كان أحمد شاباً مغربياً ، متفوقاً في دراسته ، وقد أنهى الثانوية العامة بامتياز، فقرر أبواه إرساله إلى أسبانيا لدراسة هندسة المعمار التي يهواها.
كان أحمد ذو حس مرهف ، وابتسامة هادئة، وذهن صاف، وكانت عيناه الملونتان تشيان عن قلب طيب خفاق.
واختار أحمد أن ينزل في إحدى فنادق مدن الأندلس القديمة، حيث الطراز الإسلامي الذي يهواه وهناك ألتقاها .
فاطمة فتاة جذابة جميلة جداً ، تعمل خادمة في نفس الفندق الذي نزل فيه، ومنذ الأيام الأولى شعر الفتى بشيء يتحرك في خافقيه وقال في نفسه"إنه الحب"
كان خليل، مدير الفندق، شاباً مديد القامة، طموح، ورث عن أبيه ورثة طيبة، كان من بينها الفندق الذي يعيش فيه، وكان ذلك الشاب الذي أوشك أن يودع الثلاثين من عمره، جدياً في حياته ملتزماُ بعبادته.
وفي نفس الوقت نزلت جودي ، سيدة أرملة من بريطانيا ، تمتلك ثروة كبيرة، ورثتها عن زوجها، وفي كل عام تسافر استجماماً وطلباً للراحة، وكانت متوردة الخدين ، قاربت على الخمسين عاماً، تتمتع بصحة جيدة، لكنها تخفي حزناً عميقاً في داخلها.
وكما كان جوزيف صمائيل، الرجل ذي الأربعين خريفاً، البريطاني الجنسية ينزل في الفندق ذاته فترة إجازته السنوية.
كان من نظام ذلك الفندق أن يتناول النزلاء طعام العشاء معاً ، وكان جوزيف يضفي جواً من المرح والمزاح البريء على جميع الموجودين، وكان كثيراً ما يتغزل بالأرملة الثرية ، ولعله قد سبر أغوار نفسها فاطلع على حزنها العميق، فأراد أن يخفف عنها حدة ما تجد.
لكن أحمد لم يكن يأبه بمزاح ذلك الرجل خفيف الظل، بل كان منشغلاً دوماُ بتلك الفتاة النشطة التي كانت تضع صحون العشاء كل ليلة أمامهم.
وفي الوقت ذاته ، كان خليل ينظر إلى تلك الفاتنة ، وعيناه تنطق بحبها ، وفهم أحمد الأمر ، فأنقلب في نكد وحسرة ، خاصة أن فاطمة كانت تلاطف الجميع، إلا أنها كانت تبدي اهتماماً زائداً بخليل.
وفي ليلة من ليالي الشتاء الباردة ، شق سكون ذلك الفندق صيحة انطلقت من فم الأرملة جودي
فنزل الجميع إلى المطعم ، حيث كانت جودي واقفة ترتعش، وهي تشير بيدها إلى رجل ملقى على الأرض.
حينها حاول أحمد أن يتقدم ناحية الرجل الميت ، فصاح به جوزيف : توقف أيها الفتى ، أنا المحقق جوزيف صمائيل أتركوا الأمر لي .
وتقدم هو نحو القتيل، وأخذ بتفحصه بعد أن لبس الكفوف البلاستيكية ، فوجد أن رصاصة اخترقت جبهة خليل ، كما أن المسدس كان في كف يده اليمنى.
حينها قال جوزيف: حسناً يا سادة يبدو أننا أمام حالة انتحار...
قاطعه كريم خادم خليل : سيدي ، أعذرني أحب أن اسر لك بشيء ...
فقال جوزيف :حسنا يا صاحبي ، فلتصطحبني إلى غرفتي ، وأرجو منكم أيها السادة أن تجلسوا على مقاعدكم ، ولا يقترب أحد من الجثة.
وفعلاً جلس الجميع وقد شدت أعصابهم إلى الغاية على مقاعدهم.
وصعد الإثنان إلى الغرفة وعندما جلساً قال كريم : أريد أن اخبرك شيئاً أظنه سيخدم التحقيق.
فقال جوزيف :حسنا لنسمع
قال كريم : ليلة أمس ، سمعت فاطمة وخليل يتجادلان وكنت في المطبخ المجاور وأظنهما لم يلاحظا وجودي، وسمعت خليل يعرض عليها الزواج، فرفضت وأجابته أنها تحب أحمد ، ذلك الفتى الذي يدرس الهندسة...
تطلع إليه جوزيف بعينيه الثاقبتين حاثاً إياه على مواصلة الكلام.
فواصل : حينها صاح خليل، أنا أحبك ولن اسمح لأحد أن يعترض طريقي ، وسأقتل أحمد إن حاول الإقتران بك، حينها تركته فاطمة وجرت باتجاه غرفتها.
نظر إليه جوزيف بإهتمام : هذا كل شيء . فأجابه كريم : هذا كل ما أعرفه
فقال جوزيف : أريد أن أسألك... بخصوص المسدس الكاتم للصوت الذي وجدناه في يد القتيل هل هو ملكه؟
فقال كريم : نعم يا سيادة المحقق إنه له وقد ورثه عن أبيه.
هز المحقق رأسه بتفهم وقال : حسناً، دعنا نتصور الأمر معاً، عندما صرحت فاطمة لخليل بحبها لأحمد، شعر خليل بالأسى واليأس فانتحر.
هز كريم رأسه معترضاً وقال : لا لا يا سيدي ، خليل لم يكن انساناً ضعيفاً، وكان إنساناً مؤمناً ولا أظنه يقدم على الإنتحار، لكن ألا يمكن أن يكون أحمد قد علم بتهديد خليل بقتله فبادره هو بإطلاق النار عليه ؟
حينها لمعت عينا جوزيف وقال : احتمال وارد يا كريم ، لكني أريد جواباً لسؤالي ، وهو هل كان خليل بالفعل ينوى قتل أحمد؟
أجاب كريم: لا يا سيدي،خليل مسالم وعاقل، ويبدو انه تلفظ بكلماته تلك وقت انفعاله فقط
قال جوزيف حسناً يا صاحبي دعنا ننزل لنصارح السادة في الأسفل بالحقيقة التي أصحبت أعرفها وقبل ذلك دعني أجري مكالمة مهمة.
وأثناء تجهزهما للخروج أحضر جوزيف معه مسجلاً صغيراً وخبأه في جيبه
وعندما أصبحاً بالأسفل أشار جوزيف للكل أن يبقوا في أمكنتهم ، واتخذ شكلاً مسرحياًُ وقال :
أيها السادة ، لنحلل الأمور تحليلاً منطقياً ، لقد أخبرني هذا الخادم الذكي بما حدث بين فاطمة وبين خليل ليلة أمس، ويبدو أن خليل شعر بالأسى كون فاطمة تحب أحمد ولا تحبه فانتحر.
لكنني أيها السادة اقتنعت أن هذا الإحتمال مع قوته ليس حقيقياً ، وطرأت على عقلي فكرة أخرى ، لعل أحمد عرف بتهديد خليل له فبادر بقتله، إنه مجرد احتمال ، لكن الحقيقة الكاملة أيها السادة أن فاطمة هي من فعلت ذلك ،نعم لا تتعجبون ، لقد فعلتها تلك الحسناء الرقيقة، حيث شعرت بالخوف على احمد حبيبها ، فبادرت بحمايته ،إنها ليست مجرمة بطبيعتها، أليس كذلك يا فاطمة؟
حينئذ بكت فاطمة وأقترب منها جوزيف وضغط زر المسجل وبدأت هي بسرد ما حدث
وفي تلك الأثناء كانت الشرطة تتجه إلى ذلك الفندق لتلقي القبض على القاتلة
انتهت