أحدث المشاركات
صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 26

الموضوع: .. قـُلْ أنا أقـول .. ولا تقـل يُـقـال أن ..

  1. #1
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي .. قـُلْ أنا أقـول .. ولا تقـل يُـقـال أن ..

    هي مغالطات أو إشكاليات أدبية وفكرية كبيرة - ربما ..
    - وربما كانت مآسي يُسطـّرها الكاتب ويذهب ضحيتها طالب المعرفة- القارئ الحديث البريء-
    الذي تتكرر أمام ناظريه وعلى مسامعه فيعتادها فتقنعه فينقلها بدوره-وعلى حسن نية-إلى بيئته العربية الصغيرة الفقيرة التي تسمع وتـُسبّح الله ..
    فمثلاً : عندما يقول أحدنا هذه " ثقافتنا الإسلامية " فهو في هذه الحالة مُـخطئ من الناحية الأدبية والفكرية- من غير شك ، ومذنب من ناحية أخرى ولا ريب ؛ لاسيما إذا كان يعني ما يقول . إلا أن الأمر- بالطبع- يختلف
    عندما يتعمد الإنسان ذلك الخطأ مؤقتاً -لإيصال رسالته - نزولاً عند ثقافة سائدة لا يملك تصحيحها .
    فعندما نقول " الثقافة العربية " فإن ذلك مفهوم لا غبار عليه- لغوياً وأدبياً- مع بقاء الغبار على الجانب الفكري منه . ولكن ليس دقيقاً-
    بل إنه ليس صحيحاً بالمطلق أن نقول " ثقافة إسلامية " ؛ لأن ذلك خلط كبير وتوظيف خاطئ لمفهوم الثقافة ،
    وهو في الوقت ذاته تجن على المعتقدات والتشريعات الإسلامية السماوية .
    حيث أن ثقافة الإنسان هي جزء لا يتجزأ منه - سواءٌ فسدت أخلاقه أم صَلُحت ؛ وهي تظهر للآخرين جلية وكاملة- تطبع صورته وترسم معالم شخصيته ، فتعكسها رغباته وميوله وحصيلته المعرفية .
    ونجد أن الإنسان لا ينفك يُحاول إخفاء بعضٍ من مظاهر ثقافته -لاسيما عندما تبرز عيوبها - أمام ثقافات أخرى .
    أما معتقداته الدينية فهي على النقيض من ثقافته ؛ حيث أنها لا تظهر للآخرين كاملة وجلية ؛ وهو عادة يُحاول إثبات وجودها ويُـحاول كتابة ثقافته وتبريرها مستنداً إلى علاقتهما .
    فالثقافة إذن مادة أدبية فكرية جماعية تفاعلية متطورة متجددة- يشترك في إيجادها وتطويرها عقل الإنسان وعاطفته - وفق تجاربه واحتياجاته وميوله ورغباته وإمكاناته ...
    أما المعتقدات الدينية فهي مؤثرات معنوية روحية خارجية لا تنبع من عقل الإنسان ، وإنما تخاطبه من خارجه لتصحح ثقافته وتـَحُـدّ من غروره ، وتـُخطـّط له سياج حريته ، وتـُحـدّد له سقف طموحاته التي لا يرى ما وراءها من سلبيات جسيمة أثناء سعيه لبلوغ إيجابياتها العقيمة .
    وكذلك فهي تـُعـرّف الإنسان بناموس الحياة ، وتُطلعه على بعضٍ من أسرار كينونته- فيتفاعل معها وفق رجاحة عقله ، وبمساعدة كبيرة من القضاء والقدر .
    ولما كانت الثقافة عبارة عن صورة حياتية آدمية ، وجُـملٍ أدبية لغوية- ينحتها ويكتبها الإنسان على بعض صفحات التاريخ والجغرافيا- بيد جماعية- لتعكس ميول وتفاعل وقدرات العقل البشري فيتم نسخها وتطويرها على هيئة عادات وتقاليد وموروثات فكرية ، وتعاطٍ مع البيئة .
    فإن الحضارة وفقاً لذلك ستكون هي الأثر والصورة العملية المنظورة والباقية لتلك الثقافة .
    والثقافة تتأثر بالمعتقدات الدينية ولكنها لا تـُنسب لها ، لأنها لا تعكسها ولا تـُعبـّر عنها . وبصورة أخرى يمكننا أن نقول أن حقيقة التفاعل القلبي والالتزام الحسي والعقلي بالمعتقدات الدينية وتعاليمها - هي مسألة فردية لا يمكن لأحد إثباتها للآخرين عن نفسه ، كما أنه لا يمكن للآخرين نفيها عن أحد يدعيها ، كذلك فإنه لا يمكن لأحد فـرْضها على آخـر ، لأنها تـُمَـثـّل حقيقة الإيمان- ذلك الأمـر الذي لا يعلم بُعده الروحي إلا الله ثم ذلك الإنسان الذي يدّعي الإيمان .
    أما الثقافة فهي تنبع من الإنسان وتظهر عليه ، ولا يستطيع إخفاءها عن أعين وعقول الآخرين . فالثقافة هي مفاهيم وقناعات ونظريات بشرية انعكست على واقع المجتمع وأخذت منه اسمها .
    وبالنتيجة فإن : ما يأتي بعد " قال الله وقال الرسول " هو من المعتقدات التي لا تقبل الجدال وليست في حاجة إلى نقاش - لدى الإنسان الذي يؤمن بالله ويؤمن بذلك الرسول ..
    شريطة الاتفاق والإجماع على فهم المقاصد لما قال الله ، وثبوت صحة ما يرد عن الرسول . ويكون الاستدلال بها من أجل تأكيد صحة الأمر وسلامته وضرورته .
    بينما الاستدلال بما " قاله المثقف ، أو المفكّـر- ومن خالفه أو وافقه .. فتلك أمـور تخضع للنقاش ويصح فيها القول والقولان . ويكون الاستدلال بها من قبيل الاستنارة الفكرية والمعلوماتية غير الملزمة .


    وأود أن أخلص إلى نتيجة من شقين :
    الأول : أنه لا يخامرني شك في أن الخلط بين مفهوم الثقافة ومفهوم المعتقد الديني ، واقترانهما لغوياً - صراحةً أو اصطلاحاً- لهو أمرٌ على درجة كبيرة من الخطورة .
    فهو يُكسب الثقافة البشرية شيئاً من قداسة المعتقد الديني -وهي لا تستحقه- فيحـدُّ ذلك من- أو يحول دون- انتقاد الثقافة وما تحمله وتنشره من تقاليد سيئة ومفاهيم اجتماعية جاهلية يسودها النفاق تحت اسم المجاملة ؛ والكذب والخداع تحت مبرر الضرورات ... الخ .
    والأخطر من ذلك أن هذا الخلط يُوظِـّفُ الدين أحياناً لتبرير انحرافات أتباعه- الناجمة عن انحراف ثقافتهم-عندما تفرض الثقافة نفسها واقعاً على حساب مبادئ الدين .
    والثاني : أن الإفراط في الاستدلال بأفكار الآخرين- سواء السابقين أو المعاصرين- لإثبات صواب أفكارنا وكأننا ندرأ بذلك النقد عنا قبل حصوله ، أو كأننا نبحث عن شرعية أدبية لما نكتب ، وكأننا نعترف أن ما نكتبه لا يحمل روحاً أدبية خاصة به تـُعبّر عن المفكّـر الجديد الذي أبدعها ... بدل الاعتماد على المنطق والموضوعية والواقعية لإثبات مهاراتنا ومواهبنا الفكرية ، أدى بنا إلى أن أضحت بعض كتاباتنا المسماة "فكرية " لا تعدو أن تكون نقلاً للبيانات من موقع إلى آخـر ؛ وحتى صرنا نخلط المقالات الفكرية بالتثقيفية .
    إن اعتماد غالبية الكتـّاب والمفكّـرين العرب المسلمين- على أفكار ونظريات وكتابات غيرهم للتسويق لأنفسهم ، قد أفرغ كتاباتهم من مضمونها الفكري ، وجعلها دعاية لأفكار ونظريات الآخرين .
    إن النظريات الفكرية والأيديولوجيات الفلسفية القديمة-على أهميتها وما قدمته من حلول للإنسانية في أزماتها عبر العصور ... إلا أنها تبقى رافداً ثقافياً محدود الفائدة للفكر . بل إن التركيز عليها بما يُشبه محاولة إثباتها من جديد ، وهي التي تـدّعي فك الطلاسم الفكرية ووضع الحلول النهائية في مختلف المجالات ..
    إن ذلك يؤدي إلى جمود الفكـر وفقدان الرغبة والدافع للإبداع والتجديد .. خاصة في مجتمعنا العربي الإسلامي الذي يبدوا أنه لم يجد مقاسه في أسواق الفكـر ، فاستسلم إلى أزمات مستديمة- احتمت فيها سلبيات الثقافة بقداسة الدين ، واختفت فيها الشهامة خلف سياج الفقر ، وطمرت براكين السياسة ما بقي من معالم الإنسان .

    ألقاكم بخير أيها الأحباب ..
    إذا سرَّكَ ألا يعود الحكيم لمجلسك .. فانصحه بفعلِ ما هو أعلم به منك !

  2. #2
    الصورة الرمزية د. محمد حسن السمان شاعر وناقد
    تاريخ التسجيل : Aug 2005
    المشاركات : 4,319
    المواضيع : 59
    الردود : 4319
    المعدل اليومي : 0.63

    افتراضي

    سلام الـلـه عليكم
    الأخ الفاضل الأديب المفكر أبو بكر سليمان الزوي
    قرأت مقالتك الغنية اللافتة , واستمتعت بالافكار المطروحة , متوافقا مع أغلبها , ولست مختلفا مع الأقل , وأشهد بقوة الرؤية , وأريحية الرأي , وانساع المنظور .

    د. محمد حسن السمان

  3. #3
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة د. محمد حسن السمان مشاهدة المشاركة
    سلام الـلـه عليكم


    الأخ الفاضل الأديب المفكر أبو بكر سليمان الزوي
    قرأت مقالتك الغنية اللافتة , واستمتعت بالافكار المطروحة , متوافقا مع أغلبها , ولست مختلفا مع الأقل , وأشهد بقوة الرؤية , وأريحية الرأي , وانساع المنظور .


    د. محمد حسن السمان
    وعليكم السلام ورحمة الله .. أيها الأستاذ الكبير مكانة وخلقاً ..

    أستاذي الفاضل .. تقييمك - شرف عظيم وشهادة أعتز بها ..

    سيدي العزيز .. التواضع .. خلق كبير لا يتصف به إلا الكبار ..
    إن تواضعك معي وتشجيعك لي .. هما وقود وزاد أنا في أمس الحاجة لهما .

    خالص امتناني وعظيم تقديري ..

  4. #4
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    الأديب الأستاذ: أبو بكر

    وكأنى بك هنا تعطى التعريفات الأساسية لثلاث لفظات أساسية وهى الثقافة, الحضارة, والمعتقد الدينى.

    اسمح لى إذن بالمداخلة وفتح الحوار معك بمحاولة متواضعة, أتناولها معك فى ثلاث مراحل.....

    المرحلة الأولى وهى تتناول مفردة الثقافة وما يتعلق بها:


    يعرف "تايلور" الثقافة أنها هي ذلك المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأدب والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى، التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع .

    ويعرفها "كوينسي رايت" أنها هي النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب، يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية.

    فى حين يأتى تعريف "مالينوفسكي" لها أنها هي جهاز فعال ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل، وضع يواكب المشاكل والطروح الخاصة التي تواجه الإنسان في هذا المجتمع أو ذاك في بيئته وفي سياق تلبيته لحاجاته الأساسية.

    ويقول" غوستان فون غرونيوم":أن هناك تعريفات أخرى مثل (أن الثقافة هي الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية في مجري حياتها، أي هي المواجهة المتكررة مع تلك القضايا الجذرية والأساسية التي تتم الإجابة عنها عبر مجموعة من الرموز، فتشكل بذلك مركباً كلياً متكامل المعنى، متماسك الوجود، قابلاً للحياة) ومن هذا القبيل تعريف غوستاف فون غرونيوم في مطلع كتابه عن هوية الإسلام الثقافية الصادر في باريس عام 1973 حيث يقول عن الثقافة انها (نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة، المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني).

    وهذه التعريفات كلها تبرز بشكل واضح أهمية العقيدة ودور الدين في صنع الثقافة وتوجيه سلوك الإنسان.


    هل يعتبر هذا تعريفاً كافياً للثقافة في عصرنا؟!

    "مالك بن نبي "يعرف الثقافة في كتابه (مشكلة الثقافة) فيقول إنها (مجموعة الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي تؤثر في الفرد منذ ولادته، وتصبح لا شعورياً العلاقة التي تربط سلوكه بأسلوب الحياة في الوسط الذي ولد فيه).

    إذن هل الثقافة هي:

    (العلوم والمعارف والفنون و... التي يطلب فيها الحذق)

    أم هي (الحذق وفهم العلوم والمعارف والفنون و...)

    أم هي (المركب الكلي الذي يشتمل على المعرفة والمعتقد والفن والأخلاق والقانون والعرف والقدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في المجتمع)

    أم هي (النمو التراكمي للتقنيات والعادات والمعتقدات لشعب من الشعوب يعيش في حالة الاتصال المستمر بين أفراده، وينتقل هذا النمو التراكمي إلى الجيل الناشئ عن طريق الآباء وعبر العمليات التربوية)

    أم هي (جهاز فعلا ينتقل بالإنسان إلى وضع أفضل)

    أم هي (الجهد المبذول لتقديم مجموعة متماسكة من الإجابات على المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية)

    أم هي (نظام مغلق من الأسئلة والأجوبة المتعلقة بالكون وبالسلوك الإنساني)

    أم هي (المنجزات الفكرية المعنوية التي يبتكرها الإنسان في تنظيم حياته مع الآخرين).

    إذا بسطنا الموضوع قليلاً، وتجنبنا محاولة تعريف الثقافة تعريفاً جامعاً مانعاً كما يقال، واكتفينا بالحديث عن الثقافة كمفهوم حديث أو كمصطلح حديث، فلربما أمكننا القول أن: (الثقافة هي المخزون الحي في الذاكرة كمركب كلي ونمو تراكمي مكون من محصلة العلوم والمعارف والأفكار والمعتقدات والفنون والآداب والأخلاق والقوانين والأعراف والتقاليد والمدركات الذهنية والحسية والموروثات التاريخية واللغوية والبيئية التي تصوغ فكر الإنسان وتمنحه الصفات الخلفية والقيم الاجتماعية التي تصوغ سلوكه العملي في الحياة).

    هذا المخزون الحي قد يتمثل لدى الشعوب على شكل عقيدة حية فعالة محركة لما يصدر عن أفراد الشعب من قول أو عمل، وما ينجزه على الصعيدين الفكري والعملي الفردي والاجتماعي على السواء من مهام ووظائف.

    ولا ننسى أبدا أن نفرق بين القول أن الثقافة هي مجرد اكتساب درجة من العلم والمعرفة أو انها تعني الإبداع والابتكار الفني والجمالي وبين القول أنها السلوك أو نمط التعبير الخاص بمجتمع من المجتمعات أو انها تقتصر على الضروب الرفيعة من التفكير النظري والتجريد، مروراً بالعشرات من وجهات النظر والآراء التي تفهم الثقافة من زوايا خاصة ووفق أغراض محددة.


    أما كينونة الثقافة فقد تكون:

    أ. الثقافة الفردية:

    والتى تكون إما فطرية نشأ عليها الفرد تحت تأثير فطرته وطبيعته, أو تكون مكتسبة من مدركات بيئية خارجية. وبين هاتين الثقافتين ـ الفطرية والمكتسبة ـ جسر موصل أو حاجز غير واضح تماماً، فالجزء البسيط من المدركات والمكتسبات دون سن التمييز أقرب إلى الثقافة الفطرية أو لنقل هو انبثاق عنها وختام لها. والجزء المركب والمعقد من هذه المدركات والمكتسبات أقرب إلى الثقافة المكتسبة أو لنقل هو ابتداء فيضها أو هو منبعها وأساسها.

    ب. الثقافة الاجتماعية:

    هناك (الثقافة البدائية التلقائية وتوجد حيث يوجد المجتمع، وهي تسود كافة المجتمعات الإنسانية ولا يخلو منها مجتمع، وتتجلى في عموم الحالة السائدة في المجتمع) .

    وهناك (ثقافة موجهة قد تم التخطيط لها على أسس متينة وقواعد ثابتة) .




    بعد أن أوضحنا مفهوم الثقافة بما لا يدع أي مجال للبس والغموض، بات واضحاً كذلك معنى المثقف، فالمثقف هو مظهر الثقافة ومصداقها والمعبر عنها وحاملها وموصلها لسواه.

    صحيح أن المثقف ليس هو الذي يوجد الثقافة فهي موجودة بدونه، لكن المثقف هو الذي ينقلها من السكون الى الحركة، ومن الخمول إلى النشاط. ولكن ليس هو الموجد لها.

    وإذا كانت الثقافة الصحيحة السليمة تحتفظ في داخلها بشروط بقائها فماذا يبقى للمثقف من دور؟!

    وجواب هذا السؤال أن المثقف هو أحد بل أهم شروط ظهور الثقافة، فلا ظهور للثقافة دون مثقف.

    إن القيم والمفاهيم والمعلومات والعقائد والفلسفات والأخلاق وكل مكونات الثقافة ومقوماتها تبقى صوراً تجريدية ذهنية ما لم تظهر على أرض الواقع وتتجسد في مصاديق مادية عملية.

    إن الصراع بين الحق والباطل لا يكون الا إذا كان لكل منهما مصاديق، ولابد لكل منهما أن يجد من يحمله ويبشر به ويجعل من نفسه المصداق... المصداق العملي له على أرض الواقع، هذا هو دور المثقف:

    ـ أن يتمثل ثقافته جيداً فكراً وسلوكاً.

    ـ أن يعمل جاداً للتبشير بثقافته.

    ـ أن يدفع عنها عوامل الانهزام الداخلي وعوادي الغزو الخارجي.

    وانما يدفع المثقف عن ثقافته عوامل الانهزام الداخلي بما سبق أن المحنا إليه من التفاعل الحر مع الثقافات الأخرى، وعدم الانغلاق على محيطه وبيئته، وعدم الخلط بين الثابت من الحقائق والمتغير من التراث والعادات والتقاليد، والتمييز الواضح بين ما هو من الأسس والأركان وما هو من المتممات والمكملات (أي ما هو من هيكل البناء وما هو من الإضافات والديكورات)، والحرص على عدم تخلف الثقافة عن العصر، وعن الفعل فيه فعلاً إيجابيا، والتحرك داخل العصر وعينه على المستقبل الآتي بما يحمل من آمال وتطلعات وبما يحقق من أغراض وأهداف.

    ويدفع عنها الغزو الخارجي بالتخطيط الدقيق والتكافل والتضامن والتعاون مع أبناء ثقافته أياً كان عرقهم ولونهم ولغتهم.

    (إن أهمية المثقف إنما تنبثق من أهمية الثقافة نفسها وحاجة المجتمع إليها).

    ويميز البعض بين مثقف ساكن ومثقف متحرك، الأول لا دور له في مجتمعه والثاني ينهض بدوره في المجتمع، وبين مثقف منغلق ينتج ثقافة الجمود ومثقف منفتح ينتج ثقافة التجديد، الأول يعيش خارج الزمن فمسيرته إلى التوقف والثاني يواكب الزمن ويعيش فيه فمسيرته إلى النمو، ويميز بين مثقف النخبة الذي يعيش بعيداً عن الناس ويتحدث بخطاب القلة أو النخبة فقط ومثقف الجمهور الذي يعايش الناس ويتحدث بخطابهم خطاب الجمهور والكثرة، ويميز بين مثقف مستبد يتحول قلمه إلى رفض الآخر، ولا يتحدث الا بلغة الرفض والنفي والإقصاء ويمارس القمع والإرهاب، ومثقف شوروي (أو ديمقراطي) يتحدث قلمه بلغة التعددية والتعايش والتسامح ويمارس الحرية والعدالة، ويميز بين مثقف السلطة الذي يكرس الاستبداد ويمارس الظلم ويعشق المال ومثقف الأمة الذي يعشق العلم وينشر العدل ويزرع الحرية.

    ونحن ـ مع من ـ يريد ظهور المثقف المتحرك مع آمال الأمة وتطلعاتها وقيمها ومفاهيمها، المنفتح على كل الثقافات القديمة والمعاصرة، الذي يتبنى الحرية والعدل والشورى ويخاطب جماهير الناس ونخبتهم، كلّا بما يناسبه، ولا يقصر خطابه للنخبة فقط.

    نريد المثقف الذي يستشعر المسؤولية الخطيرة والجسيمة، فيتمثل دور النبي لا دور الفيلسوف، نريد المثقف الذي ينطلق من جوهر مفهوم الثقافة الذي يفترض فيه التحرك لنشر رسالته الثقافية داخل المجتمع وعلى الصعيد الإنساني العالمي، وتوضيح آفاقها ومنطلقاتها وأهدافها، وترسيخ مفاهيمها الرسالية باللغة التي يفهمونها والتي تحركهم لأنها تتحدث عن قضاياهم ومشاكلهم التي يعانون منها والظروف التي يعيشون تحت أسرها، والآمال التي تراودهم، والأهداف التي تعيش في قلوبهم وأفئدتهم؛ لغة من قد وطد العزم على كسر القيود وفك الأغلال عن الإنسان، ورفع الظلم والحيف والاستبداد، ونشر الأمن والحرية والعدالة في المجتمع الذي يعيش فيه أولاً، وبين الناس كلهم في شتى أرجاء الأرض ثانياً.

    لكن ما الفرق بين الثقافة والحضارة؟؟؟ وما العلاقة بينهما , ومدى ارتباطهما بالعقيدة الدينية؟؟؟؟

    أعودلإجابة ومداخلة متواضعة , انتظرنى.


    شذى الوردة لموضوع يفتح حوار هنا

    د. نجلاء طمان.
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

  5. #5
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    الأستاذة الدكتورة (الإنسان الجوهرة الفريدة) .. نجلاء طمان ..

    لو حاولت-عبثاً- التعبير عن مدى سروري بمداخلتك - التي تستحق بكل جدارة أن تكون هي الموضوع الأساس - لأفسدت على نفسي غبطتها ..

    أختي العزيزة الفاضلة .. قرأت مداخلتك المُتسائلة المُجيبة ، وسأعيد وأكـرّر قراءتها بانتظار التتمة ، وبانتظار الإذن لي بمحاولة المحاورة ..

    صدق المودة وعظيم التقدير .. لفرسان الكلمة الأمناء الصادقين ..

  6. #6
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    الفاضل الحبيب ابو بكر
    الاستاذ الدكتور السمان
    جوهرة الواحة الاخت نجلاء

    صباحكم العافية والامل :



    نلاحظ ان البعض يميل الى الحياد في عرض القضايا الكبرى في الاسلام وهو امر خطر فالحياد الذي يقول عنه (دانتي) «أكثر الأمكنة حرارة في جهنم محجوزة لهؤلاء الذين يحتفظون بحيادهم خلال الأزمات »

    إنني أسعى الى الحياد الذي يجعلنا نرتضي لأنفسنا موقف المتأمل لا الحاكم حينما أستعرض الفارق بين شخصيتي كباحث عن الحق وبين شخصيتي كداعية الى الحق وغرضي هنا أن يفرّق القارى بين الاعتقاد وبين المعرفة وكما يقول جوستاف لوبون ( المعتقد والمعرفة أمران نفسيان يختلفان من حيث المصدر إختلافا ً تاما ً ، فالمعتقد الهام لاشعوري ناشىء عن علل بعيدة عن ارادتنا والمعرفة اقتباس شعوري عقلي قائم على الاختبار والتأمل )


    اخي الحبيب

    يرى الفيلسوف البريطاني برتراند راسل ( Russel ) في كتابه ( السلطان The Power ) أن البشر موزعين في ثلاث خرائط بين القادة والاتباع والمنسحبين
    والرأي عندي أن أخطر صنف يعيش بيننا هم اولئك المنسحبون من دائرة التأثير والتأثر ورضوا بموقف المتفرج


    ثم ان


    العقل هو عندي ... عقلان : عقل يسعى لتحويل الواقع ليطابق الرؤى التي يقترحها
    وعقل يسعى لتحويل الرؤى التي يؤمن بها لتتطابق مع الواقع .
    الاول متحرر من أية قوالب فكرية ويدهش صاحبه بتسارع الانجاز الفكري تبعا ً لتعقيد وتطور معضلات الواقع .
    الثاني مستمسك بما وجد نفسه عليه فهو حريص أشد الحرص على ( الآبائية الفكرية ) بل ويعتبر نفسه جنديا ً من حماة حصونها ، مصدقا ً ان فواجع واقعه هي نتيجة لعدم الاعتصام بقولبته الفكرية التي فطر عليها مذ ولادته .
    لكل من هذين العقلين ... مقدس .. هو المرجع له
    المقدس عند العقل الاول هو : التطورية والنسبية الزمنية والنفعية
    التطورية اقتبسها من شعار (دارون ) البقاء للأقوى
    والنسبية الزمنية اقتبسها من شعار ( تعظيم الكفاءة )
    والنفعية اقتبسها من شعار ( الاكتفاء الذاتي للعلم) فالعلم عند هذا العقل هو الآله المنقذ النافع فلا يمكن التدخل في معاييره الا بالسيطرة على قيم العلم ذاته
    فالعلم لايسيطر على المجتمع وادارته فحسب بل يفصل القيم الانسانية والاخلاقية عن قيمه المادية
    اما
    المقدس عند العقل الثاني فهو الايمان والاعتقاد والتصور والمنهج الذي يرفض النقد وبذلك لايختلف من يؤمن بالوهية البقرة في الهند عمن يؤمن بالوهية الصخرة عند قريش عمن يعبد الحاكم الفرد ( هتلر مثلا ً) فالجميع لايعترفون بأحقية وإلزام تواصل النقد لما تفرضه عقولهم من رؤى.
    اما المسلم الحق
    فهو لايمتلك أيا ً من هذين العقلين
    المسلم الحق يمتلك العقل الذي يسعى لإصلاح حال الإنسان - في أي زمان ومكان – بالطرق المادية من خلال التصدي والإستعانة لقضية الإيمان بالقبول او الرفض .
    الإنسان : موقف

  7. #7
    الصورة الرمزية أبوبكر سليمان الزوي قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jun 2007
    الدولة : حيث أنا من أرض الله الواسعة
    المشاركات : 478
    المواضيع : 29
    الردود : 478
    المعدل اليومي : 0.08

    افتراضي

    الأخوة الأفاضل جميعاً .. سلام من الله عليكم ..

    لا زلت أنتظر من الأخت العزيزة .. الدكتورة نجلاء طمان .. تكملة مداخلتها الغنية بالأفكار .. لنبدأ التحاور - نزولاً عند رغبتها الكريمة ..

    وإلى حين سماح ظروفها بالمواصلة .. أود طرح بعض التساؤلات حول مداخلتها السابقة ..
    وكذلك تساؤلات حول مداخلة .. أخي الحبيب .. خليل حلاوجي ..

    حيث أني أتمنى على إخوي وزميلي .. الإفصاح عن أفكارهم بصورة أدق وأكثر وضوحاً وتلخيصاً .. خاصة إذا كانت تحتوي شيئاً من النقد أو التساؤل حول أفكار أو نقاط محددة تضمنتها المقالة ، وينتظران مني التعاطي معها ..!

    فأنا وبكل صراحة لم أستطع تجميع الأفكار في مداخلتيهما وبلورتها ، لأخرج بصورة متكاملة عما يرميان إليه ..

    وكل ما أستطيع قوله الآن .. هو أني لا أقصد التقليل من شأن الثقافة والمثقفين ، ولا أدعو إلى الطعن في الاستعانة بأفكار السابقين .
    ولكني أُؤكد على ضرورة التفريق بين المثقفين والمفكرين .. كما أني أؤكد على ضرورة نقد الثقافة وتصحيحها قبل الترويج لها والدفاع عنها .
    كما أني أُعيد التأكيد على قناعتي بأن المعتقد الديني ليس جزءاً من الثقافة ؛ بل هو مهذب لها بقدر سماحها له بالتأثير في بيئتها ، وذلك يتوقف على مساحة الحرية الفكرية التي تحتويها تلك الثقافة ضمن مكوناتها .

    تحياتي للجميع ..

  8. #8
    الصورة الرمزية خليل حلاوجي مفكر أديب
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    الدولة : نبض الكون
    العمر : 57
    المشاركات : 12,545
    المواضيع : 378
    الردود : 12545
    المعدل اليومي : 1.83

    افتراضي

    يجب أن يفرّق القارى بين الاعتقاد وبين المعرفة

    وكما يقول جوستاف لوبون

    ( المعتقد والمعرفة أمران نفسيان يختلفان من حيث المصدر إختلافا ً تاما ً ، فالمعتقد الهام لاشعوري ناشىء عن علل بعيدة عن ارادتنا والمعرفة اقتباس شعوري عقلي قائم على الاختبار والتأمل )


    هذه هي القاعدة التي انطلق منها في رؤيتي

    \

    بوركتم

  9. #9
  10. #10
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    الأديب الألق أبو بكر الزوي


    عودة للتعقيب, وعذرا للتأخير

    ما معنى الحضارة؟

    الحضارة تعني الحضور والوجود والتميز، وتشاكل المدنية في المعنى، وعند البعض تشترك في الدلالة مع الثقافة، وهي مرحلة من مراحل التكوين البشري، وطفرة في النشاط الإنساني، الذي يحصل من خلاله التطور الفعلي على مستويات عدة، ونواح كثيرة، وهي نتيجة لتفاعل الإنسان مع الكون والحياة، بغض النظر عن بعض الخصوصيات التي تخصه، والتباين الذي ينتجه الاختلاف في العقيدة والدين، وهي تتكون من شقين، مادي ومعنوي، فالمادي ما نلمسه من عمران وصناعات وتقنيات وفنون وعلوم ومعارف وقوانين وأعراف، والمعنوي يمثل النوازع العقدية، والدوافع القيمية التي كانت من وراء صناعة هذه الحضارة، فالعقائد والأخلاق والسلوك كلما اقتربت من المعايير العلمية والمنطقية، صارت أقرب من المدنية التي هي مرادف الحضارة عند البعض، وإذا أنتجت التصحر والعقم المعرفي، كانت بداوة ورجعية وتخلفا، فالحضارة نتاج إنساني يعبر عن وحدة المنشأ، وتكامل الأدوار، وهي متداخلة فيما بينها، ومتكاملة في حلقاتها، لا يلغي اللاحق منها السابق، ولا يميت البعض منها الآخر، وإن تباعدت الأقطار، وتفاوتت الأزمان.

    وقد عرفها بعضهم بأنها نمط في الحياة المستقرة ينشيء القرى والأمصار ويضفي علي حياة أصحابه فنونا منتظمة من العيش والعمل والاجتماع والعلم والصناعة وإدارة شؤون الحكم وترتيب وسائل الراحة وأسباب الرفاهية . وهذا تعريف للحضارة وأثارها العامة وليس تعريفا دقيقا يحدد معناها.

    ومن العلماء من عرفها بأنها كل ما ينشئه الإنسان في كل ما يتصل بمختلف جوانب نشاطه ومعانيه عقلا وخلقا (الفكري والمادي ) او بإصلاح آخر الروحي والمادي .
    وبعض الباحثين يري أن الحضارة الحقة هي التي تطلب إلي الإنسان في مظاهر الحياة كافة أن يتذكر الله سبحانه وتعالي ويتذكر نظرته هو بحيث يستطيع أداء دور خليفة الله وهو الدور الذي وجد فيه علي هذه الأرض .

    وآخر يري أن الحضارة مجموعة المباديء والأفكار والأصول والتربية التي تثمر لونا من ألوان الحياة الاجتماعية بمقوماتها المختلفة .
    وربما كان معناها العام أيضا طريقة الإنسان في الحياة أو مجموعة أفكاره عنها ونعني بالحياة الأعمال اليومية التي يمارسها الإنسان في معيشته ففكرته عنها ونظريته إليها يكيف سلوكه فيها ويحدد طريقة تصرفه في أعماله .

    نري من هذه التعريفات إن معني الحضارة قائم عند المفكرين لكنهم يختلفون في توسيع معناه أو في تضييقه وبعبارة أخري هو ضبابي عند البعض منهم الذي جعله يشمل الأفكار والعقائد وما ينتج عنها من نتائج مادية ، فهناك من يري ان الحضارة لها جسم وروح ، جسمها يتمثل في منجزاتها . بمادية كالمخترعات والمصانع والطائرات والأسلحة والأبنية وغيرها ، وروحها يتمثل في مجموعة العقائد والمفاهيم والقيم والآداب والتقاليد التي تتجسد في سلوك الأفراد والجماعات ، وبهذا يتقارب في المفهوم مع (غوستاف لوبون) الذي يري أن الحضارة تشمل العقائد كما تشمل المنجزات العلمية والمادية معا.

    ونكاد نتفق مع المستشرق الإنكليزي (ارنولد توينبي ) الذي يري أن معني الحضارة بمعناها المتخصص يقتصر علي وجهة نظر الإنسان عن الحياة ، وهذا هو الذي ينسجم مع تعريف الحضارة الإسلامية التي يمكن أن تكون مجموعة الأفكار والمفاهيم الإسلامية عن الإنسان والحياة والكون ، وهي بهذا تحدد سلوك الإنسان وطريقته في الحياة ونمط معيشته وتعامله مع الكائنات المحيطة به .

    وهذا يجرنا إلي تبيان أن الأشكال المادية هي المدنية تنتج عن الحضارة أو العلم ، فبناء البيوت والقصور شكل من إشكال المدنية الناتجة عن الحضارة من حيث أنها مع مفهوم أي حضارة ، وقد راعي المسلمون في حضارتهم الإسلامية أن توجه البيوت نحو الكعبة التي هي قبلة المسلمين بينما نجد أن صنع المنتجات الطبية والأثاث والسيارات والطائرات والآلات وغيرها أشكال مدنية ناتجة عن العلم .

    فالحضارة خاصة والعلم عام وقد كان العلم يطلق علي كل معرفة أي كان نوعها ولونها ثم أصبح يفيد المعرفة التي تستفيد من الملاحظة والتجربة والاستنباط كعلم الهندسة والطب والكيمياء وهو التحديد الدقيق لكلمة العلم لكنها قد تطلق علي المعارف الشرعية والقانون والتاريخ والآداب والفلسفة وغيرها من باب التجاوز والتوسع في المعني.



    العلاقة بين الثقافة والحضارة

    صحيح أن الثقافة ليست هي الحضارة، ولكنها العنصر الهام في عملية البناء الحضاري، فبمقدار شمولية الثقافة وتوازنها واستقرارها وصحة متبنياتها يرتفع عمود الحضارة، وتترسخ أركانها في المجتمع.

    وليس لقوة مهما بلغت أن تهزم أو تهدم حضارة قائمة على ثقافة صحيحة سليمة جامعة.

    وكما أن الثقافة هي الركن الأساسي لبناء الحضارة فان البنيان الحضاري بعد أن يقوم يلقي بظلاله على الثقافة بحيث يمكن اعتبار الحضارة القائمة رافداً جديداً من روافد الثقافة المستقبلية، وتقوم علاقة نمو متبادل مضطرد بين الثقافة والحضارة.

    وما يقال عن الحضارة والعلاقة المتبادلة بينها وبين الثقافة يقال عن المدنية التي هي وليدة الحضارة ومظهرها الواقعي العملي.

    من المهم أن نشير هنا إلى أن هنالك من يسوي بين الثقافة والحضارة ويجعلهما مفهوماً واحداً، ومن اشهر هؤلاء تايلور في القرن الماضي.

    وهنالك من يفرق بينهما إما على أساس أن الثقافة تشير إلى ما هو عقلي في حين تشير الحضارة إلى ما هو مادي أو بالعكس على أساس أن الثقافة تعني المظاهر المادية للحضارة كالتقنية والصناعة وأن الحضارة تعني المظاهر الأدبية والفلسفية والعقلية.

    وعلى سبيل المثال فان المفكرين الأوروبيين في عصر النهضة ـ ولا سيما الألمان منهم ـ يقصرون الحضارة على الإنجازات التقنية والمعرفة العلمية الموضوعية التي يمكن أن تقاس قياساً كمياً، في حين يرون أن الثقافة تشير إلى المعرفة الذاتية غير الوصفية ذات الأحكام التقويمية كالديانات والاعتقادات والأخلاق والفلسفة والآداب والفنون. والحقيقة أن الثقافة والحضارة متداخلتان إلى ما دون التساوي ومتمايزتان دون تباعد.



    إذن هل نشجع الغزو الثقافي أم تفاعل الثقافات؟؟؟؟؟

    لا يمكن وضع سقف للتقدم الثقافي في عالم سريع التطور، دائم التغير والتبدل بل والتحول.إن وضع سقف لثقافة أمة يعني وقف نمو الأمة، والإخلال بشروط بقائها ونمائها، وبالتالي بداية شوط السقوط والموت.
    ولكي تبقى الثقافة في حالة نمو، لابد من انفتاح الثقافات المتنوعة المتباينة على بعضها، الانفتاح الذي يسمح بالفعل والانفعال من أجل الإطلال على آفاق جديدة من عوامل الثقافة ومكوناتها. لكن ذلك مشروط بالانفتاح الحر الذي يتيح التفاعل الطبيعي الحر دون قسر أو ضغط أو إلجاء ليتم في بوتقة التفاعل، فعل الثقافة الأصح والأكمل والأشمل بالثقافات الأقل صحة وكمالاً وشمولاً. أو لنقل لتجتذب كل ثقافة ما تحتاج لكمالها وشمولها من الثقافات المنفتحة عليها بشكل حر يشبه انتقال السوائل في الأواني المستطرقة، ولا أقول يشبه التفاعل بين السخونة والبرودة، بحيث يبرد الساخن ويسخن البارد حتى تتساوى درجة الحرارة في السائلين المتجاورين.

    إن هذا التفاعل الحر ـ الذي ينطوي على الفعل والانفعال ـ قد يؤدي إلى الوصول إلى ثقافة عالمية باتت ملامحها شبه واضحة، يتوحد عليها البشر في يوم من الأيام مهما طال انتظاره.من هنا دعونا نطل على ما يسمى بالغزو الثقافي الذي يقابله الانهزام الثقافي.إن كل الثقافات الإقليمية والقومية والعرقية قابلة لأن تمارس الغزو الثقافي أو أن تقع فريسة له بسبب الانهزام الثقافي.

    والانهزام الثقافي في هذه الحال إما داخلي ذاتي أو لغزو ثقافي خارجي.أما عندما تكون الثقافة إنسانية عالمية فلا ينطبق على تحولاتها عنوان الانهزام الثقافي، كما لا يمكن أن يوصم أثرها في الثقافات القومية بالغزو الثقافي، بل إنه التفاعل الثقافي فعلاً وانفعالاً.

    لا ينكر هنا أن القوة العسكرية والاقتصادية والسياسية والإعلامية قد تساند ثقافة ما فتصمد لوقت أطول أو ربما تفرض على الشعوب بالقوة والقهر، لكن ذلك لن يدوم طويلاً، فكم من أمة مهزومة عسكرياً استطاعت أن تهزم مستعمريها ثقافياً، وما زالت ماثلة في الأذهان حالة التتار والمغول الذين اكتسحوا العالم الإسلامي عسكرياً ليجدوا أن الإسلام قد اكتسحهم ثقافياً، ولم يترك أمامهم أي مجال سوى تبني ثقافته واعتناق عقيدته وتمثل قيمه الإنسانية العليا، فاستسلموا لذلك دون مقاومة.

    إن الشعوب التي يخفت في أعماقها ووجدانها صوت ثقافتها، وتنبهر أبصارها بوهج بريق ثقافة الغير، لابد أن تنهزم أمام الغير وأمام ثقافته، وانهزام الشعوب ليس بالضرورة انهزاما للثقافة التي كانت تحملها، فالثقافة القائمة على أسس سليمة وأركان صحيحة لا تنهزم لا في السلم ولا في الحرب، وإن كمنت إلى حين تحت ضغط عوامل خارجية طارئة ومؤقتة.

    أما الثقافات الأخرى التي لا تملك مثل هذه الشروط والمقومات، فإنها سرعان ما تنهزم وتؤول إلى الزوال، مهما لمع بريقها في حين من الأحيان، ومهما روجت لها الأنظمة القوية المسيطرة عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، فالحق لابد أن يسود والباطل لابد أن يمحى من الوجود.


    لا يمكن بحال تناول موضوع الثقافة والحضارة دون أن نتناول موضوع العلم وعلاقته بهما؟

    والفرق بين العلم والثقافة أن العلم عام لكل امة فهو ليس حكرا علي امة من الأمم أو مختصا بأناس دون غيرهم فهو للناس كافة تأخذه امة عن أخري ، فالاختراعات العلمية والاكتشافات في الصناعة والأسلحة والأبحاث العلمية تنقل من بلد لآخر ومن امة لأخري فإذا اخضع هذا العلم لوجهة نظر معينة أو لمصلحة امة أو دولة أصبح ثقافة خاصة لتلك الدولة أو الأمة لكن الثقافة تبقي خاصة فلكل امة أو شعب ثقافته التي يعتز بها لأنها متصلة بوجهة نظره في الحياة ، فللمسلم ثقافته الإسلامية وللأمريكي ثقافته الأمريكية وللإنكليزي ثقافته الإنكليزية وللفرنسي ثقافته الفرنسية وللروسي ثقافته الروسية وللصيني ثقافته الصينية وهكذا ،ومن هنا نجد حرص الدول المختلفة علي نشر ثقافتها وان يكون لهذا كينونة سياسية كالكومنولث والفرانكفونية والدول الناطقة بالأسبانية والدول الناطقة بالبرتغالية وغيرها .

    وقد أحدث عدم التفريق بين العلم والثقافة والحضارة بلبلة في عقول الناس إذ تعددت ثقافاتهم كل بحسب نشأته ، وكما أدي التباس فهم العلم والثقافة لدي الكثيرين اليوم فلم يعرفوا ما يأخذون وما يدعون ، أدي عدم فهمهم للحضارة والمدنية الناشئة عنها أو المدنية الناشئة عن العلم والصناعة إلي اضطراب حياتهم وفوضي مسالكهم إذ انطلقوا في الاقتباس دون تفريق بين غث وسمين فالحضارة هي مجموع مفاهيم الإنسان عن الحياة وهي التي تعين طريقه في الحياة ولان المدنية هي الأشكال المادية المحسوسة التي تستعمل في شؤون الحياة ، والحضارة والثقافة لا تكونان إلا خاصتين ، والمدنية تكون خاصة وعامة ، خاصة إذا كانت ناتجة عن حضارة ، وعامة إذا كانت ناتجة عن علم وصناعة لان العلم والصناعة عالميان .

    أرجو أن أكون أوضحت لكم فى مداخلة متواضعة ما يمكن ان يكون موضع التباس للتعريفات المزكورة .

    فى النهاية....شكرا لكم جميعا


    شذى الوردة ينتظر أى سؤال.

    د. نجلاء طمان

صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. مـاذا أقـولُ يا حبُّ
    بواسطة عادل العاني في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 43
    آخر مشاركة: 08-09-2016, 08:58 PM
  2. قـُلْ
    بواسطة زاهية في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 09-10-2013, 01:08 PM
  3. قُـلْ كَـلامـاً يَـشْفيـني .. !!
    بواسطة ابتسام محمد الحسن في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 31-05-2012, 03:36 PM
  4. الإباحية على شبكة النت : حقائق وأرقام , ولا حول ولا قوة إلا بالله
    بواسطة د. عمر جلال الدين هزاع في المنتدى الإِعْلامُ والتَّعلِيمُ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 24-03-2009, 12:51 PM
  5. إلى أنْ يحضر المحرم
    بواسطة أبورنام في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 7
    آخر مشاركة: 28-04-2003, 09:29 AM