الأقنعة الإنسانية
في حياتنا المبعثرة اليوم، وبكل أشكالها، ليس سهلا أن تكون كما أنت. بمعنى آخر، ليس سهلا أن تظهر للآخرين وكأنك كتاب مفتوح، وتترك لهم حرية اكتشاف ما بين صفحاته عما يريدون معرفته عنك..
غالبا ما تجبرنا ظروف الحياة أن نخبأ وجهنا الحقيقي وراء قناع، بحيث يكون لدينا الشعور بأن كل ما بداخلنا : من مشاعر، نقاء نظرة، إشارة حب نعبر بها عن طيبتنا، حنان، لطف، رقة، حساسية والكثير الكثير من الأحاسيس الإنسانية.. كل هذا غالبا ما نعتبره ضعفا يجب أن لا نظهره كيما نحافظ على قوة شخصيتنا، إلى الحد الذي يشعرنا بالذنب إذا ما تركنا لطبيعتنا أن تظهر على طيبتها وسذاجتها وميلها للطفولة مهما بلغ بنا الكبر عتيا. ولنحمي أنفسنا من كل هذا، نتخذ أقنعة إنسانية وبأشكال مختلفة عما نحن عليه حقيقة. وهكذا نتظاهر أحيانا كثيرا وكأننا فعلا : أقوياء، صلبي المراس، شرسين إذا ما اقتضى الأمر منا ذلك، ساخرين أو غير مهتمين، مما يضمن لنا عدم التحرج بإثارة مظاهر السخرية من حولنا. وغالبا أيضا ما نتعامل هكذا تسهيلا للآخرين في معرفتهم لنا بإيجاز أو سطحيا، وفي أن يقبلونا دون تعقيدات تذكر..
الأهم من هذا هو أن اختيار وضع قناع فوق الوجه الحقيقي لن يخدم علاقة الإنسان بتاتا مع محيطه أو مع الآخرين، الذين قد يكونوا هم أيضا مختبئين في أقنعة إنسانية للتعايش السهل أو السطحي..
في أوضاعنا المزرية هذه، ومع كثرة الأقنعة الموضوعة حول إنسانيتنا المسلمة، قد يجد الطفل الصغير أو الشاب الناشئ صعوبة كبيرة في التقرب من عالمنا الذي - من خلال شكله الخارجي - قد يخوفه إلى حالة الذعر أحيانا. وهكذا سيتخذ لنفسه طريقة أخرى للتعايش وبقناع إنساني مغاير تماما..
فهل إخفاء ما نملكه من صفات إنسانية، واستماتتنا في الظهور بمظاهر لسنا عليها حقيقة أحسن من ترك طبيعتنا تظهر للملأ بكل ما فيها من محاسن أو عيوب..؟؟ وللناس الأحسن منا صنيعا أجر تغيير ما بنا من نقائص، وتزكية ما بنا من محاسن، في إطار مصلحة الفرد أولا والمجتمع ثانيا..
كما يمكننا القول أنه يوجد وراء العديد من أقنعتنا الملونة الكثير الكثير من القلوب الإنسانية الطبيعية والحقيقية والتي تنبض بالحياة.. وأنه بالنسبة للأفراد الخجلون منا، والحساسون زيادة عن اللزوم، فأقنعتهم يمكنها أن تفيدهم إلى حين يفهمون بأن جمال الإنسان الحقيقي هو أن يتوقف عن التخوف، وأن يترك إنسانيته تعيش الحياة القصيرة بكل طبيعية..
قد يكون هذا من أمانينا الصعبة التحقيق، لكن لا شيء مستحيل على أناس فيهم من دم العروبة نصيب ومن روح الإسلام أنصب كثيرة..