فارسٌ وهلال
سمعتُ ذاتَ عصرِ آخرِ عدٍ من شعبان صَخَباً وضجيجاً!!
أرَّق حالي.. وأشغل بالي.. فرُحت أستطلع الخبر..
وأتبيَّن مصدره..واستكشف سرَّه ومخبره.. فتبدَّى لي الأمر عجباً!!
جحظت عينايَ من هوله .. وأصابني روعةٌ وجزعٌ منه
إذ باثني عشر فارساً ، كلٌ على صهوته وجواده ..
كلٌ ملك ناصية البيان.. وبدا كأنه ملك الزمان
برهطه وعدده، وجنده ومدده
ليتبدى الأمر كأنه مناظرةٌ عظيمة بين هؤلاء الفرسان
كلٌ فيها يُقدّم دليله، ويُبدي حجّته
ويُظهر مزاياه، ويتفاخر بها على أقرانه
فتسلّلت بينهم خفية.. وجلست أرقب المناظرة العجيبة
التي ألقت الرَّهبةَ في نفسي.. ورمت الهيبةَ في حسي..
خشية أن يقع بينهم ما يقع، وينالني منهم ما ينال
فأصبح كمن يدخل فيما لا دخل له فيه
فصمتُ وحبستُ أنفاسي..وأقمت بمكاني بينهم دون حراك
ودون أن أنبس ببنت شفة، وفي نظري دهشة.. وفي قلبي روعة..
واستمرت المناظرة كلٌ بزهوه وألقه... ونجومه ورتبه...
ليتبدَّى الواحد منهم بعد أن أبدى حجَّته
كأنه فارسُ الرِّهان، بما حجَّ به الأقران
والجمع بعدها يُحيِّيه ..ويُكبرُ قدره..
وتوالى الفرسان على المكان، وكلهم ذَرِبُ اللسان.. فصيح البيان
حتى استنفد أحد عشر فارساً منهم حجَّته، ولم يتبق إلا واحد ظلَّ صامتاً
ممتطياً صهوة جواده، يتأمل حال القوم مصغياً لهم بحلم وأناة
متألقاً بمحياه، وعلى جبينه الوضّاء بعض قطراتٍ تبدت كالدُّرِّ من العرق
بعد أن طال زمن المناظرة.. وامتد أمد الجدال ..
وغربت شمس هذا اليوم ،ودخلت ليلةٌ جديدة في عدِّ الزمان.
وهنا تساءلت في نفسي: لِمَ هذه المناظرة؟
ولماذا كل هذا الجدال؟!
ولِمَ التفاضل وكلهم في العدِّ سواء؟!
وكلهم بزمنه سواء؟! وكلُّهم في ساحة الأيام سواء؟!
وإذ الغمام ينشق ليفترَّ عن هلالٍ كأنَّه الدُّرُّ المتلألئُ فرحةً
ليتبدّى في كبد السماء بأروع حلة، في تلك الليلة الليلاء
بدا فيها كأنه سرج للفارس الذي ظل صامتاً
ليفاجئ الجمع ويلقي بتحيته عليهم.. وينادي فارسه.. هلمَّ إليّ
..ليركب على متنه.. ويمتطي صهوته
وكأنه قد عادت إليه روحُه .. ورُدَّ إليه قلبُه
وعاد إليه نبضُه في الزمان
وإذ الجميع يتهلّل وجهه.. وتنفرج أساريره.. ويتألّق محيّاه..
ليشخصوا بأبصارهم نحوه مهلِّلين مباركين قائلين بصوتٍ واحد:
هو ذاك ..هو ذاك ........ومن كمثله بين الشهور!!!
ففرحت وابتهجت، وأنست وانسللت كي أخرج من بينهم بهدوء
دون أن أُشعر أحداً منهم لأستعدَّ لهذا الشهر الفضيل شهر رمضان المبارك،
وكل عامٍ وأنتم والواحة بخيروالسلام.