بسم الله الرحمن الرحيم
((((( نظرت إلى الساعة فوجدتها قد قاربت على الثانية بعد الظهر .. كان الجو شديد الحرارة .. وكنت قد أرهقت كثيرا من العمل فى هذا اليوم على غير العادة فى باقى الأيام .. أظن أن السبب فى ذلك تلك الحالة التى تعاودنى ليلا من وقت لآخر .. فلا أستطيع أن أغمض طرفى .. وأهنأ بالنوم ولو لساعة واحدة .. وما يكون أطولها من ليلة تلك التى أصاب فيها بهذه الحالة من الأرق ..
المهم قررت أن أغلق المحل وأذهب إلى البيت أستريح قليلا من عناء العمل ثم أعود فى آخر اليوم لأكمل ما تبقى منه .. أغلقت محلى الصغير الذى يعتبر هو مصدر رزقى الوحيد .. والذى منه أعول نفسى وشقيقتى الصغرى التى ليس لها فى الدنيا سواى الآن ..
أغلقت محلى وتوجهت إلى المنزل الذى كان لا يبعد كثيرا عن مكان العمل .. فوصلت فى وقت قصير .. وأثناء صعودى سلم البيت انزلقت قدماى وهممت أن أقع أرضا .. ولكن ربنا ستر .. وكانت كل خسائر الحادثة أن انقطع نعلى .. فحمدت الله على انها جاءت علي هذا فقط .. وخاصة أننى قد اقتربت من منزلى .. أو تقريبا قد وصلت ..
حملته فى يدى وأكملت باقى السلم حافي القدم ولما دخلت ألقيته بجوار الباب حتى آخذه معى وأنا ذاهب مرة أخرى للمحل .. وأمرره على (الجزمجى) ليصلحه ..
أخذت قسطا من الراحة فى شقتى الصغيرة التى على صغر مساحتها أعتبرها بالنسبة لى كمملكة أكون ملكا متوجا على عرشها .. أجد فيها كل وسائل راحتى وترفى .. ولا أستريح فى أى مكان غيرها .. وأشعر بالغربة الشديدة عندما تجبرنى الظروف مثلا على الابتعاد لبضعة أيام عنها ..
خرجت وأخذت حذائى فى شنطة صغيرة فى يدى وتوجهت إلى هذا (الجزمجى) على أول الشارع لأصلحها عنده فقد كان فيها قطع صغير لا يستلزم تغييرها .. كان هذا (الجزمجى) رجل فى العقد الرابع تقريبا من عمره .. عرفت من خلال ما سمعته عنه أنه رجل تقريبا لا يحب الإسلام والمسلمين .. نعم فقد كان يهودى من يهود الشرق
نزل أبوه القاهرة فى الأربعينات وأحب مصر وأهلها .. فعاش فى حيينا الشعبى .. أحاطه الناس وقتها بالحب والأمان والمعاملة الطيبة .. فشعر بالأمان فى مصر .. فعاش فيها لما وجده من سماحة أهلها وطيبة قلوبهم .. ولكن –أخينا- هذا كان مخالفا تماما لأبيه فقد كنت تنظر إلى وجهه فترى العبوس والشقاء يطل من عينيه .. دائما غير راض عن وضعه .. دائما يشكو .. دائما يرى أنه مظلوم مضطهد على اعتبار أنه يهودى وأن كل أهل مصر مسلمين ولا يخفى عليه ما يكنه المسلمون من حقد وكره لإسرائيل ولليهود .. من جراء ما فعلوه فى مصر أيام احتلالهم سيناء .. وما يفعلوه الآن فى فلسطين ولبنان .. ولكنه للأسف لا يعلم أننا لا نكره اليهودية فنحن مسلمون .. نحن محمديون .. وإن محمدا هذا أمرنا بالإيمان بجميع الأديان .. ولذا فنحن باليهودية مؤمنون .. ولكن لليهودية حقا .. بتوراة موسى .. ليس بالعهد القديم ولا العهد الجديد .. دائما فى مشاكل مع جيرانه .. مع انهم يحاولون التقرب منه .. ويعاملوه بتعاليم الإسلام السمحة لعله يلين قلبه .. ويتسلل شعاع من النور لقلبه فينير ولو جانباً صغيراً منه .. ولكن هيهات فقد طمس الله على قلبه فجعل عليه أقفاله .. فلن يتسلل ولا شعاع النور ولا بصيص الأمل ..
وصلت إلى محله .. دخلت وألقيت السلام عليه .. فرد على بوجهه العابس :
"أهلا وسهلا .. أى خدمة"
- متشكر جدا .. هذا الحذاء انقطع منى .. وأرجو إصلاحه ..
أخذ الحذاء منى بشدته المعهودة .. وشرع يصلحه .. ووقفت منتظرا ليفرغ منه .. وما هى إلا دقائق قليلة إلا وقد انتهى .. أخذته منه بابتسامة صغيرة .. قابلها هو بعبوس وجهه المعهود
- كم حسابك ؟
- 5 جنيه ما ينقصوش مليم ..
تعجبت من مطلبه هذا .. وتضايقت أكثر من أسلوبه المستفز .. أجبته - بنرفزة – وقد اختفت الابتسامة التى كانت مرتسمة منذ لحظات على وجهى :
- 5 جنيه .. هو حضرتك عملت فيه حاجة كبيرة .. ده كان مجرد قطع صغير .. حاجة ماتستاهلش يعنى ..
- هوه كده مش عاجبك بينى وبينك القسم ..
كانت هذه الكلمة تعتبر منفذ الخلاص له من أى مصيبة يقع فيها .. فيتوجه مسرعا ألى شرطة الحى .. ودائما كانوا ينصرونه على خصمه ودائما لم يكن يستحق النصرة .. ولكن هتعمل ايه يا عم .. ده يهودى .. فى وسط مسلمين .. يعنى الموضوع ممكن يكبر .. ويتحول إلى تفرقة عنصرية .. واضطهاد دينى .. واحنا مش قد أمريكا وحلفاءها
اعمل له اللى هوه عايزة يا عم وخلصنا ... كان هذا هو المبدأ الذى يعمل به ضباط الشرطة فى قسم الشرطة بالحى .. فعندما سمعته يقول هذا زاد حنقى وغيظى منه .. فقلت له :
- على فكرة انا مش هاروح ولاقسم شرطة ولا بتاع .. وانت مش هتاخد اكتر من حقك
- يعنى ايه .. هيا عافية ولا ايه
- لا مش عافية ولا حاجة بس كل حاجة بالعقل ..
وأخرجت من جيبى جنيهان .. أظننى قد أكرمته كثيرا بهما .. ووضعتهما على الترابيزة التى أمامه .. وهممت بالخروج ..
عندها احمر وجه الرجل .. وأخذ يسب ويلعن فى المعاملة وفى الأسلوب .. وتطرق سبه إلى الإسلام والمسلمين ..
عندها غلى الدم فى عروقى .. وأخذتنى نخوة أولاد البلد .. والغيرة على دينى .. لم أشعر بنفسى إلا ويدى تلتقط حديدة صغيرة فى جانب المحل وهويت بها ضربا على رأسه حتى هشمتها .. فسقط على الأرض جريحا ..
تركته غارقا فى دمائه وخرجت إلى عملى .. ولم ألتفت لتجمع الناس الذى التف حول الرجل يحاولون انقاذه إلى المستشفى .. أو يحاولون فعل أى شىء لإسعافه ..
وصلت إلى محلى .. وأنا لا أعلم أن الرجل بعدها قد نقل إلى المستشفى .. وهناك خرجت روحه متأثرا بما لاقاه من ضربات على رأسه .. صارت قضية أمن قومى .. وأصبحت من المشاهير لكن ليس من الفنانين أو لاعبى الكرة .. بل أنا الآن من أرباب السوابق .. فأنا الآن متهم فى جريمة قتل .. وليس قتل عادى .. إنى قد قتلت رجلا يهودى .. تعدى على وعلى دينى وعلى شرفى بالسب بأفظع الألفاظ ..وما أفظعها من جريمة .. كان لابد أن أخفض له رأسى شاكرا على كلمات الثناء التى راح يبخها فى وجههى وأعطيه ظهرى كأنى لم أسمع شيئا وأمضى فى طريقى .. هذا ما يريدون أن أفعله ..
فى مساء هذا اليوم .. تم القبض على .. وبسرعة غير معهودة سرت إجراءات القضية الكبرى .. وتم فيها الحكم بإعدامى شنقا .. وإزهاق روحى أمام روح اليهودى الذى سب دينى .. وأنا الآن على بعد ساعة واحدة من تنفيذ الحكم ... فما رأيكم يا سادة .. هل أستحق هذا ؟؟؟ !!! )))))
وجدت هذه القصة مدونة على جدار أحد السجون .. تقريبا استخدم صاحبها لكتابتها ساق معدنية صغيرة وجدها فى زنزانته .......