أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: حرب التحرير

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي حرب التحرير

    حرب التحرير


    كان لي صديق، حاد الذكاء، عميق التجربة، قضى في سجون الاحتلال عقدين من الزمن، وزعها بين العذاب والزنازين، وبين الأسى والشوق والاشتياق، لكنه ظل شامخا، صامدا، مستقيم الظهر، مرفوع الهامة.

    ينظر إلى العالم والأحداث، بعينين لامعتين، ترسلان بريقا يشي بعمق النظرة وحدة الفكرة، قليل الكلام، كثير التأمل والاستغراق، وحين يسأل عن فكرة بسيطة، لا تحتاج إلى تفكير أو تمهل، ينتظر قليلا، يتأنى، وكأنه يقلب الفكرة من مكان إلى مكان، ومن حد إلى حد، ومن موقع إلى موقع، فيدخل إلى روعك، بأنه يستنهض إجابة من عالم خاص، غائر في العمق، سحيق المسافة، وحين يجيب، تدهشك الكلمات المعدودة التي تخرج لتزيد الواضح غموضا، ولتلبس المعهود أردية من زمن غير معهود.

    التقيته بعد معاهدة أوسلو، وكنت أتمنى لقائه، لأساله عن رأيه فيما حصل، وعن التحول الذي تحولته منظمة التحرير، وعن الميثاق، وعن سنوات السجن التي دفعها من عمره، في الزنازين وفي العذاب.

    وسألته، نظر الي بعينه، وهو يطبع على وجهه ابتسامة موزعة بين الدهاء والسخرية والمكر، لكنه على غير عادته، انتقل للجواب دون الدخول بحالة التأمل، وكأنه كان ينتظر السؤال، لكنه أصر أولا على سماع رأيي في الموضوع.

    قلت: نحن الآن كمن يسير في حقل من الألغام، لا يعرف تماما أين يضع قدمه، ولا يعرف بعد الخطوة التي نجا منها، ماذا ستحمل الخطوة التالية من خطر وموت، فهو موزع بين العجز والموت والخوف والتوقع.

    وفي داخله تتدافع الأشياء وتصطدم، تتصارع وترتطم، فلا هو بالقادر ولا هو بالعالم، كل ما فيه يقود نحو التمزق والتلاشي والانهيار، لكن لحظة الانهيار ذاتها تأبى أن تطل برأسها لتنهي المأساة، ولتوقف كل النوازع المبهمة والغريبة.

    نظر إلي بتمعن، وأرسل من شفتيه بسمة من لم يصل تصويري إلى ما كان يتمنى من جواب، واخرج زفيرا حادا، يجرح النفس والعقل، وقال:-

    أتدري، أنا نادم على كل قطرة عرق نزفتها وأنا في السجون، نادم على الألم والعذاب الذي قاسيته من اجل فكرة كنت على استعداد أن ادفع عمري وعمر أهلي من اجلها، نادم على تلك السنوات التي حملتني على راحة زمن محشو بالبطولة والرجولة الوهمية، حيث كنت اعتقد بأنني اصنع تاريخا لزمن عشته بالتصور والحلم وكأنه الحقيقة.

    قلت :- وهو كذلك.
    قال :- أما زلت تعيش الوهم والحلم؟ أما زلت تطلب من الخديعة أن تتحول إلى حقيقة، ومن الخيال أن يصبح واقعا ملموسا، وكأنك في عالم من الزمن المخطوف من الحقيقة.
    قلت :- لم أعهدك بمثل هذا التشاؤم من قبل؟
    قال :- التشاؤم لفظ نطلقه نحن على عجزنا حين نود أن نخفي تقصيرنا وشللنا وكساحنا، أرأيت لو انك سألت أحدا فقد عينيه في لحظة ما، كيف يرى الكون والحياة، بماذا سيجيبك؟ بأنه يرى السواد والعتمة والظلمة، ليس من خلال عينيه فقط، بل ومن خلال قلبه وروحه، بماذا ستصفه؟ بالمتشائم، ولكن هل تملك أنت الحق بوصمه بتلك الصفة، وأنت ترى الربيع المتفجر، وزرقة السماء والبحر، وترى بسمة الأطفال وفرحة الأعياد المرتسمة على محياهم.

    نحن يا صديقي لا نملك من أمرنا سوى التشدق بالألفاظ الناعمة، بالصور الجميلة، حين نكون بعيدين عن المأساة، عن الكارثة، ولكن حين يصل لسانها إلى طرفنا، نتحول وبسرعة الضوء، إلى عجز وتشاؤم لم يصله من فقد عينيه في لحظة زمن هائل.

    قلت :- ألهذا الحد تشعر بالغصة؟
    قال :- ألهذا الحد لا تشعر بالغصة؟
    قلت :- ولكنك أزحت سؤالي الأول عن مساره، وطلبت مني الإجابة، فأجبت، ولكنك لم تخبرني كيف ترى الأمور بعد معاهدة أوسلو؟
    قال :- كنا سابقا، كمن جلس أمام شاشة الرائي، وهو مشدود الأعصاب، مستنفر العزيمة والحواس، فالفلم حربي من بدايته، تدور أحداثه تحت سماء القصف والرصاص والموت والشهداء، مجموعة تلتف من هنا، ومجموعة تلتف من هناك، والرصاص المزروع بالأفاق الممتدة يومض ببريق زمن قادم، والدماء المسفوحة تندفع بقوة إلى أعماق الأرض والتراب، تبحث عن الجذور وعن التاريخ، وعن الأرواح التي هبطت قبلها إلى خفقات الشجر ووجيب الورود، تنتقل إلى مشهد يقترب من النصر، لكنه ينحرف قليلا نحو الخلف، ليعاود الكرة من جديد.

    تتلاحق المشاهد، تتكدس في الذاكرة والإحساس والشعور، تمتلئ بالتوتر المحبوب، بالترقب المشدود للنهاية، تتدافع المشاهد، تتوالد من رحم البطولة والتضحية، تشعر بالعزة، بالفخار، فالموت من اجل الوطن، من اجل الحرية، من اجل الأطفال القابعين برحم الغيب، لا يؤثر في النفس، إلا كتأثير الماء باستنهاض الحياة من الموت.

    هنا معركة، وهناك معركة، وبين المعركة والمعركة معركة أخرى، ترسمها الأمهات الصابرات المرابطات، يصنعها التاريخ المروى بدماء الشهداء، يصنعها الانبثاق القادم من رحم عزائم وإصرار لا ينضب.

    وفجأة، تضربك الصاعقة، تلفك بأعماقها، حين تجد أن الفلم تحول من فلم حربي، إلى فلم جنسي، زنا وشذوذ وتأوهات، انحطاط وقذارة.

    نحن يا صديقي كنا نعيش حالة الوهم في المشاهد الحربية، وحين أفقنا من حالة الوهم وجدنا أنفسنا على شراع الحقيقة، فرفضنا أن نعترف بان تاريخنا يغص بالزنا، نحن نزني ويزنى فينا، نعم، نحن نزني ويزنى فينا.

    لم أتمنى يوما أن اكتب ما قاله صديقي عن قضيتنا، القضية الفلسطينية التي أرقت ولا زالت تؤرق العالم، بشتى الطرق ومختلف الأساليب.

    ولكن بعد أحداث غزة، والتي لم تفاجئني أبدا، وإنما فقط أعادتني إلى دائرة الإحباط التي أحيا بداخلها أصلا، وجدت نفسي مدفوعا للكتابة، مدفوعا للتساؤل، التساؤل الحقيقي، عن ماهية تكويننا ؟ عن ماهية إدراكنا ؟ عن ماهية أهدافنا ؟

    هل نحن الشعب الذي نتمنى أن نكون ؟ هل نحن حقا أحفاد موسى الخالص، وعز الدين القسام، وعبد القادر الحسيني؟ هل نحن أحفاد اؤلئك الناس الذين اقتلعوا من جذورهم وظلوا يحملون حلم العودة مع مفاتيح بيوتهم المندثرة ؟

    فتح تسفك دماء حماس، وحماس تسفك دماء فتح، وكتائب القسام تقتل أبناء كتائب الأقصى، وكتائب الأقصى تقتل أبناء كتائب القسام، والطائرات والمدافع الصهيونية تستهدف الجميع من آباء الشعب الفلسطيني.

    والأمهات يندبن أبناءهن، والآباء تدور الحيرة ويدور الذهول بتكوينهم، وفتح تفرد رجالاتها على الفضائيات لاتهام حماس بالخيانة، وحماس تتهم فتح بالخيانة، والجثث تتساقط، والأشلاء تتناثر.

    والناس ، كل الناس ، موزعين بين الثأر والخوف والرعب ، وبين العجز والفاقة، وبين العوز والفقر.

    ومن كان بالأمس بطلا مقاوما، تحول اليوم إلى منتقما مطالبا بالثأر.

    أفلا يحق لنا أن نعود إلى الصديق لنردد معه، بأننا شعب يزني بذاته ويزنى فيه؟


    مأمون احمد مصطفى
    فلسطين – مخيم طول كرم
    النرويج – 16 – 06 - 2007

  2. #2
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : May 2006
    المشاركات : 357
    المواضيع : 1
    الردود : 357
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    لم نعد نعرف ماذا نقول فالوهم طال كل شيء

    لااحد يدافع عن فلسطين

    الكل يدافع عن اسمه فقط


    تحياتي

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    العزيز مأمون ...
    رب من كلمة هنا تقلل من قيمة النص، ورب من كلمة لاتضيف اليه شيئا، لانه كفى ووفى كما يقال عند الكمال والعطاء الذي لايرجى من بعده عطاء.
    لقد غصت في عمق المشكلة، وطرحت انت وصديقك اسس الواقع المُرّ الذي نحن نشاهده من على شاشات التلفاز وانتما معنا، واهلك واهلنا هناك يعيشونه حيا دون صور وتعقيدات العصر.
    هل نضيف شيئا، ربما فقط نقول بان الثورة كانت في البدء تأكل ابنائها، واليوم نرى بأن الثورة، والانتفاضة، والحجارة، والقيم والمبادئ، والشعارات، والقضية، والتضحيات، والشهداء، والمعتقلات، والمبعدين..و..و...كل ذلك لم يكن منذ البدء سوى اكذوبة، ووهم، ذبح الالاف من ابناء هذا الشعب من اجله، استباح العدو اجشادهم ودمائهم، من اجل اكذوبة، تناثرت اشلائهم من اجل اكذوبة، الا وهي اكذوبة المقاومة، والتحرير..!
    أي شيء يمكن ان يمثل الحق في نظر الاجيال القادمة، تباً لها من اجيال لن تعرف الهدوء، ولا المحبة، لن تعرف غير الحقد والكراهية، لا..حقد العدو المغتصب وكراهيته، انما حقد ابن وطنه الذي قتل اخاه في معركة سافرة، من اجل مصالح وكراسي لعين، من اجل غباء معلن وصريح.
    الصورة تتلاشى ، وهي في الاصل كانت واهية، الحقائق تظهر جليا، وهي في البدء كانت واضحة، القيم وضعت على المحك، وهي في التكوين كانت غبية.
    ربما تطاولت في الكلمة، لكن صدقا لن تصل الكلمة مداها عندما تلامس الزيف ، الذي كان طوال هذه المدة عنوان الحياة السياسية في فلسطين، رب قائل ليس الكل، ولكن من هم الكل، اذا من تبنوا طوال سنوات اسم الدفاع عنها، هم الان اسلحتهم موجهة لرقاب بعضهم، والعدو يحصدهم الاثنان معا، وهم مصرون على توجيه البنادق نحو رقاب ابناء وطنهم متجاهلين رصد وحصد الرقاب من العدو، فان الكل مشارك ولاسبيل لاستثناء احد.
    انه التاريخ ايها العزيز..اليوم سجل معركة اخرى بين الاخوة الاعداء، وكرس المصطلح البوشي ليكون ذا قيمة، وذا مدلول هام في الشرق بكامله، وكأنه كان يعرفنا اكثر من كنا نعرف بعضنا، كأنه كان قد كشف له الغطاء من قبل.
    العزيز مأمون..
    مع ان الجرح متشابه، ومن صميم القضية، لكن قلوبنا مه اهاليكم، وليس مع مجاهديكم(فتح وحماس) نعم قلوبنا مع الابرياء الذين ذهبوا ضحية غباء هولاء.
    في نصوص الفجيعة لجمال فوغالي همسة اتمنى ان لااغرس فيك المزيد من الحزن لذكرها:
    ندخل الحروف متوضئين كيما نقول الصدق، كيما ندخل الوطن، كيما نستعد استعدادنا لنتحلل في تربته المشتهاة المباركة، حبرا ودما، سيان، كيما تمطر السماء غيثا وتحنانا، تنبت الرياحين، يتعرش الاخضرار يعانق الشاهدة،يطل قوس قزح،عرس الالوان البهي، يجيء الاطفال ملائكة الارض عصافير للضحك، يعود الشهداء، يقف المغتالون من دمائهم، :دمي حرام . دمي حرام . وما يحل لكم ان تتقاتلوا علي .فالله الله . الله الله في دمي . في دمي".
    لك مني كل الحب
    جوتيار

  4. #4
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    العزيز جوتيار:-

    لا لم تخرج هن طورك، فكل حرف كتبته هنا هو الصدق بعينه، نعم كان بوش يعرفنا اكثر مما نعرف انفسنا، وكان الاستعمار اقدر منا على الوصول الى اهدافه، وكنا نحن من الغباء الى درجة اننا امنا يوما بان الدم المسفوح منذ اندلاع المنظمة انما هو نور التحرير، لكننا اليوم ان الوهم والاكذوبة كانت هي المسيطرة علينا.

    لك الحق كل الحق في التبرؤ من من " مجاهدينا " ولك الحق كل الحق في الانتماء الى الابرياء، لانهم ما تبقى من قدرة ترفع الخزي والعار عن تاريخ نكتبه بدملئنا المسفوحة برصاصنا.

    مع كل المودة والتقدير

  5. #5
    الصورة الرمزية ليال قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Apr 2003
    المشاركات : 982
    المواضيع : 35
    الردود : 982
    المعدل اليومي : 0.13

    افتراضي

    وماذا عن المقولة القديمة " أن الإنسان قضية" !!

    لماذا يسود إنطباع هنا بأن ما يحدث جديد علينا!؟
    وكأننا نتعامل مع الأمر كالصفعة الأولى في حين أننا كنا دائما نعيش استفاقة مابين الصفعات!!
    حين نستعرض - لنقل على الأقل- الثلاثين عاما الماضية كانت الأمور كلها تسير على هذا النحو نتلقى الصفعة ..نترنح قليلا قبل أن نتهاوى ثم نستفيق مستندين إلى قضية كأننا قابلناها صدفة أومبدأ وصلنا بالبريد المستعجل وبالكاد ما أن تنتنصب قاماتنا بعض الشيء حتى نتلقى الصفعة الثانية ..وهكذا
    كان بودي لو أنني استطيع القول بأن المقال مؤلم لكن الأمر صار ابعد من حدود الألم والفجيعة ...وحتى الغضب.

    كن بخير
    .

  6. #6
    أديبة
    تاريخ التسجيل : Jul 2003
    المشاركات : 5,436
    المواضيع : 115
    الردود : 5436
    المعدل اليومي : 0.72

    افتراضي

    أخي الفاضل
    أحيانا تدفعنا فكرة النص بعيداً عن الأدب و الأداة و الأسلوب و القالب إلى ما وراء الكلمات من حياة ، فاعذرني لو تجاوزت كل سبل النقد إلى الفكرة لا غيرها .

    أؤمن حقاً أن الصورة خلف النافذة تختلف عنها على أرض الواقع و الحقيقة ، فلا أجدني أملك الحق في الحكم على أحد - أمذنب هو أم محق - و أنا هنا في سجن الغربة و بعيداً عن هؤلاء ، و لكني تعلمت من التاريخ الطويل أن التشرذم لن يطول و أنه لابد من يد تجمع الأعواد لتكوين رزمة تضرب بقوة جسد العدو .. ذلك أني أؤمن إيماناً عميقاً أن الانتصار على المحتل آت لا محالة ، و ما يحدث الآن إرهاصات حتى تتكون تلك الرزمة .. لن أفقد إيماني كما فعل صاحبك ، و لكنه العمر بالغنا نهاية المطاف أم قصر بنا .

    ستتغير الأحوال حتماً و سنرى ذلك ، و لعل الله يعجل .

    تقديري لك .

المواضيع المتشابهه

  1. الفريق سعد الدين الشازلي مهندس حرب التحرير 1973
    بواسطة خالد الهواري في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 17-10-2010, 10:21 AM
  2. خطوة على طريق التحرير: إنها البداية
    بواسطة د. سعادة خليل في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 21-08-2005, 10:10 PM
  3. حزب التحرير
    بواسطة مخلب سيف في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 10
    آخر مشاركة: 12-03-2005, 02:41 PM
  4. منظمة التحرير والغوص في وحل أوسلو / رسالة لليسار الفلسطيني
    بواسطة مهند صلاحات في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 07-12-2004, 10:02 PM
  5. أحمد ياسين.. صانع جيل التحرير
    بواسطة نبيل شبيب في المنتدى الحِوَارُ الإِسْلامِي
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 22-03-2004, 01:01 PM