في عصر يوم أغبر حزين ،وبعد عودتي من المقبرة ودفن شاب توقفت ساعة عمره بحادث أليم
رجعت إلى نفسي متهماً إياها ،محاسباً لها بعد رحلة طويلة ،عاشت فيها معي، وعشت فيها معها
حاولت خلالها أن أستطلع أمرها، أقف معها لأتبين حالها وأحوالها
أغوص فيها وفي دهاليزها لأستخرج ماغار في أعماقها
أتفرس في ملامحها ومعالمها لأستبين رغباتها وتطلعاتها
ولما اقتربت وشارفت وكدت وأوشكت أقبض بتلابيبها وأمسك بزمامها
إذ بصوت يخرج من داخلي مغضبا، ويتهدج في أعماقي صارخا لًيقول:
ويحك مالك وللنفس ...دعها وشأنها...
فهل هي إلا لك تطلب لك ماتريد...
وتحقق أمنياتك ورغباتك....
وتسعى إلى راحتك وسرورك.
دعها وشأنها ولاتكدر خاطرها ،وتضيق عليها لتعيش في صراع مرير معها
تبقى فيه في نزاع وقراع لايجدي تذوي فيه نفسك، وتضني فيه جسمك، وتتعب فيه روحك.
ثم هل هي إلا قطعة منك؟؟؟
وهي أليست لك وفيك ومنك ...؟!
و هل تطلب لك إلا الدَّعةَ والسَّعةَ والرَّاحةَ والمتعة....؟!!
وكدت أقتنع بكلامها المنمق ،وحديثها المفتق
بل أوشكت أصيخ السمع لهذا الصوت المنبعث من داخلي
واستسلم لما يقول بل ويفترعزمي عن تقريعها ومحاسبتها
بعد أن أوشك أن يقتنع بهمسها ونفثها
حيث تأتيك من قبلك، وتحدثك من داخلك متفننة في أساليبها وحيلها
لتزين لك الأيام ،وتنسيك أين كنت وما كان .....
لكن صوتاً آخر انبعث من داخلي منبهاً، وتفجر في أعماقي محذراً،وثار في خلدي مستيقظاً
ليتعالى صارخاً في مشاعري وأحاسيسي قائلاً:
إياك إياك منها، ولاتصغي لمعسول كلامها
وإياك أن يغرك جميل حديثها وتنبهر برصفه ووصفه، وتفتتن بسحره وهمسه
أو ماسمعت ماقاله البوصيري من قبل :
والنَّفسُ كالطِّفل إن تهملْهُ شبَّ على حبِّ الرَّضاع وإن تفطمْه ينفطمِ فاحذرْ هواها وحاذرْ أن تولِّيَـه إن الهــــوى إن تولى يعـمِ أو يصمِ وراعها وهي في الأعمال سائمةٌ وإن هي استحْلتِ المرعى فلا تُسمِ كم حسنت لـــــــذةً للمرء قاتلةً من حيث لم يدرأن السُّمَّ في الدَّسمِ
أليس ذاك تابع الصوت قائلاً؟؟؟ فقلت: أجل والله هي كذلك
فأردف متابعاً قوله :ثم ألم تستمع لقول المتنبي :
والنفس من خيرها في خير عافيةٍ =والنفس من شرها في مرتعٍ وخم
فقلت: أجل هي كذلك
فقال :إذن والحل
فقلت الحل والحق أنه لابد من لجمها، وكبح جماحها،
وفطمها عن نزواتها ورغباتها لابد لابد لكن أين حالنا مع النَّفس؟!!
لأتذكر ماقاله الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات
فنظرت إلى حالي أتأمل فيها
والشيب دبَّ ،والشِّعر أوشك أو شارف أن يبيض ،والنذيرأرسل جنوده
وشجرة العمر ترمي أوراقها ولاندري كم بقي لنا منها؟؟!
والربيع أدبر، والخريف أقبل ومابقي لي منها الله أعلم به
فاغرورقت عيناي بالدموع ورجعت واستذكرت وجعل لساني يردد
لعمرك مايدري الفتى كيف يتقي إذا هو لم يجعل له الله واقيا
أجل فلا حول ولا قوة لنا إلا بالله العلي العظيم وليس لنا سواه عضداً وسنداًومعيناً
لأرفع كفيَّ إلى السماء داعياً
اللهم لاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين ولا أقل من ذلك وأصلح لنا شأننا كله لاإله إلا أنت
اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك
اللهم آمين والحمد لله رب العالمين
--------------------
د.محمد إياد العكاري
3/7/2007م