أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 8 من 8

الموضوع: الخروج من القصيدة (قصيدة قصيرة، لحسين علي محمد

  1. #1
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي الخروج من القصيدة (قصيدة قصيرة، لحسين علي محمد

    الخروج من القصيدة

    شعر: حسين علي محمد
    .........................

    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..
    تقاسمها العاشِقانِ بليلِ الكَمَدْ
    ...
    أأفتحُ صدْراً
    يُمزِّقُهُ اليأسُ منكِ ؟
    أُفتِّشُ عنكِ
    وأُرجِعُ للماءِ ورد الأحبةِ
    أعددْتِ لي قهوةً مُرَّةً
    هل ْتعودُ العصافيرُ للماءِ ؟
    هلْ يَتفتَّحُ في الرَّوْضِ زهرُ الغِناءِ ؟
    وهلْ تتفجرُ مملكةُ العشقِِ ..
    بين رِياضِ الجسَدْ ؟

  2. #2
    الصورة الرمزية عبد القادر رابحي شاعر
    تاريخ التسجيل : Jul 2006
    المشاركات : 1,735
    المواضيع : 44
    الردود : 1735
    المعدل اليومي : 0.27

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. حسين علي محمد مشاهدة المشاركة
    الخروج من القصيدة
    شعر: حسين علي محمد
    .........................
    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..
    تقاسمها العاشِقانِ بليلِ الكَمَدْ
    ...
    أأفتحُ صدْراً
    يُمزِّقُهُ اليأسُ منكِ ؟
    أُفتِّشُ عنكِ
    وأُرجِعُ للماءِ ورد الأحبةِ
    أعددْتِ لي قهوةً مُرَّةً
    هل ْتعودُ العصافيرُ للماءِ ؟
    هلْ يَتفتَّحُ في الرَّوْضِ زهرُ الغِناءِ ؟
    وهلْ تتفجرُ مملكةُ العشقِِ ..
    بين رِياضِ الجسَدْ ؟
    أخي حسين على
    يسعدني أن أكون أول من بعلق على هذه القصيدة
    العنوان له إيحاءات عميقة لوحده
    أما القصيدة فهي فعلا خروج عن مألوف ما نتداوله جميعا
    بورك فيك
    أخوك عبد القادر

  3. #3
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رابحي عبد القادر مشاهدة المشاركة
    أخي حسين على
    يسعدني أن أكون أول من بعلق على هذه القصيدة
    العنوان له إيحاءات عميقة لوحده
    أما القصيدة فهي فعلا خروج عن مألوف ما نتداوله جميعا
    بورك فيك
    أخوك عبد القادر
    شكراً للمتذوق الأستاذ الأديب:
    رابحي عبد القادر على تعليقه النقدي الجميل،
    مع موداتي.

  4. #4
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الفاضل الأديب الكبير والشاعر حسين علي محمد

    خروج عن القصيدة , ادخلني في حالة من الاعجاب بك , وتكثيفك المشاهد الشعرية , بقوة وتمكن , وعذوبة حرف .

    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..

    تقبل محبتي وتقديري

    اخوكم
    السمان

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الفاضل الأديب الكبير والشاعر حسين علي محمد
    خروج عن القصيدة , ادخلني في حالة من الاعجاب بك , وتكثيفك المشاهد الشعرية , بقوة وتمكن , وعذوبة حرف .
    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..
    تقبل محبتي وتقديري
    اخوكم
    السمان
    شكراً للأستاذ الأديب
    الشاعر الدكتور
    محمد حسن السمان
    على التعليق الجميل، الذي أثرى النص ...
    مع التحية والتقدير

  6. #6
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Mar 2005
    المشاركات : 1,000
    المواضيع : 165
    الردود : 1000
    المعدل اليومي : 0.14

    افتراضي

    سينما الشعر، والقصيدة = المشهد / اللقطة
    قراءة في قصيدة «الخروج من القصيدة»
    للشاعر حسين علي محمد

    بقلم: أحمد فراج

    الخروج من القصيدة
    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..
    تقاسمها العاشِقانِ بليلِ الكَمَدْ
    ...
    أأفتحُ صدْراً يُمزِّقُهُ اليأسُ منكِ ؟
    أُفتِّشُ عنكِ
    وأُرجِعُ للماءِ ورد الأحبةِ
    أعددْتِ لي قهوةً مُرَّةً
    هلْ تعودُ العصافيرُ للماءِ ؟
    هلْ يَتفتَّحُ في الرَّوْضِ زهرُ الغِناءِ ؟
    وهلْ تتفجرُ مملكةُ العشقِ ..
    بين رِياضِ الجسَدْ ؟
    * * *
    يحقق هذا النص مقولة تلاشي الفواصل بين الفنون، حيث لا يكتفي أي نوع من الأنواع في طرحه على خصائصه الذاتية، بل يعتمد اعتماداً كليا أو شبه كلي على خصائص نوع آخر، دون أن يفقد أهمَّ السمات المميِّزة له، أي أنه يتخطَّى دائرة التأثير والتأثر، بل والمزج أيضاً.
    إن المتلقي لهذا النص يشعر أنه يشاهد فيلماً سينمائيّاً أكثر من كونه يتلقّى قصيدة شعرية، فكل المعطيات تعتمد على اللغة البصرية، مع الأخذ في الاعتبار الفارق بين لغة العين والصورة الشعرية، بالإضافة إلى المساحات الضخمة التي يتركها النص للمتلقي للمشاركة في إبداع النص / الفيلم مرتكزاً في ذلك على القابلية التعاذية للنبرة الذاتية من العام إلى الخاص أو العكس "فما عاد النص إنجازاً لمؤلفه، بل صار نتاجاً أو خلقاً يقوم به القارئ المتميِّز" ( ).
    نحن أمام بطل / حبيب، مهزوم، محطم، يسير إلى الضياع / الموت / النهاية، ولا يملك سوى محاولة التأمل أو محاولة التمسك بالأمل المفقود، هذا هو الموضوع العام للقصيدة / الفيلم.
    وكما هو واضح أمامنا أنه موضوع مطلق إطلاقاً كليا، فليس هناك ما يُشبر إلى الحبيبة بشكل محدد، فقد تكون الأنثى أو الوطن أو أي شيء آخر، وينسحب هذا الإطلاق على التكوينات البنائية المعنوية والتصويرية على حد سواء، ها هو البطل يسير على الرمل / العطش / الجوع / الحر / الموت:
    أسيرُ على الرَّملِ
    أحمِلُ أمتعتي
    بوحَ عشقٍ تحطَّمَ
    أنقاضَ بيتٍ تهدَّمَ
    وردةَ حُبٍّ ..
    تقاسمها العاشِقانِ بليلِ الكَمَدْ
    لقد انتهت قصة الحب، وافترق العاشقان، وها هو الحبيب يحمل أمتعته ويرحل / يتوه في الرمل، والرمل يوحي بالصحراء أول ما يوحي، أو قد يوحي بالشواطئ، وفي الحالتين نجد نفس المعنى، فالصحراء تعني الضياع / الظمأ / الجوع / الحر / السراب / … إلخ، من منظور مادي ملموس، ورمل الشواطئ يعني نفس الشيء من منظور لا مادي غير محسوس، إذ قد يمثل البحر الحب بكل حركاته وأحداثه: القصص / الذكريات / المواقف، حيث يمثِّل سير الحبيب / البطل موقف الحسرة / الألم / الندم، إلخ …، وكل هذا يعني العطش / السراب / الموت / … إلخ.
    والبطل في سيره يحمل أمتعته، والأمتعة تعني الملبس / الأكل / المشرب / المال / … إلخ، ولكن المخرج من الذكاء الشديد بحيث يحوِّل هذه الأمتعة إلى البوح المحطّم / أنقاض البيت المُهدَّم / وردة الحب التي تقاسمها الحبيبان، وفي هذا إشارة ضمنية رائعة إلى مدى عمق هذه العاطفة الصادقة التي بلغت درجة أن تكون أمتعة الإنسان هي البوح والبيت والوردة، حتى بعد أن انتهت قصة الحب الساخنة.
    ولكن ما هي نوعيّة هذا البوح؟، إنه مفهوم مطلق يشمل كل ما دار بين العاشقين، اللقاء / الحياة / الماضي / الحاضر / المستقبل / الحلم، … إلخ، وكذلك الحال بالنسبة للبيت، فقد يعني البناء الذي نعرفه، كما قد يعني البناء الوجداني الذي يضم العاشقين، وما بينهما من أسرار وخبايا، وينسحب نفس الوضع على "وردة الحب"، و"ليل الكمد"، فالوردة تعني الأمل / السعادة / الدفء / البهجة / الحياة، أما الليل أو الكمد فيعني العذاب / الألم / المعاناة.
    وهكذا يعمد الشاعر / المخرج إلى إطلاق المفاهيم بحيث يتيح الفرصة للمتلقي للمشاركة معه في إبداع النص، فهو لا يكتفي بالدلالات المعجمية أو المفاهيم والعلاقات الظاهرية العادية بين الكلمات والسياق، وإنما يستخدم موهبته وقدراته الخاصة في الإضاءة والكشف عن كافة الدلالات اللفظية والسياقية بحيث يُضفي عليها أبعاداً نفسية وروحيّة تُعمِّق من أثرها وتفتح أبواب الدلالات على مصراعيْها "فالنص موضوع ينشئه التأويل خلال الجهد الدائري لجعل نفسه صالحاً على أساس مما يُكوِّنه كنتيجة له"( ).
    إننا أمام مشهد سينمائي قائم على دراما حركية لبطل مهزوم، يحمل أمتعته ويسير على الرمل، وأبعاد هذا المشهد السينمائي هي التي تبوح بالمضمون العام والخاص على حد سواء، الرمل / السير / المتعة / البوح / البيت / التحطيم / التهدُّم / الوردة.
    إن المبدع / المخرج لا يتعامل مع معطيات لغوية، بل يعتمد عليها في صياغة المعطيات البصرية "لغة العين"، لمشهد معين أو للفظة فيلمية ويتركها تعكس ما يودُّ التعبير عنه، "فالخصوصية الفنية لهذه اللقطات الفيلمية تُعبِّر عن أهمية هذا النص المكتوب أو المخطّط الفكري المتكامل"( ).
    إن القصيدة / الفيلم لا تبدأ من نقطة معينة ولا تنتهي عند نقطة معينة، إنها باختصار شديد مجرد مشهد سينمائي واحد، أو لقطة فيلمية واحدة، "بطل مهزوم يسير على الرمل"، وما من شك في أن التجانس والتآلف بين الألفاظ والتعبيرات من أهم شواهد الصدق الفني.
    السير / الرمل / الأمتعة / الحمل
    (التقاسم / العشق)، (البوح / البيت)، (التحطم / التهدم)
    الأنقاض / الليل / الكمد
    هذا هو البعد الظاهري للفيلم / القصيدة، مشهد واحد يحمل كل الدلالات والإيحاءات بدلاً من الوقوف اللغوي عند التفسيرات الجزئية لقصة الحب، أما البعد الآخر للموضوع فيتمثل فيما يشعر به الحبيب / البطل المهزوم.
    وهنا يحمل المخرج كل الكاميرات، ويغوص في أعماق النفس البشرية، ويُوجِّه عدساته إلى الزوايا والأبعاد الخفية للوجدان الداخلي.
    وأول ما نلحظه هو تركيز المبدع على الملامح العامة للصور العاطفية بعيداً عن التفصيلات الجزئية بما يُثبت له قدرة فنية خلاّقة في التعامل مع الكاميرا (لغة العين) بوعي تام وحساسية شديدة بحيث يسود النص نوع من التناغم الذي يبتعد به عن الازدواجية وينأى به عن التفكك، فهو لم يقف عند مشهد للخيانة أو صورة للغدر، ولم يُشر إلى أسباب الفراق وتفاصيل قصة الحب، ولم يقصر اللفظة على الدوائر الذاتية له ولمحبوبته، بل تعامل مع الكليات العامة التي تمس كل البشر، فهو يتعامل مع اللغة بحيث "تصبح الكلمة في نتاجه الإبداعي أكثر تبلوراً وجلاءً في أشكالها، وأكثر اتساعاً وثراءً في معانيها، وأوسع مدىً في إيحاءاتها، وأبعد أثراً في استعمالاتها"( ).
    نحن أمام لقطة نفسية داخلية، ومن ثم لا مجال للبصريات الظاهرية، ومن الطبيعي أن نراه يفتش عن حبيبته في صدره، وأن نرى ورد الأحبة يرجع للماء، وأن نرى مملكة العشق وهي تتفجر بين رِياضِ الجسَد:
    أأفتحُ صدْراً يُمزِّقُهُ اليأسُ منكِ ؟
    أُفتِّشُ عنكِ
    وأُرجِعُ للماءِ ورد الأحبةِ
    أعددْتِ لي قهوةً مُرَّةً
    هل ْتعودُ العصافيرُ للماءِ ؟
    هلْ يَتفتَّحُ في الرَّوْضِ زهرُ الغِناءِ ؟
    وهلْ تتفجرُ مملكةُ العشقِِ ..
    بين رِياضِ الجسَدْ ؟
    نحن نعرف شكل من يسير على الرمل، ونعرف شكل البيت المهدم، ونعرف شكل وردة الحب وليل الكمد، ونوشك أن نعرف شكل البوح المحطَّم بصورة واضحة أو شبه واضحة.
    ولكننا لا نعرف كيف ينفتح الصدر، ولا كيف يسكن إنسان داخله، ولا ورد الأحبة، ولا كيفية رجوعه إلى الماء، نحن نعرف كيفية عودة العصافير للشجر أو للعش، ولكننا لا نعرف كنه الرجوع إلى الماء، كذلك لا نعرف ممالك العشق التي تتفتح بين رياض الجسد، ولا ماهية هذه الرياض الجسدية.
    كل ما نعرفه هو شكل وطعم القهوة المرة (من الناحية الظاهرية) أما بقية المشاهد السابقة فهي صور وجدانية باطنية لا يمكن معرفة شكلها إلا من خلال الرؤية البصيرية / العاطفية، أو عين المشاعر أو لغة الأحاسيس، أما أبعادها الظاهرية / البصرية (لغة العين) فهي مجرّد وسيلة للعبور إلى الداخل، إنها موضوعات روحية تنصهر في بوتقة القلب، وتخرج في صورة مماثلة لكيفيّة تكوينها، فكل واحد له ورده الخاص، وقهوته الخاصة، ومملكته الخاصة … إلخ، وكل هذه الخصوصيات تتفاعل مع بعضها البعض في إطار عمومية واحدة هي "الحب"، وعلى كل واحد منّا أن يُحدِّد نوع ورده وعصافيره، وان يتخيَّل كيفية الرجوع إلى الماء، أو كيفية تفجُّر مملكة العشق بين رياض الجسد، وهذا هو الغموض الآسر الذي يُساعد المتلقِّي على أن يُنتج تأويله الخاص الذي "يحدث بمقتضاه امتلاك للمعنى المُضمر في النص من جهة علاقاته الدّاخلية، وكذا علاقاته بالعالم والذات"( ).
    ويشدّ انتباهنا أن هناك قاسماً مشتركاً بين مكوِّنات هذه اللقطة الداخلية، هذا القاسم المشترك هو "الماء".
    الرياض /الورود / القهوة ـ الماء ـ الممالك / الزهر / الصدر
    وعلى الفور يُحيلُنا هذا القاسم / الماء إلى البعد الظاهري للفيلم (الرمل)، فالماء يعني الحياة / الخضرة / السعادة / البهجة، وهذا كله يقع في منطقة الماضي، الزهر / الورد / الرياض / الممالك، وعلى عكس الظمأ / الحر / الموت / المعاناة، وهذا كله يقع في منطقة الحاضر.
    ويستوقفنا السؤال الذي أورده المبدع في بداية الوجه الآخر للفيلم / القصيدة، إنه يعرف الإجابة مسبقاً، فهو يعرف أنها ساكنة في صدره / وجدانه، وكيف يفتش عنها بداخله، وهو يحمل في خارجه وداخله أمتعة البوح والبيت والوردة، إنه هنا يُشير بطريقة ضمنية رائعة إلى أن ما بداخله هو الصدق والخير، أما هي فهي الورد والعصافير والمملكة والعناء، أما السؤال فيرتبط باليأس منها، أي بالسببية في البُعد والفراق، أي أنه يُمثل حلقة وصل بين خارج النص وداخله، وبين النص والعالم، وهنا تتجلّى قدرات المبدع الراقية التي تمكنه من الإشارة للمعنى أو الإيحاء به دون الوقوف عنده؛ "فالسياق لا يشمل من الموقف إلا تلك العناصر التي تُحدِّد بنية النص وتؤدي إلى تفسيره"( ).
    والماء هنا ليس الماء الذي نعرفه، أو هو الماء الذي نعرفه / الحياة، ولكن كيف يعاني الماء بدون ورد الأحبة، وكيف يعاني الماء بدون العصافير، والمفروض أن يحدث العكس، فالماء هو الذي يروي الورود والعصافير، وهنا تتكشف لنا أبعاد صورة ضمنية ممتعة، فكأن الماء الذي بداخل الحبيب قد خُلِق من أجل هذا الورد وهذه العصافير فقط، وأنه يُعاني عندما لا ترتوي منه العصافير أو الورد، أي أنه يمتلك القدرة على التمييز بين أنواع الورود وأنواع العصافير، ووجود ورد الحب قد يعني وجود ورد الكره، كما أن وجود مملكة العشق قد تعني وجود مملكة البغض، وبطبيعة الحال توحي هذه الصورة الضمنية الرائعة بمدى عمق عاطفة الحب ودفء مشاعرها.
    وهكذا تنكشف أبعاد المشهد الداخلي الرائع؛ فالوجدان ماء طهور يعاني بدون ورد الأحبة وعصافير الأمل، ويبحث عنهم أو ينتظرهم، وزهر الغناء ذابل، ومملكة العشق مختنقة، ورياض الجسد جافة منكمشة غير وارفة وغير ندية، وكل هذا يوحي بالجفاف / الجوع / العطش / الموت، من خلال الماء / الحياة / الري، وهذا هو البُعد الظاهري للمشهد بكل إيحاءاته / الرمل، وهكذا يتفاعل البعد الداخلي مع البعد الخارجي تفاعلا تاما، وتحتك الصورة بعضها البعض احتكاكاً صحياً على خطوط تماس المخزون الوجداني الحار في بعض المناطق، والملتهب في المناطق الأخرى، لتكوِّن مشهداً واحداً يدلُّ ظاهره على باطنه والعكس، على ضوء هاجس القصيدة المهيمن على حركتها.
    وإذا كان الحبيب هو البطل في المشهد الخارجي للقطة السينمائية، وإذا كان يُعبِّر عن عن الصدق والخير في حمل البوح / البيت / الوردة، وهو أيضاً البطل على المستوى الداخلي للمشهد وإن تحولت صورته إلى الماء / الخير، أي أن البناء النصِّي قائم على أساس تشكيلي تصوُّري وتصويري باعتبار "الصورة هي أداة الفكر وأداة التعبير عن الواقع المادي والحسي، وأن الصورة المتحركة تُعبِّر عن الفكر والثقافة" ( ).
    وقد اعتمد الشاعر المخرج على حميمية العلاقة بين الأشياء في التقاط المشهد على المستويين : الظاهري والباطني.
    البوح / المحطّم، البيت / المهدّم، السير / الحمل
    الماء / الورد، الجسد / الرياض، العشق / المملكة
    لقد استطاع الشاعر / المخرج أن يلتقط مشهداً واحداً بسيطاً ذا بعدين، ظاهري وباطني، عبّر به عن كل شيء خارج وداخل النص معتمداً في ذلك على تفجير الطاقات اللغوية لخدمة "عين الكاميرا"، فالمفاهيم التي تطرحها السياقات الفنية أو بنية الفيلم ناتجة من رموز لغوية، أي ساندها الفكر الإنساني، وبمعنى آخر هي انعكاس الفكر الإنساني واللغة"( )، وقد نجح نجاحاً باهراً في صناعة ضفيرة لغوية مكوّنة من تيمتين: الأولى صيغة الوصف: البيت المهدّم، البوح المحطّم، والثانية صيغة المضاف إليه: وردة الحب، مملكة العشق، رياض الجسد، زهر الغناء، ووُفِّق في توظيف هذه الضفيرة الدلالية بحيث تتوازى مع المحور السياقي في بعض الأحيان، كالسير على الرمل، أو تتقاطع معه في بعض الأحيان الأخرى بما يخدم المعنى، ولا يترك الفرصة لوجود المسافات الفارغة، فقد أخذ في "عرض مجموعة من الحركات الداخلية بمعادلاتها الرمزية، مركِّزاً في كل حركة على لقطة استبدالية أو مشهد درامي سياقي، وعلى القارئ أن يقوم بدوره في التماس الخيط الناسج لهذا الشتات"( ). فالنص هنا إضاءة للعالم، وإضاءة للنفس.
    الماء ــ ــ الرمل
    الداخل ــ ــ الخارج
    وأعظم مافي هذا النص على الإطلاق هو هذا "القطع السينمائي" في "أعددتِ لي قهوةً مُرَّةً"، بما يمكن أن نُطلق عليه "قطع المسار"، إذ يقف نهر المشاعر / المعاني المتدفِّق عند نقطة معينة، من أجل تجليتها، أو توضيح وإبراز معالمها لما لها من أهمية تبين طبيعة هذه النقطة ذاتها أو عن طبيعة هذا النهر المتسلسل، وكل ما يمكن أن تدور حوله، مثل كيفية سيره، طبيعة نبعه ومصبّه … إلخ، وهذا ما يطلق عليه البعض أحياناً تعبير "الفلاش باك"، إلا أن هذه التسمية لا تصلح لمثل هذه الحالة، كأن تسيطر حادثة ما على المبدع / النص، لما لها من أهمية وعلاقة مباشرة بالموضوع، فتتسبب في وقف نهر الذاكرة، والبروز بالنص إلى الحاضر / الواقع لزمن معين، ثم تسمح له بالمرور في اتجاهه الطبيعي، فقد يكون "على الشاعر أحيانا أن يجعل من قصيدته في ظرف ملتهب جزءاً من فاعلية يومية عامة"( )، "ولكي ينجح في مهمته تلك، لجأ الشاعر لتكريس قصيدته لدورٍ إضافيٍّ عليها أن تؤديه في أرض مجاورة، وهذا الدور لا تكمن قيمته داخل النص بل خارجه، أي خارج الهدف الجمالي والفني للقصيدة"( )، فقيمة هذا "القطع في المسار" تتمثل في حقيقة الأمر في إضافة أرض جديدة للقصيدة، هي أرض الحياة اليومية العامة، دون أن تُلغي قيمته داخل النص من الناحية الفنية أو الجمالية، أي بعدم وجود فجوة داخل النص وخارجه.
    وأجمل ما في هذا الفيلم / القصيدة هو تفجُّر مملكة العشق بين رياض الجسد، إذ يتحوّل الجسد بكل دلالاته المادية واللامادية إلى وطن يزدحم بالحدائق والبساتين الطازجة الناضجة بالحب، والذابلة المتفرّدة بلا حب، بما يوحي بأن الحب هو الفيصل بين الموت والحياة، الرمل / الماء، ومن البديهي أن يرتبط صوت أو حياة الذات بالآخر / العالم، فرياض الجسد تُمثل حالة من حالات الصدق الحقيقي مع النفس ومع العالم، وتفجُّر مملكة العشق يعني انتشار عطاء الحب على الآخر / العالم، أما بقاؤها مكبوتة فيعني العكس للذات وللآخر، ويُشير التجانس والتناغم بين الألفاظ على المستوى الظاهري إلى نفس المعنى.
    اليأس ـ الصدر = الحب ـ العشق
    القهوة / الماء / الورد / العصافير / الروض / المملكة
    وعشق الذات بطريقة صحيحة يعني عشق الآخر / العالم، والذات / الجسد موطن الروح، والعكس صحيح، وحركة الروح داخليا، او حركة الجسد خارجيا تُعطي أقصى طاقات الاستثمار اللغوي لخدمة المعنى، و"استخدام الشعر في الدراما خليق على أية حال بأن يُحقِّق قدراً أكبر من الشعور بالمتعة والاندماج بفضل طبيعة الشعر ذاتها"( ).
    أما ما يؤخذ على هذا النص / الفيلم / الرائع ، فهو تعبير "هلْ يَتفتَّحُ في الرَّوْضِ زهرُ الغِناءِ ؟"وحذفه يكون في صالح القصيدة، لأن مضمونه قد ورد في أكثر من موطن أكثر من مرة، وبطريقة أكثر شاعرية مثل "عودة ورد الأحبة للماء"، أو "تفجُّر مملكة العشق بين رياض الجسد"، هذا بالإضافة إلى أن هذا التعبير من العاديّة التي تصل إلى درجة الاستهلاك اليوميِّ المتكرِّر. والله ولي التوفيق.
    أحمد فرَّاج

  7. #7
    الصورة الرمزية د. سمير العمري المؤسس
    مدير عام الملتقى
    رئيس رابطة الواحة الثقافية

    تاريخ التسجيل : Nov 2002
    الدولة : هنا بينكم
    العمر : 59
    المشاركات : 41,182
    المواضيع : 1126
    الردود : 41182
    المعدل اليومي : 5.26

    افتراضي

    نص جديد بذات الأسلوب الذي عرفناك به أخي الشاعر.

    ولعلني بعد أن قرأت نقد الأخ أحمد فراج الذي قمت بإدراجه وجدتني أقع في إشكالية البحث عن المنطق في ذاتي حين لا أجد ما لا يجد ، وبت أكثر ثقة بأن النقد بقدر ما هو روح الأدب بقدر ما هو قابض روحه.


    تحياتي
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8

المواضيع المتشابهه

  1. عروس (قصة قصيرة جدا، لحسين علي محمد )
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 19
    آخر مشاركة: 12-03-2020, 10:27 PM
  2. قصائد قصيرة، لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 33
    آخر مشاركة: 27-06-2010, 12:01 PM
  3. زينب العسال تقرأ مجموعة «مجنون أحلام» لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 30-01-2007, 05:43 PM
  4. الخوف (قصيدة قصيرة جدا، لحسين علي محمد)
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 16
    آخر مشاركة: 30-01-2007, 05:32 PM
  5. أربع قصص قصيرة جدا، لحسين علي محمد
    بواسطة د. حسين علي محمد في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 29-10-2006, 08:00 PM