حريتي
حريتي، قد حافظت عليك كثيرا، مثل لؤلؤة نادرة، مثل زهرة تفوح بعطرها على خافق أضلعي، فيتنسم بعطرها شذى العبير. لطالما ساعدتني في فسخ الحبال القوية، والذهاب إلى أي مكان، إلى أبعد المنتهى في طريق الغنى الروحي لجني ورود الرياح من على شعاع القمر.. خضعتُ كثيرا لصلابتكِ، وأعطيتكِ كل ما أملكه، حتى آخر قميص فوق ظهري؛ وكم تألمتُ لأُرضي جميع احتياجاتكِ : غيرت محيطي واستبدلت كل ما هو روتيني لا تدب فيه نبضات الحياة البسيطة كيما أحافظ على ثقتكِ..
معكِ كنت أحافظ على كل عاداتي البريئة، البسيطة والغير مستحبة في عيون ذوي العقول المصطنعة.. أنتِ من جعلتني أحب وحدتي، أنتِ من جعلتني أضحك حينما أقف لتوديع معارفي في الجهة الأخرى من طريق الحياة. ولطالما كنتِ حضن حنان أندسّ بين ثنايا عطفه كيما أقتلع شوك الظروف وأداوي جراح الزمن..
سامحيني.. فرغم كل ما قلته في حقكِ الآن، علي أن أعترف لكِ أيضا أني قد خنتكِ. نعم خنتكِ يوم غادرت الدروب المنفردة التي نتمشى فيها معا، وتمشيت دونكِ، بغير احتراس، مربوطة اليدين والرجلين. نعم خنتكِ يوم استبدلت حديقتنا بسجن حب كان السجان فيه لا يعرف أني لا أستطيع العيش دونكِ..
سامحيني فقد عرفت قدركِ؛ لم تتخلي يوما عن صحبتي، وأجدك حاضرة متى احتجتكِ، ولم أجد الصدق وثبات الخطى في تطبيق المبادئ وتحقيق الأماني البريئة إلاّ معكِ.. وكنتُ، متى عاكستنا الظروف في تحقيق أمانينا، أجدكِ تنظرين لي بعينيك الضاحكتين وفي يديكِ سوار من أملٍ تزينين به قلبي كيما يرفع دعاءه الروحي نحو خالقه. فعودي بنا إلى حديقتنا الوارفة الظلال؛ نلتهم كتباً، ونشرب من كأس معانيها، ونزرع بذوراً نوزع زهراتها على كل المارين في طريقنا؛ ونوصيهم، بعد أن نقرأهم السلام، بأن لا ينسوا حريتهم متى ضاقت بهم سجون الحياة..