عن الكتابة طوال السبعينيات، وجلس في بيته (20 ش غربال ـ الإسكندرية). وقد زرتُه في أواخر السبعينيات في بيته ـ وكان معي الدكتور ماهر علام (وهو ليس أديباً ولكنه متذوق) ـ وقد أخذت منه قصصه التي نشرها في "المجلة" و"القصة" في منتصف الستينيات، ونشرتها له في سلسلة "كتاب آتون" التي كنتُ أشرف عليها، وترك لي اختيار العنوان، فاخترت "مخلوقات براد الشاي المغلي"، وأجريت معه حواراً مطولاً نشرته يومها في "الوطن" العمانية. وحاول بعدها أن يصدر "الصحوة" مرة ثانية، ولكنه لم يتمكّن، ولديَّ في البيت بمصر كتاب بخط محمد حافظ رجب بعنوان "جيل بلا أساتذة"، جمع فيه كل المقالات التي كُتبت عنه حتى عام 1980م، وكنتُ أريد أن أصدره في سلسلة "كتاب آتون"، لكن السلسلة توقفت بعد تسعة أشهر ـ في مارس 1980، لأبدأ في الشهر التالي مباشرة في إصدار سلسلة "أصوات مُعاصرة"، التي أصدرت حتى الآن (184) كتابا.
    محمد حافظ رجب لا يُمكن أن أشبه به واحداً من جيل الستينيات في القصة القصيرة.
    إنه رائد ومجدد.

  2. #2
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    عن محمد حافظ رجب

    بقلم: محمد جبريل
    .....................

    هل أخطأ محمد حافظ رجب حين ترك الإسكندرية..؟ وهل أخطأ حين عاد إلى الإسكندرية..؟ سؤال يناوشنى -أحياناً- فلا أعثر له على إجابة محددة.
    محمد حافظ رجب -إن كنت لا تذكر، أو لا تعرف- هو صاحب مقولة: نحن جيل بلا أساتذة..
    قصصه القصيرة موسومة بطابع فنى لم يقلد، وإن حاول البعض تقليده.. حتى نجيب محفوظ -هذا رأيى- لم يكتب ثرثرته النيلية إلا بعد أن قرأ حافظ رجب جيداً..!!
    وصف فؤاد دوارة قصة حافظ "البطل" بأنها أعمق من قصة مشابهة لجوركى، وقال يحيى حقى إن أعماله سبقت زمانها بأعوام كثيرة، وذهب بعض النقاد إلى أن ما يكتبه حافظ رجب لا يعدو هلوسة كلامية..!
    لكن حافظ رجب ظل هو الظاهرة الأشد تميزاً بين مبدعى جيله..
    تعرف كبار الأدباء إلى حافظ رجب، وإلى إبداعاته، من قبل أن يجاوز مكانه فى محطة الرمل.. وتوالت النصائح بأن حياته الوظيفية فى القاهرة أفضل من السعى إلى رزق يوم بيوم فى مدينته الملحية..
    ولأن الزن على الأذان أمر من السحر، فقد توكل حافظ على الله ذات صباح -وربما ذات مساء- وسافر إلى القاهرة.
    مثَّل انتقال الشاب ذى الأعوام الخمسة والعشرين عاماً إلى العاصمة، انعطافة -حسب الكليشيه المتوارث!- فى مسار القصة القصيرة المصرية.. تباينت الآراء فى استقبال أعماله بين الحفاوة والرفض، وإن ظلت تلك الأعمال معلماً من المستحيل إغفاله.
    إذا استعرت وصف نجيب محفوظ للمهمين من الأدباء، فإن حافظ رجب ينتمى إلى طبقة الفتوات الذين يحسنون توجيه ضرباتهم، بينما يتحدد دور المساعدين فى تلقى الضربات.. إنه فتوة فى جيله، مثلما كان إدريس بين مبدعى الفترة التى قدم فيها إبداعاته، ومن قبله محفوظ فى الرواية، الأمر نفسه بالنسبة لنعمان عاشور فى المسرحية، وعبد الصبور فى قصيدة الفصحى، وجاهين فى قصيدة العامية..
    كنت أتردد على حافظ فى المجلس الأعلى للفنون والآداب، التقى به فى الغرفة الخشبية، فى الناحية المقابلة لمبنى المجلس، كان عباس محمد عباس هو أقرب أصدقاء حافظ إليه، فهما فى مكتبين متجاورين، وأحاديثهما لا تنتهى.. فى الغرفة نفسها تعرفت إلى عبد المعطى المسيرى وحامد الأطمس بعد أن هجر أولهما مقهاه فى دمنهور، بينما أغلق الثانى دكانه للنجارة فى المدينة نفسها..
    ثم عاد حافظ رجب إلى الإسكندرية بعد أن هدته المتاعب!
    بين أوراقى رسالة من محمد حافظ رجب -بخط يده- يعتب فيها على عبد الفتاح الجمل تغاضيه عما سماه وصاية من اثنين أو ثلاثة ينتسبون إلى جيل الستينيات، فهو -الجمل- ترك لهم أمر الموافقة أو الرفض فى الأعمال التى يتلقاها من الأدباء.. وحافظ واحد منهم!
    أتردد فى نشر الرسالة التى تعرى بعض الأسماء التى مازالت تحاول فرض الوصاية على حياتنا الأدبية، مع أن المبدعين الذين أضيروا بوصايتهم، ووشاياتهم، ورفضهم غير الموضوعى لإبداعات الآخرين.. هؤلاء المبدعون يستطيعون المطالبة بترحيل السادة الأوصياء إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمتهم بتهمة قتل مواهب كانت مبشرة وواعدة!

  3. #3
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الكبير اللاستاذ الدكتور حسين علي محمد

    اعتبر نفسي من المحظوظين , الذين يتاح لهم الاطلاع , على دراساتك الراقية , وكم اشعر بالفخر , وانا اقرأ لك , وفي دراستك الادبية : "عن محمد حافظ رجب و «جيل بلا أساتذة» " , اضيف لنفسي وساما جديدا , بمتابعة هذه الدراسة , والتعرف على الاديب الكبير محمد حافظ رجب , ثم سعدت اكثر , وانا اقرأ بتكرم منك , ما قد كتبه الاديب محمد جبريل , في الاديب الكبير محمد حافظ رجب , لتكتمل عندي الصورة .
    لقد اثريت معرفتي , باسلوب ادبي راق , فتقبل محبتي وتقديري واعجابي

    اخوكم
    السمان

  4. #4
    الصورة الرمزية حسام القاضي أديب قاص
    تاريخ التسجيل : Mar 2006
    الدولة : مصر+الكويت
    العمر : 63
    المشاركات : 2,213
    المواضيع : 78
    الردود : 2213
    المعدل اليومي : 0.33

    افتراضي

    الأديب والناقد الكبير / أ.د. حسين علي محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أشكرك أستاذنا الكبير على هذا الموضوع ، ولعل الكثيرون لا يعلمون شيئا عن هذا الأديب المتفرد ، ولقد كنت محظوظاً ان قرات لهذا العملاق أكثر من عمل ، " مخلوقات براد الشاي المغلي " ،
    " الكرة ورأس الرجل " ،وغيرها ، ولقد أسعدني الحظ بقراءة هذه الروائع في مجلات قديمة لا أذكر اسمها الآن ، ولكني احضرتها من سور الأزبكية ( وقت ان كان موجوداً ) وكانت استفادتي عظيمة من تلك القصص ؛ فما زالت تفاصيلها محفورة في ذاكرتي حتى الآن ، وكنا نقول عنه أنه أستاذ ما يعرف بـ ( تيار تشييء الإنسان ، وأنسنة الأشياء ) ربما تكون هذه التسمية غير دقيقة ولكنها كانت تعبر عن اميز ما قرات لهذا العملاق ، وبلا شك فقد استفدت من كتاباته ، واحياناً أجده داخل بعض اعمالي المتواضعة .
    أشكرك جداً لالقائك الضوء على هذا الأديب المتفرد وروائعه العظيمة .

    تقبل تقديري واحترامي .
    حسام القاضي
    أديب .. أحياناً

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم
    الاخ الفاضل الاديب الكبير اللاستاذ الدكتور حسين علي محمد
    اعتبر نفسي من المحظوظين , الذين يتاح لهم الاطلاع , على دراساتك الراقية , وكم اشعر بالفخر , وانا اقرأ لك , وفي دراستك الادبية : "عن محمد حافظ رجب و «جيل بلا أساتذة» " , اضيف لنفسي وساما جديدا , بمتابعة هذه الدراسة , والتعرف على الاديب الكبير محمد حافظ رجب , ثم سعدت اكثر , وانا اقرأ بتكرم منك , ما قد كتبه الاديب محمد جبريل , في الاديب الكبير محمد حافظ رجب , لتكتمل عندي الصورة .
    لقد اثريت معرفتي , باسلوب ادبي راق , فتقبل محبتي وتقديري واعجابي
    اخوكم
    السمان

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة حسام القاضي مشاهدة المشاركة
    الأديب والناقد الكبير / أ.د. حسين علي محمد
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أشكرك أستاذنا الكبير على هذا الموضوع ، ولعل الكثيرون لا يعلمون شيئا عن هذا الأديب المتفرد ، ولقد كنت محظوظاً ان قرات لهذا العملاق أكثر من عمل ، " مخلوقات براد الشاي المغلي " ،
    " الكرة ورأس الرجل " ،وغيرها ، ولقد أسعدني الحظ بقراءة هذه الروائع في مجلات قديمة لا أذكر اسمها الآن ، ولكني احضرتها من سور الأزبكية ( وقت ان كان موجوداً ) وكانت استفادتي عظيمة من تلك القصص ؛ فما زالت تفاصيلها محفورة في ذاكرتي حتى الآن ، وكنا نقول عنه أنه أستاذ ما يعرف بـ ( تيار تشييء الإنسان ، وأنسنة الأشياء ) ربما تكون هذه التسمية غير دقيقة ولكنها كانت تعبر عن اميز ما قرات لهذا العملاق ، وبلا شك فقد استفدت من كتاباته ، واحياناً أجده داخل بعض اعمالي المتواضعة .
    أشكرك جداً لالقائك الضوء على هذا الأديب المتفرد وروائعه العظيمة .
    تقبل تقديري واحترامي .

  7. #7
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي


  8. #8
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    أرسلت نداءً إلى لطفي الخولي للعمل، فنشره، كان النداء موجها إلى الاتحاد العام للعمال، وعدة وزارات من بينها وزارة التربية والتعليم، كان المجلس الأعلى للفنون والآداب يخضع لمملكة كمال الدين حسين، فأحال النداء إلى يوسف السباعي، الذي أرسل لي مدير مكتبه صلاح عبد المتجلي إلى باب بيتي بغربال، قابلني السباعي في فندق سان استيفانو عام 1957م، ناقشني في صعوبة إيجاد عمل، ثم سألني عن الأجر الذي أريده، كنت أكسب ثلاثين قرشا، قلت: ثلاثين، طلب مني الحضور في شهر أكتوبر، وشغلني بعشرة جنيهات، يا ليتني قلت له: خمسين. كان أبي افتتح ـ مع آخر ـ محلا للفول والفلافل بشارع شكور في ظهر محطة الرمل .. شارع جانبي ضيق، انتزعت من وسط الجمال والعطر والأضواء إلى تحرش الجدران ومزاحمة الفعلة ورائحة الثوم والبصل ودق عجينة الفلافل، أخبرت أبي أني سأعمل موظفا، لمّ على المعلمين، وقال لهم: أنا هنغنغه، لم يستطيعوا إثنائي، في القاهرة عرفني الشيوعيون بعامل اسمه نجاتي لأبيت عنده في باب الفتوح، سمعت أمه تقول له:
    ـ يمكن يكون حرامي !.
    قدمت استقالتي في ثالث يوم، عدت لأبي فطردني، قلت له إنني تركت مكتبا عليه تليفون، توسط أهل الخير قبل أن أدق الفلافل في الجرن، ومنعني من الأكل بدون فلوس، بعد فترة .. رحمني من الجرن. واشتغلت جرسونا، كان قويا، حين كتفني وضربني علقة سيحت دمي، قلت في عقلي: السباعي أرحم، عند موت أبي قدمت استقالتي وعدت أعمل في الدكان.
    كنت معينا بالمجلس الأعلى بقرار من مجلس الوزراء، عندما تلكأ يوسف السباعي في إعادتي أرسلت عدة خطابات للصحف فلم تأت بنتيجة، أضربت عن الطعام في منزلي، لم يتصل بي غير عبد المنعم السويفي مدير مكتب جريدة "الجمهورية" بالإسكندرية وقتها، شربني زجاجة كازوزة لإنهاء الإضراب، أمي كانت منفصلة عن أبي، جابت لي بطاطا من محطة مصر بالإسكندرية، قابلت نجيب محفوظ وباكثير وكامل الشناوي ولا فائدة، رحت المجلس فقال لي سكرتير السباعي:
    ـ مبروك.
    كان السباعي أصدر قرار بعودتي إلى عملي ..
    وبدأت مرحلة القاهرة، عينت سكرتيرا للجنة النشر، كان مقرر اللجنة مهدي علام، ومن بين أعضائها: نجيب محفوظ وعبد القادر القط وعبد الحليم عبد الله، وكان على اتصال بهم لأخبارهم بمواعيد الاجتماعات .. كنت أقول للدكتور مهدي علام:
    ـ والنبي ما تنساش تبقى تيجي.
    وتلك عبارة يستعملها محمد حافظ عندما يريد أن يكون في منتهى الرقة مع محدثيه، في قصة "رسالة إلى الله" قالت الطفلة: "من فضلكم ما تنسوش تسلموا لي على ربنا"، لكن مهدي علام اعتبر ذلك انحرافا عن القواعد، وأبلغ السباعي الذي أمر بنقله إلى الأرشيف، كنت أُعد البوستة وأقيدها وأعرضها على صلاح عبد المتجلي الذي كان يرهقني في العمل.
    لما رجعت سكنت في إمبابة في بيت أم حميدة، كان لها بنتان، في المرة الأخيرة قعدت عند صبحي الشاروني في الجيزة، في هذه الفترة بدأ التحول الخطير في حياتي، في الليل يأتي من يكلمني، عملت ذنب كبير .. إثم عظيم .. كان يقول إن الناس اللي عاملتهم معاملة وحشة سيعاقبون .. لا .. لا .. ليس أي حد .. أنا لا يكلمني إلا الله، قعدت على رصيف جامع بميدان الجيزة .. جامع السنية، جاء من يقول لي:
    ـ خش .. قم خش
    لما دخلت .. وجدت تفاحا وبلحا وفواكه أخرى، أكلت .. رحت السيدة زينب .. زحفت على بطني .. سمعت جوه الجامع من يقول لي:
    ـ هعجبك .. هعجبك .. خش ..
    لا يمكن يكون جِن ..
    ما يقدرش ..
    أنا أجننه ..
    لا أعرف إن كان زحفي حقيقة أم خيالا .. لابد أنه كان حقيقة، بالإثم العظيم ما زلت أدمر حياة آخرين .. لم أكف عن التحدي .. كنت أدور في شوارع القاهرة حتى الثالثة صباحا، أنا وكمبارس كان يعمل معي في المجلس الأعلى .. موظف لكنه كان يقوم ببعض أدوار الكومبارس في التلفزيون، كنت مطاردا مطاردة أبدية من الإثم العظيم، سكنت فوق سطح في العجوزة، ابتديت أعرف الكتابة الجديدة، بقيت أشوف صور وعملوا لي عملية فتح بطن .. ولقيت دم.
    عرضت الكتابة الجديدة على طه المتبولي زميلي في المجلس كان يعمل سكرتيرا للجنة الشعر، وكان مثقفا حقيقيا، كنت أكتب القصة في ليلة، وأعرضها عليه فيعجب بها، وربما اقترح حذف بعض الفقار أو الجمل، كانت ثقافته فرنسية، وأطلع على أحدث التيارات في فرنسا، شعرت أني أقوم بعملية تطهير، أرسلت النتاج الجديد لجميع كتاب مصر على البالوظة، لم يلتفت إليه أحد، قلت لفتحي غانم: أنت عايش في الظل وأنا في الهجير، وقلت ليوسف إدريس: أنا أحسن كاتب في مصر، قال لي: أنت مجنون.
    المخرج كمال حسين كان لسه جاي من أمريكا، وكان يخرج برنامجا ثقافيا، استضافني ورشدي صالح لمناقشة قصة "الجنية" من مجموعة "عيش وملح"، قبل التسجيل كان أحمد رشدي صالح رقيقا طيبا أثنى علي وأشار إلى اجتهاداتي بدرجة أخجلتني، أثناء التصوير أنقلب شخصا آخر، فحمل علي حملة غريبة، فانقلبت عليه أنا أيضا، كان يحيى حقي كتب مقدمة: "عيش وملح" فأكد رشدي صالح على هذه النقطة وكأنه يمن علينا لندور في فلك الكبار، قلت له إن الفضل متبادل، فنحن نكتب وأنتم تكتبون، ونحن نقرأ وأنتم تقرأون، وفي وجه التعالي أطلقت عبارة "نحن جيل بلا أساتذة" التي التقطها فؤاد دوارة، وجعلها عنوان مقالة له: "هل هم جيل بلا أساتذة حقا ؟"، وكان رشدي صالح يحرر الصفحة الأدبية بجريدة "الجمهورية" فكتب يقول: محمد حافظ خطاب ـ وليس رجب ـ يقول: نحن جيل بلا أساتذة، رديت عليه بعدة صور قلمية، كان يرد ثم كتب أنه لا يستطيع مناقشتي لأني عنيد، واشترك كثير من الكتاب في النقاش.
    يوسف الشاروني من الشخصيات التي تعرفت عليها عن طريق المجلس، كنت أقول له كل أسراري، صبحي كان يسجن كثيرا، عن طريق صبحي الشاروني عرفت فوزي جرجس، كنت أزوره في بيته، أحب الشيوعيين جدا، بعد تضييق الحصار عليهم أراد فوزي أن يكتب قصصا، أطلعني عليها فدهشت لأن زعيم وسكرتير حزب شيوعي لا يعرف في الفن، كان يريد تعويضا، قلت له: وحشة، عبد الفتاح الجمل أتجنن عليه مرة وشتمني، كان يعامل الجميع بهذه الطريقة، وكان الذي يخضع لقوانينه ويستحمله ينشر له، قلت ربنا موجود في إسكندرية وموجود في مصر، أحسن من البهدلة رح لأهلك، انقطعت عن الكتابة منذ عام 1965م، ثم حررت صفحة "الصحوة" عام 1968م، لكني لم أكتب قصصا، دخلت المستشفى في فترات متعددة، ولمدد متفرقة، تحدثت الصحف في القاهرة عن رغبتي في العودة إلى الإسكندرية، كنت هضيع خالص، حمدي عاشور نقلني من أرشيف المحافظة إلى أرشيف المتحف الروماني، كتاب إسكندرية رأوني أجتر أحزاني فطالبوا المسئولين بإعادتي إلى القاهرة، عدت عام 1972م، لكني لم أمكث طويلا، عام 1986م ـ على ما أذكر ـ تساءلت "المساء": أين محمد حافظ رجب ؟، في نفس العام زراني الناقد السينمائي علي عوض الله كرار في المتحف الروماني، كان يكفيني أن أجد أحدا يتعاطف معي، عدت إلى الكتابة، حمل بعض القصص إلى جماعة "الأربعائيون" والبعض الآخر إلى بعض المجلات بالقاهرة، ومجلة "نادي القصة" بالإسكندرية.
    ***
    بين ثنايا مقال لنا بعنوان: "باقة ورد من الثغر الباسم" ذكرت أن محمد حافظ رجب أصدر ثلاث مجموعات من القصص ثم توقف عن الكتابة "إلى أن أخرجه بعض أصدقائه من عزلته، وهم الأصدقاء الذين أهداهم مجموعته الرابعة: "حماصة وقهقهات الحمير الذكية"، ونحن نثبت الإهداء هنا اعترافا بفضلهم: "إلى النبلاء الذين نفخوا الروح في أشلائي المتناثرة فولدت من جديد: سليمان فياض، عبد العظيم ناجي، يوسف القعيد"(17)، ثم ذكر لي محمد حافظ رجب أنه لم يعتد إهداء كتبه لأحد، وأن الذي فعلها هو علي عوض الله كرار ظنا منه أنهم ربما نفعوني.
    أيام النكسة قلت: أحسن، كنت أود أن ينتهوا ويخلصونا، لكنهم تآمروا كعادتهم .. واستمروا يحكمون، رحت محطة مصر (بالإسكندرية) وسمعت قرار التنحي من الراديو، قلت: الحمد لله، لكنهم كانوا عاملين حسابهم .. استغلوا حيرة الشعب، وإيهامهم بالفراغ، خرجت الجماهير المنظمة تطالب بعدم التنحي، الشعب كان يعي كل شيء، أنت عارف النكت التي قيلت ـ في ذات اللحظة ـ عن التنحي، ومنها النكت التي قيلت عن مظاهرات الداعرات، عند وفاته خرجت الجماهير تبكي، صحت في وسط الزحمة: في داهية .. في داهية يا ولاد .. لكن أحدا لم يسمعني.
    وحين حرر محمد حافظ رجب صفحة: "الصحوة" بجريدة "السفير" كان من بين همومه الرئيسية كشف فضائح الدكتاتورية، فحين يحدثنا عن "نوفونتي" دكتاتور تشيكوسلوفاكيا الأسبق نشعر أنه يحدثنا عن مصر، يأتي حديثه تحت عنوان: "رسالة عيد الميلاد الحزين"، وهي الرسالة التي وجهها رئيس تشيكوسلوفاكيا الجديد "لودفيك سفو بوذا" إلى شعبه: "لقد رأينا كيف ذهبت ثمار عمل شعبنا هباء، ورأينا والألم يعصر قلوبنا كيف فقد الشعب حماسه ونشاطه .. وثقته بنفسه"، ويعقب محمد حافظ على ذلك بقوله: "الأصل في الاشتراكية أنها تمنح الشعب ثمار عمله، وتدفعه إلى بحر الحماس ليسبح فوق قارب النشاط مالكا لنفسه وثقته بنفسه، لكن القياصرة في بعض الظروف يشوهون اشتراكية الإنسان كما فعل القيصر نوفونتي الكريه في تشيكوسلوفاكيا الصديقة"، ويبدأ حديثه بقوله: "أحسست بمرارة الحزن في فمي وأنا أتابع كلماته .. أجهش قلبي بالبكاء المكتوم .. أدركت من كلماته كم هو حزين .. كم هو مشفق على أهله، وأدركت من ظلال الكلمات، كم هو بشع ومهين ومقيت من يستند على عرش الاستبداد ليهين الإنسان .. كم هو كريه وغض هذا الذي كان على عرش تشيكوسلوفاكيا يركب فوق أعناق الناس هو من يؤمنون بركوب الإنسان .. أدركت كم هو عفن نظام الاستبداد القديم الذي كان يحكم تشيكوسلوفاكيا برئاسة نوفونتي الكريه"(1، ويتابع الحديث عن أحداث تشيكوسلوفاكيا في العددين الصادرين في 29 أبريل، 5 مايو 1969، نقلا عن كتيب أصدرته وكالة"نوفوستي" وتتضمن بعض آراء كتاب تشيكوسلوفاكيا.
    وتنشر مجلة: "الهلال"(19) قصيدة "الرعب" ليوفتشنكو فينقلها إلى صحوته(20)، ويقدمها بكلمة نشر معها أنها تعبر عن أحاسسيه، وإذا كان يوفتشنكو يذكر أن "الرعب" أصبح مجرد ذكريات، فإن محمد حافظ ما زال يعيشه:
    مظاهر الرعب في روسيا تتلاشى
    كأنها أشباح الماضي الغابر
    فما بقى منها يشبه العجائز المتسكعات
    يتسولن لقمة العيش في فناء كنيسة
    ^ ^ ^
    إني أذكر الرعب في كامل قوته وسطوته
    كان يتخايل حول قصر الزيف
    كان كالظل ينتشر في كل مكان
    يتسلق .. ينفذ من الجدران
    ^ ^ ^
    كانت بصمات الرعب تدفع كل الأشياء
    تعلم الناس بالتدريج
    كيف يصيحون في موضع الصمت
    ويصمتون في موضع الصياح
    ^ ^ ^
    ذاك الزمان ولى
    وقد يكون غريبا الآن أن نذكر
    الرعب الدفين من وشاية
    الرعب الدفين من طرق الباب
    ^ ^ ^
    أما الرعب من التحدث مع أجنبي
    فما أهونه إذا كان الرعب ليسود الحديث مع الزوجة
    بل قمة الرعب كانت
    أن يضبط الإنسان متلبسا بصحبة الصمت
    ^ ^ ^
    أبدا ما خفنا العمل في عنفوان العواصف الثلجية
    أبدا ما خفنا الاندفاع إلى المعارك تحت قصف المدافع
    ولكن الرعب القاتل كثيرا ما أخافنا
    حين كنا نتحادث إلى أنفسنا
    ^ ^ ^
    أبدا ما هزمنا ولا غوانا أحد
    وليس صدفة أن روسيا
    حين قهرت الرعب فيها
    ثبت مزيدا من الرعب في أعاديها
    ^ ^ ^
    إني أريد أن يستبد بالناس
    الرعب من إدانة شخص بغير محاكمة
    الرعب من إهدار الفكر بالتزييف
    الرعب من تمجيد الذات بالكذب
    ^ ^ ^
    الرعب من اللامبالاة بالغير
    حين تنتابه محنة أو كارثة
    الرعب الطاحن من الجبن
    في ساحات العلم أو الفن
    ^ ^ ^
    إنني أكتب هذه الأبيات
    متسرعا أحيانا بغير قصد
    أكتبها في ظل رعب واحد:
    ألا تكون كلماتي في كامل قوتها
    --------------------------------
    الهوامش
    (1) ـ اعتمدت في كتابة هذا الفصل ـ في المقام الأول ـ على حديث سجلته للكاتب أثناء انعقاد مؤتمر القصة القصيرة ببني سويف عام 1998م.
    (2) ـ حصلت من علي عوض الله كرار على نسخة خطية من الحوار.
    (3) ـ نادي القصة، العدد 36 لسنة 1990م.
    (4) ـ راجع كتابنا: باقة من الثغر الباسم، إقليم غرب ووسط الدلتا الثقافي، أبريل 1999م، ص49.
    (5) ـ مشروع أمريكي لاحتواء المنطقة بعد فشل حلف بغداد.
    (6) ـ حوار مسجل أهداني عبد الله هاشم نسخة منه.
    (7) ـ الجرح الغائر، المركز القومي للفنون والآداب، 1987م.
    (8) ـ راجع مقالنا: المناطق العشوائية في الرواية السكندرية، مؤتمر واقع الشعر والرواية بإقليم غرب ووسط الدلتا، مايو 1999م، ص74.
    (9) ـ أخبار الأدب، من القرية إلى المدينة، الحلقة الثالثة، العدد الثالث، أول أغسطس 1997م.
    (10) ـ كان اسمها "سينما فون عزيز ودرويش" عندما افتتحت في التاسع والعشرين من نوفمبر 1906م، بعرض سينمائي ناطق بواسطة أسطوانات مسجل عليها الصوت وتدار مع شريط الفيلم.
    (11) ـ مساء الخميس الخامس من نوفمبر 1896م، شهدت الإسكندرية أول عرض سينمائي في مصر بإحدى صالات بورصة طوسون باشا، حيث عرضت أفلام لوميير الأولى، أما البداية في دور العرض السينمائي فكانت في يناير 1897م بسينما توجراف لوميير بشارع محطة مصر بين بورصة طوسون باشا وتياترو الهمبرا، وأول عروض تكميلية تمت بمسرح الهمبرا في يناير 1900م، وتحول المسرح إلى دار عرض سينمائي في 22 يوليو 1911م، وشهدت الإسكندرية في هذه الدار أول عرض سينمائي ناطق في 14 مارس 1928م، وثاني عرض في 17 مارس من نفس العام، وكان الفيلمان أمريكيين، الأول: "ابنه بتيكوكولي" لتشاركز كايزر، والثاني: "مس فينوس"، وتنعي الآن "الهمبرا" من بناها بعد أن تهدمت عن آخرها.
    (12) ـ في أول سبتمبر 1921م افتتحت سينما "ماتوسيان" وفي عام 1922م سميت "ماجستيك"، وافتتح في نفس العام: "لمباسادر" و "رويال"، وفي 26 نوفمبر 1929م تم عرض أول جريدة ناطقة "فوكس نيوز" بسينما رويال.
    (13) ـ في عام 1925م افتتحت دور عرض: "ليون" .. "أورنيكال الشرق" .. "الحرية" .. "محمد علي"، ثم أعيد افتتاح الأخيرة بعد تجهيزها بالآلات عرض ناطقة في 11 نوفمبر 1929م، وهي الآن مسرح سيد درويش.
    (14) ـ الحوار المشار إليه.
    (15) ـ الجزءان 2،3 ـ مركز البحوث العربية، ص158 من الجزء الثاني، ص120 من الجزء الثالث.
    (16) ـ حديث تليفوني مع أمين ريان.
    (17) ـ باقة من الثغر الباسم، مرجع سابق.
    (18) ـ الصحوة، 6 يناير 1969م.
    (19) ـ الهلال، فبراير 1969م.
    (20) ـ الصحوة، 7 أبريل 1969م.

  9. #9
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    الذى تجشأ قشا..

    قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
    ...........................................
    أرسلت (المرأة) تستدعيه... طاعة الجبناء طاعته... نادت بنت شقيقها على (سلوى)...
    قال لها: «أغلقى النافذة ـ ذات الكوات الكئيبة ـ وحضرى القفل..»
    التفت إلى مخلوقات الحجرة النائية: «صباح الخير أيتها المرأة التى تثيرنى» .. الحلوف الصغير داخل دورة المياه يزوم،... يبتلع ملء وزنه ليرش أرض الله المحترقة تحتهم... يعرقل اطمئنانه فى كل اللحظات...
    ـ «راهبة بوذية تحرق نفسها إحتجاجا على تزوير الانتخابات فى فيتنام الجنوبية».
    خرج مثقل الخطى : الأغلال فى العنق والقدمين.. تسحب جثته طفلة ضريرة تسوقه إلى حيث الانتهاء...
    .. قال للرجل المشارك له فى حوض المغسل والمشرب: «الصباح مبارك عليك يارب الأشقياء»
    .. قالت زوجته: «مش تجيب الوليه»
    فرت منه: من عالم الأسرار الرهيب... مقطوعة صلته بالسماء .. بلا رب يعيش .. يأكل لحمها فى الصباح والمساء... بلا موقد يطهيها : فرت بما بقى من لحم الجسد والروح...
    .. قال لها: «يا ابنة سمنود... لن تعود .. دى فى أجازة خليها فى أجازتها أحسن»
    .. تسربت من ثقب الباب.. إلى ابن خالتها مسعود .. تائه فى عالم حائر... يبحث هو و(سلوى) عن القفل.. لم يجده.. يبحثان وسط الزحام... فى كل الطرق والميادين .. حيث تنكسر علامات المرور... يخترقها كل صبى أرعن يملك عربة بها أبواب ونوافذ من سيراميك .. ياعين البشر هل شاهدتم قفل بابنا.. تائه عن عين البشر هو الآخر...
    .. قال (لسلوى) : «روحى لها .. اسأليها عن قفل لم يأكله الصدأ.. بريقه يخطف عين القمر... اسأليها عنه فقد يكون فى يد فريق كرة القدم المنتصر»
    عادت: «ملقتش»..قال لها: «اطلعى لسمية»
    .. صعدت إلى السحاب المثقل بالهم... عادت: «قالت معنديش»
    مد يده الملتاثة العقل.... دمر بنيانها .. جاس خلال لحمها وعظامها .. هكذا هو غول كل لحظاتهم...
    .. قال لها: «خليكى هنا... ومترحيش المدرسة النهارده».. لا تملك سوى ماء العيون تذرفه آبارا وترعا وأنهارا أو بحارا .. وذهب إليها وجدها تمسح البلاط بالخيشة... قال باصقا لعنته على الفارة من عشهم القاتم : «بنت الإيه ضيعت القفل»
    قالت: «لازم (سميرة) شايلاه... إنت لازم تاخد أجازة علشان تقعد فى البيت... وكمان أنت عيان» تصير أنت أم الدار.. بدلا من دخولك حوض النار»
    .. غادر البيت رمادا.. مشى فوق جثمانه أهل (غربال) شيعوه فى جنازة منتفضة.. كل مشيعيه من العمى ومقطوعى السيقان والأذرع وأجساد بلا رءوس.
    إشترى الأهرام... دخل يوقع فى الساعة الميقاتية بالديوان .. وجد (بهجت) مع (أحمد صالح): الرجل ونصفه... صافح الرجلين...
    ـ ليه أجازة والا لأ... أنا عيان وأمى مش فى البيت .. قال (النصف رجل) : «أنا قلت كده برضه.. وأنت لك أجازة».. دخل عليهم السكرتارية وهو ساقط من أعلى السور داخل أعماقه المنهارة فى ساحة (مقابر المنارة)... هل سيغيرون معاملتهم له بعد زيارة الساعى (صلاح) والموظف (بسيونى طلبه).. وشاهدا عن قرب جثمانه المعلق فى السقف الخشبى المثقوب... قال يواجههم برعبه من ظهور احتقارهم له: « صبحين ياحلوة» وصافح الساعى (حسن) وعم (مصطفى) العجوز المرح... و(فخرى) القبطى... وجاء (صلاح) الساعى... فأخرج سيجارة وأعطاها له... يغريه على شاهده: سقف بيته المغروس بحبات البق والحشرات: سيجارة شعيراتها ملتفة حول عنقه يحس بالعار: سقف بيته يأوى المردة من حبات البق... يشعر بالعار أنه من أهل (غربال) .. قال (فخرى) القبطى راكبا عربة الموتى يشدها عدد من الخيل: أنا من (غربال) وحضر (بسيونى طلبه) بقميص جديد غالى الثمن... أول ما رآه أخرج له لسانه: أنا سيدك ياابن (غربال) أرتدى غالى الثمن وأعيش فى عمارة متخمة بالوجاهة والفرنجة كانت لمهاجرين من الأجانب.. زرتك أمس فى إصطبلك رأيت مأساتك الفتاكة مع الحمير... ترعى جرذانك.. حيطانك وسقف بيتك معششا بالبوم والحدآت ... أصبحت منذ الآن عبدا لى.. صرخ (الشحات) فى وجهه: «صبحين ياحلوة» .. بعيد هو عن مدد السماء..
    ..حضر (حمدى) ـ الملتصق به دائما ... كما البق ملتصق به ـ جلسا يثرثران: «اذهب .. قل لكبيرهم أن يتدخل .. فنحن بين فكى النجوم الصغيرة يمضغوننا متى أرادوا ويبصقوننا فوق أسفلت الطريق..» قال (حمدى) .. شاب كلية التجارة: «أود أنا وأنت أن ندرس الفرنسية معا... ربما تفيدنا فى الهجرة إلى الخارج».. بالأمس .. ظل سجينا فى سجن (الحضرة).. تناول حبتين نوفالچين... فاستولى عليه السلطان ... ولم ير نور الحياة إلا بعد أن جاء الصغير وسأل عنه... بعدها جاءت قريبته ونزلت... ونزلت (سمية) من الطابق الأعلى: «قابلت (عزيزة) و(سادات) ابنى سمع (فوزية) تقول: أنا ح أجره زى الخروف جوه» شخرت لهم. وقلت: «أنا ح أطلع دينكم» و(على السنطاوى يتظاهر بالنوم».. قالت قريبتهم: « البنت الدكتورة ـ ممرضة ـ راحت عند (إبراهيم فهمى) ابن خالتك وقالت لهم: أيوه إحنا حرقنا الجلابية وأنا سبق وضربت (أم الشحات) وجرجرتها على السلم.. إشمعنى المرة دى يعمل كده... أنا ماما برضه تركب عربة السجن... الحق عليها هى اللى سمعت كلام العسكرى لو كنت أنا موجودة كنت رحت مع العسكرى النقطة وشربت معاه جوزة .. أنا المرة دى اللى ح أقف له بمطوة وأضربه بيها» .. قالت (سمية) .. ساكنة الطابق الأعلى ..إنت لازم تعمل احتياطك.. آدينا اتفقنا معاه... يجيب السمتو وإن مجبش دول... لازم يبقى مخبيين حاجة»
    ..قالت قريبتهم: « ياللا قوم وانزل معايا»
    ... فى (المبالة) المواجهة لسينما (ستار) دخلت (فهيمة) (القريبة) لتتبول ... وتقدم هو من عسكرى المرور: «دخلت تتبول وأنا أدور باحثا عن القفل...لا أراه ولا يرانى... هل من العسير العثور عليه فى هذا العالم المحتشد بالأقفال».. فى الطريق قال لها: «تيجى نروحو للضابط اللى فى مديرية الأمن» .. واكتشفت فجأة أنه نسى اسمه: غاب فى الكهف والديناصور حارس الكهف يزأر... يقف أمامه بالمرصاد..آه لو اصطدته فى متاهات... متاهاته... ما كان يعيقنى أى شىء عن ملاقات الكبير لأشكو له ضراوة الصراع مع سكان الطابق الأرضى وأقاربهم المختفين فى فاه (شارع أخوان الصفا) ... وتذكره .. عندما غاب الوحش عن كهفه ليشرب كوب شاى وسيجارة.. قال لها: عارف من اسمه (رحمى) .. قالت زى بعضه .. نسألو عنه».
    .. انتهى التحقيق مع (صلاح نصر) فى حادث انتحار (المشير عبد الحكيم عامر) .. أعلن اليوم الجنرال (إسحاق رابين) أن القوات المسلحة المصرية قد عوضت أسلحتها».
    يعيشون هذه الأيام على علب اللحم المحفوظ القادم من الاتحاد السوفيتى كمعونة.. بالأمس تناولوا فى الغداء لحما دسما بــ 9 قروش أدخلوا ألسنتهم داخل العلبة بعد ما أكلوا ما فيها... لعقوها وجدوا فيها رجلا سوفيتيا يئن... أداروا ظهورهم إليه... «إحنا ناقصين نواح»... وضعوا على اللحم بقرش فول مدمس... عزق أرضه فلاح مصرى.. مزجوا الفول المصرى باللحم الروسى وصرخات الهلع تندفع من داخل العلبة والطبق... وقف (الشحات) وعائلته ينشدون : نحن الشعب المصرى.. طعامنا الآن اللحم المستورد من الإتحاد السوفيتى وعجوة العراق... رخيصة الثمن... الكيلو بأربعة قروش: «أبانا الذى فى السموات : الاتحاد السوفيتى: العطاء والمنح والجود والكرم والشبع... شبع البطون الجائعة... فليتقدس اسمك... آمين».
    .. بالأمس ذهب الفأر الرابض فى جيب (الشحات) : (حنفى محمود) الطالب بكلية التجارة وآخر بكلية الفنون الجميلة إلى شركة بيع المصنوعات واشترى (الشحات) زوجين من الأحذية بــ 259 قرشا .. ومشوا فى الشوارع يقهقهون: اضحكوا يا أولاد من هذه الأيام الحافلة ـ قهقهوا... أمامكم طريق السد أغلقوه أمامكم.. سترون الدهشة والعجب فى باقى أيامكم القادمة... فى السكرتارية... قال (حنفى محمود) للشحات: فيه جوارب روسى فى (عمر افندى) الجورب بثمانية قروش ... وخرج (الشحات) مع (حنفى محمود) (والهبيان) ليشتروا الجوارب... قال النصف رجل (بهجت) شوف لى الثمن كام.... وأراد (أحمد حامد) أن يرقص فوق المتوازنين قال:
    ـ هات لى جوز معاك نمرة 42 ووضع يده فى جيبه يتظاهر بإخراج النقود .. لكنهم انصرفوا وتركوه...
    ... فى (ميدان التحرير) عثروا على الترام الجديد.. الذاهب إلى القبارى يسير مزدهيا بفروته اللامعة: غير ملامح الميدان وشكله... ووجدوا (شركة بيع المصنوعات) مغلقة.. قال (حنفى محمود) : «تريدون سلخ فروة الترام... سأسلخها .. لكم .. المهم أتغدى عند واحد منكم» يعنى تناول الغداء عند (الشحات) .. قال (الشحات) فى نفسه: «يشاركنا فى تناول لقيمات عزيزة المنال.. لكن المكان يتسع له دائما».
    .. وطوال الطريق راح (الشحات) يسأل (الهبيان) «هل تعرف كيف يخترق الرجل المرأة...» فكان «الهبيان» يتعلق بذراعه فى نشوة وجوع: «دى متين فولت .. دى تلتميه.. دى ربعميه وخمسين فولت»
    ـ لو كان (للشحات) ذرة من إيمان بالسماء .. لتغير الحال غير الحال ـ (والهبيان) يغرق فى حمام بخار ساخن ويتشبث بيد (الشحات) ليحميه من سخرية (حنفى محمود).. لحق بهم (حسين جمعه) عند السنترال ... تعلق بالصارى الهائل .. قال (للشحات) : «أنا وأحمد قعدنا ننتظر (جودو) فى النادى ساعتين.. مشينا واحنا بنقول ملعون أبو جودو: وقح كعادته يدخل فى الواحد شمال.. لكن الشحات عامله بهدوء صادر من كثافة تجمع الإعياء فى بنيانه فى الطول والعرض... عند (محطة مصر) اعتذر (حنفى محمود) عن المشى معهم وتركهم يبحث عن وجبة غداء عند أحد من الآخرين... وسار (الشحات) و(حسين جمعه) و(الهبيان)... عند مدرسة (النهضة) النوبية تركهم (حسين جمعه)... فى سراديب الليل تناولوا عشاءهم بقايا اللحم الروسى الدسم والفول المدمس أبو منديل محلاوى... (سميحة) نامت بلا عشاء.. أصابتها لعنة الزكام وجز الصداع دائرة رأسها ومن أنفها يتعالى الشخير...
    ـ قومى يابنتى ناكل اللحم الروسى المصنوع من لحم الناس السوفييت
    ـ رفضت : «أنا شبعانة» أعطاها حبة نوفالچين ونامت ..وشعر بحاجته إلى النوم .. والتعب يسرى فى طول وعرض جسده.. قال: «لا مؤاخذة ياابنتى.. أنا ح أسيبك دلوقت» وسرت فى الليل أصوات قادمة من مهجر عائلة (ريحان) ورأى (الشحات) الضفادع النائمة على ضفتى (المحمودية) تنقنق .. قال: «بلاشك .. هى تشعر بالتألق والمحاورة رغم أنها نائمة فى أمان الله... لو كان ضفدعة.. وله صلة أو شعاع من السماء لكان الحال غير الحال.. لكنه وعائلته الصغيرة معرضون للفتك واللعنة بلا حارس يحرسهم وبلا قفل على الباب يطرد الطارقين..
    .. وسمع (رئيسه) زوجة (حسب الله) «تقول ده بيرمى علينا قزايز ميه..» يتآمرون فى الظلمات .. لم يكفهم ذبح الجلباب وحرقه والجيات أكتر من الريحات (وغربال) يشهد مصرع بنيه...تموت الكلمات قبل أن تولد .. ماذا يقول والحريق التهم جلبابك ياصغيرتى بعد أن انتزعوه من فوق جسدك ودخانه يتسرب حاملا جرابه من تحت عقب الباب..»
    .. لم ينم إلا بعد أن ابتلع حبة نوفالچين أخرى: « أيام المهدئات أيامنا..،. تحت طاسة الخضة تموت العوالم... وضى الشمس يلتهم كل المرئيات..»
    ..ونهض فى عمق سواد الليل... (وزينب عبد المقصود) شريكتهم فى الشقة تستحم : سرقت لحظة لذة من زوجها الإسكافى (محمد على عيسى) بعد أن نامت البنات ونام الصبيان.. مرصوصين رصا فى القبو المظلم .. يريد أن يستحم هو الآخر.. رأى نفسه يمارس عملية جنسية غريبة فى كوخ مثل صناديق سطح المهندس فى (العجوزة) والطرف الآخر فى العملية (إسماعيل العشماوى) ساعى المكتب .. وبحث عن القصرية ليتبول... لم يجدها،، تبول فى طبق فارغ وعاد إلى سريره....
    (بسيونى طلبه) ساكن شقة الخواجات (بالأزاريطة) سلوكه تغير مع (الشحات ) بعد أن رأى جحافل البق تمرق من بين ضلفتيه وهى تترنح من حمل آلاف القناطير من الدماء..
    قال (بسيونى طلبه) : « أنت بقة كما باقى البق المنهمر من دلايات السقف.. اسمح لى .. أن أعاملك بتحفظ فأنت سليل غجر (غربال)..»
    حاول (الشحات) فتح سلة الدردشة معه... «السلال رفض مقابلة اللجنة الثلاثية»
    استمع إلى كلامه ببرود قطعة ثلج تتصاعد منها الأبخرة الحادة... وجلس (بسيونى) على مكتبه بلا إقبال عليه... أما عدوه الملقاط (أحمد حامد) فإنه أدخل إبرة ماكينة الخياطة فى عضله : «سمعت إنك اشتريت إمبارح جزم» قال (الشحات) : «اشتريت جوزين بمتين وستين قرشا» قال (أحمد حامد) : « لابس جزمة منهم» قال : (الشحات) : لأ...
    ـ أمال لابس إيه
    ورأى الحذاء البلاستيك الأصغر فى قدميه..
    .. استدار (الشحات) دخل حذاءه... إختبأ فيه صار جلده بلاستيك أصفر بعد دقيقتين..
    .. عمال النظافة يحتشدون حول مبنى السكرتارية وسور ديوان المحافظة يطالبون بصرف أيام الجمع....
    ..الآن يعرون جثته الملقاة فى حذائه ... رخيص الثمن صار... لم يعودوا ينخدعون بشقشقة أحاديثه فى السياسةوحكام اليمن الجدد وانتحار المشير عبد الحكيم عامر والأحاديث اللامعة... قال (أحمد حامد) وهو يشده من تحت غطاء الحذاء: « مش عيب تلبس جزمة صفرا.. أنت حقك تلبس جزمة حريمى.. و،إلا تلبس فرده حريمى وفردة رجالى..»
    وقهقه الجميع وهم سكارى من الانبساط والفرفشة... «الآن يشرب الوغد من دمه العكر.. من ماء حياته الموجعة الغضب فى داخله يقرضه كلب أجرب.. لم يجد ما يقوله سوى: «إنت ح تسكت وإلا أصبحك.. إنت بتحسب دمك خفيف... إنت دمك تقيل قوى كما البقة فى سقف بيتنا..
    قال (أحمد حامد) : « أنا دمى تقيل وزى البق علشان اللى باكلمه دمه أتقل تلاتين مرة»
    .. واستدار (الشحات) ـ وهوعار تماما ـ يطلب العون من النصف رجل رئيس المكتب (بهجت) : «والنبى خليه يبطل لأحسن هو فاكر إنه ظريف»
    ..قال (عم مصطفى) كبير السن المرح: «والنبى ده بيحبك» .. واقترب (أحمد حامد) من (الشحات) وقبل رأسه قال: «حقك على وأنا مش ح أتكلم معاك تانى» وأخرج العامل (صلاح) سجائره وأعطى (الشحات)سيجارة: «يمتطيه بطول جسده وعنقه... يمنحه العطف الذى به يزدريه»
    «صرف السلف لتجار السويس فورا وتعويض المبانى التى أضرت بالعدوان»
    «(على صبرى) يبحث مع وزيرى الصحة والخزانة إجراءات عاجلة لحل مشاكل العاملين فى السويس»
    «(أم كلثوم) تفتح ثدييها لأخبار اليوم: ماهى أكبر خطيئة
    ـ أن ترى الخطأ ولا تنبه إليه
    ..أحسن صديق
    ـ شخص يشاركك فى ألمك
    .. أحسن مكان
    ـ حيث تنجح..
    .. أقصر طريق للنجاح
    ـ العمل..
    .. أحسن عمل..
    ـ الذى تحبه..
    .. أكبر راحة...
    ـ أن تؤدى عملك جيدا..
    .. أكبر خطأ..
    ـ اليأس
    ..أحقر شعور
    ـ الحسد
    .. أكبر لغز
    ـ الحياة..
    ..أكبر أمل
    ـ أن تعود فلسطين
    .. أسمى فكرة
    ـ الله..
    .. أكبر عدو
    ـ إسرائيل..
    .. أول أمس .. هل يتذكره.. آه... جاء ابن قريبتهم فى الرابعة والنصف .. أيقظه وباقى مخلوقاته يغصن فى النوم... قال الصغير: «أمى وخالى حسين والعسكرى جارهم جيين ومعهم الأسمنت ليرشوا البلاط كى لا يخر الماء على عائلة (محمد ريحان) .. نهض .. واشترى له الصغير موسا ليحلق دقنه... حضرت قريبتهم وابنها والعسكرى..
    .. عسكرى مارد يرتدى جلبابا اشتراه من جوار طنطا.. استعان به (محمد ريحان) لإجراء مفاوضات معه... جاءت به قريبتهم وهى حافلة بالرضاء عن نفسها... على وشك أن تضع مولودها .. أزال الشحات شعر ذقنه والعسكرى يربض فوق ظهر الكنبه والحمار ينهق من تحت ساقيه وعيناه لا ترى مخابئ البق
    ـ لم يكن (الشحات) راغبا فى الحديث معه... ودخل دورة المياه المشتركة..وأزال رائحة الهم من داخل منحاريه وارتدى ملابسه يغطى نفسه الأمارة بالسوء... وتبادل مع العسكرى بضع كلمات: «فيه ناس بتحرق الهدوم» قال العسكرى: « وبيحرقوا اللى جوه الهدوم» وضحك وضحكت القريبة وابنها... لو التفت برهة من الزمن إلى السماء فوقه لرآه وعرفه ولم يكن وقتها قد حدث له كل ما حدث: السير فوق أبراج النار إلى الأبد...

  10. #10
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. أَ عَنْ محمدٍ المأمون نحبسها ..؟!!
    بواسطة سلطان السبهان في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 32
    آخر مشاركة: 12-02-2006, 08:34 PM
  2. اعتذار للاستاذ محمد حافظ
    بواسطة لحظة صدق في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 19-01-2005, 08:02 AM
  3. رحبوا معي بأختي و صديقتي الكاتبة إيمان رجب
    بواسطة لحظة صدق في المنتدى الروَاقُ
    مشاركات: 9
    آخر مشاركة: 12-11-2004, 04:38 PM
  4. يوم الغضب هل بدأ بانتفاضة رجب
    بواسطة حنظلة في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 31-10-2003, 09:54 AM