سلام اللـه عليك ورحمته وبركاتـه
تحيـة تحرسُها الشّمس
أستاذي الكبير خلقاً وعلماً وأدباً د. مصطفـى،
حينَ كنتُ آوي إلى ركنِ شجرةِ الحرف، لمحتُ الأنينَ مختبئاً خلفَها، يختلسُ إليّ النظر، وكأنّه يريد أن يسترق السمعَ إلى ذاكرتي، ليعرفَ على ماذا أزمعَـتْ، بعدَ الاجتماع الذي ضمّ الأنينَ وحمامةَ البوح والروح المضرّجة بحكاياها ..
كان الصمتُ يقتاتُ منّي، وكانت روحي المضرّجةُ بالبوح، تستنشقُ روحَ ملهمها، حتّى دغدغتْ أنفاسي عطورُ طاقةِ وردٍ، كان يحملها الأنينُ بين يديـه.. تقدّمَ الأنينُ إليّ بخطىً مرتعشة، جلسَ إلى جانبي على الحشيش الأخضر مبتسماً، ثمّ قال لي :
"لاتجعليني أكثر إيماناً بحروفك منكِ "، لقد اقتبستُ جملةَ د. مصطفـى عراقي التي وضعها لكِ على مكتبِ الحرف، حينَ كان جليسَنا، ينصتُ باهتمامٍ لاجتماعنا المبعثَر، وقد كنتِ متكئةً إلى شجر الصنوبر، تحفرين على جذعـه رسائلكِ ..
أعلمُ أنّ حمامةَ البوح منهكـة، وأحياناً يكبّلها الغيابُ أو يقيّدها العصيان، فتركنُ إلى داليةِ الوجع، لتختبئَ بين أوراقها ..
وما إن انتهى الأنينُ من حديثـه، حتّى اقتربَ مني متلعثماً، وقدّم لي طاقة الورد، وهو يرسم على مسافاتِ الصمت -التي جمعتْنا - بسمةً صغرى، ولكنّها أكبر من الغيمـة ..
أخذتُ منه الوردَ، وأغمضتُ عينيّ لُحيْظاتٍ، حتّى أنعمَ بأريجـه الذي حملني إلى أقصى حلـم، وانهملت الحروف من قلبي تترى، فقلتُ لـه :
أحاولُ ومازلتُ، أن أجمعَ أشلائي وأشلاءَ حروفي، كيْ تحلّقَ من جديد، فتحلّق معها روحي المتعبة، إلى أبعد من أرض القمر، وقد تفلحُ أنتَ في ذلك أيها الأنينُ، كما جاءَ على لسان أستاذي مصطفـى ..
سأبحث الليلةَ عن الحارس الذي يحرس خيمةَ حمامة البوح، كيْ أقنعه بالرحيل. قد آنَ لحمامة البوح أن تحلّقَ في سماوات الروح، حتّى وإن عصتْها الحروفُ ذاتَ ألـم، حتّى وإن كنتَ أنتَ أيها الأنينُ، قائدَ سفينتِها الأول، فربّما تنتهي الشمسُ من ترتيب شعرِها، ليكونَ بهاؤها الربّانَ الوحيد ..
فقطْ أسألكِ ياحروفي المتعبـة، أنْ تتحمّليني .. !
------
أستاذي وأحبّتي،
لاأدري حقّاً ما أقول، وقد ألجمَت محبّتكمْ الغالية حروفي ! فقدْ أعطيتموني أكثرَ مما أستحقّ، وغمرتموني بفيْضِ كرمكمْ ومحبّتكمْ. لقد كان القمرُ يُوصِل لي رسائلَكمْ، وكنتُ أبعثُ معـهُ كلما تثاءبت الشّمس، بنجومٍ محمّلـةٍ بامتنانٍ خجول، وعرفانٍ سيظلّ يطوّقني حتى الممات. جزاكمْ ربّي عني خيرَ الجزاء، ورزقكمْ الفردوس الأعلى، وخيريْ الدنيا والآخرة .
لكَ وللأحبّة جميعاً غيماتُ دعاءٍ لا ينضب قطْـرُها، وحدائقُ لا يذبلُ وردُها، وفضاءاتُ تحلّقُ فيها أرواحُ الامتنان دائماً ..
حماكمْ ربّي
خالص تقديري وفائق امتناني
وألف طاقة من الورد والندى