من ذاكرة الحبكان يتكلم بصوته ويخاطب البحر ، بدا صوته مخنوق ، وبدت نبراته وكأنه يتكلم تحت وطأة الم أو خوف من أن بفقد صوته فجأة
وأخذ يردد ، أنت ما تخاف الله .......سبقتها عبارات مرت دون أن يستوعبها البحر -
أو ما علم أنه يخاطب بحر من الحب العميق الذي لا يمكن أن يتخيل عمقه -أو ما علم انه قدر من الله سبحانه وتعالى -
وأن البحر لا يقوى على أي فعل ، ألا من خلال ما يحمله في داخله من رياح الشوق التي تحركه
ويرسلها دون أردته-
ألم يتخيل أن للبحر قدرة معينة على الاحتمال -
كيف ! يتنكر لجمال البحر روحه ؛ حين كان يحتضنه ، ويغرق في وجدنه و حنانه ،
أما يذكر كم قضى من الليالي يناجي عواطفه ، وينتظر الغد أن يشرق عليه ليعانقه ويضمه ويقتل ذلك
الشوق المشتعل في جوانحه-
أو لم يذكر كم استمع البحر لضحكاته وهمساته العذبة -
وكم عاش معه أحلامه ، وتمنى أمنياته ، لكنه نسى كل هذا في لحظة غضب وضعف منه -
وكيف! يضعف وقد روى للبحر عن بطولاته ، حتى أن البحر تخيله أخر فارسً بقى من زمن الفرسان-
وأخر شاعر، ما زالا يكتب بنبض القلب، وأخر عربي ، مازالا يحمل وجهه تلك الملامح العربية التي أحبها البحر كثيرا -
كان يعكس صورته على موج البحر- فيتغزل البحر في نظرات عيناه الهادئة - وجبينه الوضاح ،
وهامته العالية ، وكم تمنى موج البحر أن يقبل قدميه-
وها هو البحر ، قد تراجع موجه ، وهو يحمل كل الأسى ، وكم يتمنى البحر أن يجف ، ويتلاشي
كما تلاشت كل تلك الصور ، من ذاكرة الحب .