ولكن الدموع جفت
جالسا في مقعده يملأ الضجيج أذنه يوزع ابتساماته علي الجميع ويتلقي التهاني بإيماءت من رأسه ثم يلتفت إلي زوجته الجالسة علي يساره فتلتقي عيونهما فيغوص فيهما إلي تلك العوالم التي ظن أنه نسيها منذ ان عرفها
ـ هل تحبيني يا آية
ـ وهل تعرف معني الحب أنت لم تتجاوز الحادية عشر
يشعر بالضيق يملأ صدره ولكنه يميل عليها ويهمس في أذنها برقة
ـ غدا تفهمين
ـ ولكني لا أريد أن أفهم
تنقض عليه صاعقة تزلزل كيانه قبل أن تكمل هي في دلال
ـ يكفيني ما أشعر به تجاهك
تعود الفرحة لتأخذه في أحضانها وتهتز الأشجار فيبدو حفيفها في أذنه كأنه زغرودة طويلة ، زغرودة تعيده إلي عالمه وإلي عروسه الجالسة بجانبه تدرك ما كان فيه فتشيح بوجهها إلي الجانب الآخر، ويلتفت هو إلي صديق عمره القادم نحوه فاتحا ذراعيه متأهبا لاحتضانه ، يقول له "أخيرا فعلتها يا وليد من كان يصدق هذا " لا يرد عليه يكتفي بالبسمة التي تملأ وجهه ويلتفت إلي عروسه ثانية وتأتي أخته لتقتحم الصورة وتحتضن العروس ثم تطلق زغرودة طويلة تقول بعدها " والله إن عروسك لآية في الجمال يا وليد " تصدمه الكلمة فيجلس علي كرسيه ثانية تسهم نظراته وتمتد يد عروسه نحوه محاولةََ أن تنتشله قبل أن يغوص إلي عوالمه ثانية ولكن هيهات
_ أمي أمي أين آية ابنة عمي ؟
ـ إنها تلعب في الخارج يا وليد
يسرع خارجا إليها يراها تترك مجموعة من الأطفال وهي غاضبة يذهب إليها بعد ان انتحت ركنا بعيدا يسألها في حنان
ـ ما بك
ـ إنهم لا يفهمونني
ـ لا تلوميهم أنهم أصغر منك
ـ ولكني أصغر منك بسنتين ومع ذلك أفهمك
ـ ومن قال انك تفهميني بعقلك
تعجبها الكلمة فترن ضحكتها في المكان وتنهض لتجري في سعادة ومن بعيد ترقبه امها وزوجة عمهما فيلتفتان إلي بعضهما ويعقدان اتفاقا صامتا .
" هل تحبني " تهمس إليه عروسه بتلك الكلمة فيرنو إليها بحب ويجيب " لو لم أحبك لما كنت جالسة بجواري الآن " تنظر إلي الأمام وتقول " ولكن قلبك مازال يحتوي علي تلك الندبة " يمد يده ويدير وجهها ناحيته " إن نظرة واحدة من عينيك لقادرة علي ان تذيب قلبي بأكمله ".
تنظر إليه مكذبة فيدرك أنها صادقة فيغض طرفه ويهرب مرة أخري إلي ذكرياته .
يراها تجري أمامه تقفز في سعادة تقول : ما اجمل الصحة بعد المرض
ينظر إليها بغضب وينهرها بقوة
ـ لقد امرتك ألا تذكري فترة مرضك ثانية
تعود إليه وتنظر إليه با متنان
ـ حسنا لن أفعل ولكن اجعلني أنا أشتري الآيس كريم هذه المرة
_ لا انا الرجل وسأدفع أنا
ـ إذن فسأسبقك إلي هناك
ثم تندفع بقوة دون أن تري السيارة المندفعة ،لم يرَ وليد شيئا ، أهذا الذي طار في الهواء جسد آية ؟لا يصدق ، يسمع السائق وهو يتلعثم ويقول :إنها هي ... هي التي اندفعت أمامي فجأة ، أصبح العالم كله كبقعة حمراء ،هوي وليد علي ركبتيه وسقط المال من يده، أتلك المسجية علي الأرض هي آية ؟ لا يمكن ، يحملها أخوه الأكبر بين يديه ويمر من جواره ، يكاد يفقد وعيه ولكن صرخة تنبعث من البيت تعيده إلي رشده " آآآآآآآآآآية ابنتي لا تتركيني " ينهض بسرعة ويندفع إلي البيت يري الدموع تملأ عيون الجميع ويسمع الصرخات ، لماذا تبكون ؟ آية لن ترحل لا يمكن أن ترحل ،الحياة ليست بهذه القسوة ، يذهب إلي غرفتها يري أمها منحنية عليها وصرخاتها ما تزال تدوي ، يتجاهل الجميع ويذهب إلي حبيبته النائمة يروعه منظرها ولكنه يتجلد ويهز يدها لكي يوقظها "هي يا آية سنذهب لنشتري الآيس كريم هيا يا آية سأجعلك أنت من تدفعين المال للبائع هيا يا آية" ولكنها لاتستجيب ويأتي أهله ليأخذونه بعيدجا عنها ولكنه يصرخ ويقاومهم يسمع من يأمرهم بإبعاده إلي خارج الغرفة ، ويدخل عمه إلي المنزل ويأمر الجميع بعدم الصراخ ثم يدخل إلي ابنته وتنسال الدموع من عينيه لتغرق لحيته : رباه حتي أنت يا عماه تبكي هل حقا ما حدث قد حدث ؟ هل هذا حقيقة ؟ هل ماتت آية ؟ لا يدري هل لفوها في كفن أبيض ؟ هل صلوا عليها وذهبوا وراءها إلي المقابر ؟ هل كانت تلك صرخاته التي ملئت المقابر ؟ كم ظل يبكي عليها ؟ أسبوع .. شهر .. عام .. اثنان ... خمسة ... عشرة حقا لايدري
تنبهه زوجته بعدما لمحت تلك الدمعة الهاربة من عينه وتشير إلي أبيه وأمه وعمه الذين يبتسمون وتقول له "انظر إنها نفس الوجوه الباكية منذ عشرين عاما" فيتنهد ويقول " نعم ولكن الدموع جفت "
تمت بحمد الله