|
صناعة الفرعون
( 1 )
(آفة العرب الرئاسة) ابن خلدون
للقلوب أمراض منفردة تصيب في أحد منها أو بعضها قلب الإنسان , ولكن أن تكون هناك صفة واحدة تجمع كل هذه الأمراض في قلب من يتصف بها فتلك الآفة الكبرى.
ومن هذه الأمراض المنفردة هي الحسد والأنانية , والكبر (وهو آفة قلبية جامعة لعد آفات أخرى منها غمط الحق وبطر النعمة) , والكذب والتدليس , والنفاق , وحب المدح والعجب والفخر والزهو والخيلاء, وقسوة القلب , والشك , والقلق , والكراهية. وهي آفات حذر الله عباده منها في إمكانية أن يمسهم العذاب بسببها,حيث قال جل شأنه مستثنيا من عقابه: ( إلا من أتى الله بقلب سليم).
وواجب الإنسان في هذه الحياة ,إنما يتمثل ببساطة في تربية نفسه ,كي يطهر قلبه من هذه الآفات.وتربية الذات عمل مستمر وواجب شاق لا يهدأ ولا يفتر ولا يجب أن يتوقف.
فالأمر لا يقف عند حصولنا على أعلى الشهادات والمراتب الاجتماعية , كي نقول بأننا مهذبون أو متطورون,أو متحضرون , فمعظمنا للأسف لا يدري وهو يبدو كالشجرة البرية الغير مشذبة والمليئة بالأفاعي والزواحف والحشرات والهوام . فكم منا من يحوي قلبه العديد من هذه الآفات وهو لا يدري , أو ربما يدري.
وما أثارني دهشة وفزعا حينما كنت أقرأ في هذا الموضوع, هو اكتشافي أن صفة ( حب الزعامة وعشق الرئاسة ) تجمع كل أمراض وآفات القلوب جميعا في قلب من يتصف بها!
الأمر الذي قادني إلى السؤال التالي :
من هو مشروع الفرعون؟
ووجدت أن من يحب الزعامة ويعشق الرئاسة تترسم فيه كل آفات القلوب دفعة واحدة وتشكل شخصيته على النحو التالي:
1- الكبر : وغمط الحق ولو كان كالشمس الساطعة لا لشيء إلا لأنه لم يتفق مع هواه .
وعدم قبوله للنقد , فكيف ينتقد عيوبه أحد وهو الزعيم الأوحد والبحر الكامل في كل فن والمذهب الإبريز في كل علم.
2- النرجسية وعبادة الذات وتضخمها , والعجب بالرأي ,وغمط أراء الناس ولو كانت صحيحة , والإصرار على رأيه ولو أودي بالأمة والبشر والشجر والحجر , إلى موارد التهلكة.
3- الحسد : وكراهية أن يكون لأحد غيره قوة أو رأيا أو علما أو عقلا , وكأنه يريد أن يمحو عقول الناس من حوله . وقد يدفعه حسده إلى ارتكاب جريمة القتل تحت باب الإقٌصاء والبتر للمخالفين أو الموهوبين وأصحاب الكلمة . ولا يقبل في حاشيته بغير الضعفاء والمتهافتين وأصحاب المصالح الدنيئة كي يمكنه التحكم فيهم بسهولة.
4- الكذب : لكي يحافظ على هيبته أمام عباده ومعجبيه يجب أن يخدع ويكذب مدعيا لنفسه قدرات فوق طاقته البشرية.
5- النفاق : تراه يضحك في وجوه الناس وربما يحمل في قلبه لهم الغيظ وعدم الثقة والاستهتار بهم والاستخفاف بأقدارهم لعلمه بتفاهتهم وتهافتهم على مصالحهم وإهدار كرامتهم تحت قدميه.كما أنه لا يقرب إليه سوى المنافقين والمطبلين والمبخرين في مواكب المدح ومواسم عبادة الزعيم, وطقوس الولاء والبراء.وسيطرة الشك على قلبه.والقلق في نفسه من وجود منافسين أو أعداء متخيلين!!
6- الخداع والتدليس والتبرير : وتلبيس الحق بالباطل, والكيل بمكاييل عدة , ولي الحقائق عند وجود مصلحته الخاصة التي تدعم فكرة الصنم في عقول الآخرين.
7- الظلم : يدخل بكل هذه الصفات السابقة في ظلم الناس وأكل حقوقهم بالباطل تحت مسميات السلامة العامة ومصلحة العمل والوطن والمواطن.
8- كراهية الحق والضيق به : لأنه واضح باتر كالسيف . يعريه ويفضحه ويبتر شره.ويبين زيف أسلوبه في الحكم بالأهواء.
9- اهتزاز إيمانه بالله وتشوش فكرته عن قدرة الله , وذلك لوجود ( ران – صدأ وسواد ) هذه الآفات على قلبه.
10- .والمرحلة أعلاه هي سابقة للخطوة الأخيرة ( تأليه ذاته) وتحدي الله سبحانه. هذه صفات الفرعون , وهي صفات قد نجدها كلها أوبعضا منها في شخصيات من حولنا , قد تختفي وتظهر وفقا للمحيط الاجتماعي الذي تحتويه هذه الشخصية . ولكنها تبدو واضحة وصارخة في الرئاسات كلها أعلاها وأدناها, وعند معظم من ولاه الله أمرا من أمور الناس , إلا من رحم ربي.
اللهم إنا نعوذ بك من حب الزعامة.
وأعنا أن نهذب قلوبنا ونطهرها من آفات ربما لا نعلم بوجودها داخلنا , فاهدنا إليها. آمين.
وإلى الحلقة القادمة إن شاء الله.
كيف يـُصنع الفرعون؟
. |
|