صمت الأفكار يلهمني موسيقى الإحساس, وعتمة الحزن تخلق في نفسي الاشتياق إلى الحواس, مهما تعاكست الرغبات وتجادلت التفسيرات, تبقى النهاية كفيلة بفضّ النزاع, سواء بالسلم أو الحرب, تموت القصيدة قصاصاً أو شهادة, وتولد الذكرى مخزية أو مشرقة.
وقبل كل شيء, وبعد كل شيء, أنا وأنت , لابدّ أن نلتقي, لقاء الهاربين أو المنتصرين, لاتهمّ التسمية, ما يهمّ هو أننا لن ننتهي, وهذا يعني أننا لن نبدأ من حيث انتهينا, وبما أننا لم نتعارف من قبل, دعنا نلغي حاجز الذكرى المقيت, واسمح لي أن أناديك مثل ما أحب أن تناديني.
وبما أننا لم نلتق من قبل, دع عنك الأفكار المسبقة, وحلاوة القصائد المذكّرة أو المؤنثة, فالأقلام مصابة بعمى الألوان, وقصائدي مضطربة عقلياً, فلا تسألها عني لأنها ستقول " مطلوبة للعدالة" , وستردّ قصائدك: " وهو ضابط مخابرات سابق, فلنشهد لقاءهما المسرحي", ولا أحبّ أن نبدأ مشوار الواقعية بجريمة قتل, فلا بأس أن ندّعي الجهل قليلاً, واسمح لسذاجتي بالترحيب بتناسيك,المهم أن نلتقي, ونحاول أن نصحّح أخطاءنا الإملائية السابقة, فقد مللتُ بقائي متطرّفة بين همزاتك المتحرّرة, ولا أريدك أن تبدأ جُملي دوماً بمدّ وآه.
نقطة أخيرة فقط: عندما نلتقي لا تُتعب نفسك بشراء الورود والهدايا, فطباعي نزقة ولا أحتمل المجاملة, ولازالت هديتك القديمة تنبري لمجادلتي وشتمي كلما هممت بإلقائها في القمامة, لا أريد المزيد من الجواسيس في غرفتي, فقد قررتُ أن أهتف باسم الحكومة "أدامها الله", ولن أعيد لك أمجاد " الأمن السياسي", وإن كنتَ لاتزال تسأل عن حبي فاطمئنّ, لازالت النسبة مرتفعة في آخر استفتاء, ولكنّي أشهد تمرّداً من بعض أجزائي وأقابله بشرب عبوة "كوكاكولا".
وعندما ينتهي كل شيء لن نبقى مثل ما كنّا, بل سنعود من جديد كما لو أنّنا لم نكن من قبل, لكنّي لن أشعر بالسعادة, ولن أبكي بعد الآن, فقد جرّبت الحالتين وكلتاهما مملّة, يدي المرتجفة من تأثير الأدوية ترسم بشراهة لقاءنا المحكوم بالإعدام, وأنا لا أؤمن بالأشباح, فلا تحاول إخافتي بعد موتك, ولكني سأزورك بين الحين والآخر, فأنا أصبحُ لا مرئية أحيانا, وأتخطّى حواجز السجون والمصحّات, أمرٌ مضحك بالفعل !!
ماذا سنتكلّم عندما نلتقي بعد موتك؟!
ربما تحتاج حينها لصبغة شعر أو طقم أسنان جديد!!
لا أملك مالاً, لا تطلب مني فلن أسرق لأجلك, يكفيني أني تحمّلت كل قضاياك ولم أنجح بإحداها, ولن أطلب الاستئناف, فقد أخبروني أنّ القاضي يريد رشوة, ولكنّي لا أتكلّم مع الغرباء, هكذا علّمتني أمّي, آه بالمناسبة لازالت أمي في المطبخ تحضّر الطعام, سأحرص على وضع السمّ فيه, ولن يأكله أحد غيري.
عذراً....عذراً نسيتُ ما كنتَ تقول...
المهم تذكّر, بعد انتهاء اللقاء, لا أعرفك ولا تعرفني, ووجهك لم أره يوماً في حياتي, فلا تحاول بعد ذلك أن تتصل لأني سأغيّر الرقم فوراً, بانتظار ردّك الذي لن يأتي.