يعجبنى جو الأسكندرية لافى صفائه وإشعاعاته الذهبية الدافئة , ولكن فى غضباته الموسمية
عندما تتراكم السحب وتنعقد جبال الغيوم ويكتسى لون الصباح المشرق بدكنة المغيب , ويمتلىء
رواق السماء بلحظة صمت مريب , ثم تتهادى دفقة هواء فتجوب الفراغ كنذير أو كنحنحة الخطيب
عند ذلك يتمايل غصن أو ينحسر زيل , وتتتابع الدفقات , ثم تنقض الرياح ثملة بالجنون , ويدوى
عزيفها فى الآفاق , ويجلجل الهدير ويعلو الذبد حتى حافة الطريق , ويجعجع الرعد حاملا نشوات
فائرة من عالم مجهول وتندلع شرارة البرق فتخطف الأبصار وتكهرب القلوب وينهل المطر فى
هوس فيضم الأرض والسماء فى عناق ندي , عند ذلك تختلط عناصر الكون وتموج وتتلاطم
أخلاطها كأنما يعاد الخلق من جديد , عند ذاك فقط يحلو الصفاء ويطيب , اذا انقشعت الظلمات
وأسفرت المدينة عن وجه مغسول وخضرة يانعة ., وطرقات متألقة , ونسائم نقية , وشعاع دافىء
وصحوة ناعمة .
شىء حدثنى أن تلك الدراما انما تحكى اسطورة مطمورة فى قلبى وتخط طريقا مازال غامض الهدف
أو تضرب موعدا فى غمغمة لم تفهم بعد .
نجيب محفوظ
رواية / السمان والخريف