أحدث المشاركات
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 11

الموضوع: يوح " 4 " ضجيج المقابر

  1. #1
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي يوح " 4 " ضجيج المقابر

    بوح
    " 4 "
    ضجيج
    المقابر

    صمت يجلله صمت ، ورهبة تجلل برهبة ، ووحشة تجلل بوحشة ، ومجهول يغوص بالمجهول ، وغموض يهوي إلى قعر أعماق الغموض.

    الشمس هنا تختلف عن شمس الأرض ، هنا تغلي الأشياء على مرجل الهيبة المنبثقة من رعب المخفي تحت الثرى ، تلتهب الأشياء وتصفر الحشائش ، ترى الحزن الساكن بكل غصن من أغصان الشجر ، وترى الموت الموزع على الأشياء المحاطة بسور المقبرة ، تتدلى الشمس من مكانها ، تهبط نحو الرأس ، يغلي الدماغ ، تتسلل إلى توزيعاته وتشعباته رهبة القادم والماضي والحاضر ، تتناثر الأفكار وتصطرع ، تضغط الحرارة على مركز الوعي والسيطرة ، تنهار المسلمات واللذات ، تتلوى الأفكار كصل منزوع من حرارة الصحارى ، تهبط نحو القبر ، أو تحس بانزلاق القدمين نحو حفرة مفتوحة لغيب ما زال مطويا في حجب اللحظات والأيام القادمة.

    ما هي المقابر ؟
    ولماذا تسكننا الرهبة حين نداهمها أو تداهمنا ؟
    ولماذا لا ينبت "البصلون "إلا فيها ؟

    " البصلون " وحده قصة غامضة ، تتوحد مع غموض المقابر وما يحيط بها من مجهول ، نحن نعرفه منذ الطفولة ، كنبات كريه الشكل والرائحة ، لملمسه نكهة من عذاب مضطرم ، تتولد في الجلد ، تدفعه نحو الاحمرار الشديد ، نحو الحك المتواصل ، حك ممزوج باللذة والغضب والألم والوجع والانهيار ، وحين كنا نحاول استئصاله بجهد جماعي ، ونهوي بالفؤوس والمجارف على جذوره ، كان يقاومنا ببعث رائحة تقشعر لها الأبدان ، ولكننا بعزم وتصميم ، متوحد مع غل مجهول ، كنا نتعمق في الهبوط نحو جذوره ، لنزيلها ونتركها لشمس المقبرة ، تلك الشمس المتدلية كقبة من نار غضبى على مساحة الموت والمجهول.

    وحين كنا نعود بعد أيام ، مع جنازة جديدة ، كنا نراه وقد انبثق من تحت ركام الموت والمجهول ليتحدى الشمس وحرارتها اللاهية.

    لماذا يستطيع هذا النبات تشقيق الموت والإطلال برأسه نحو الحياة ؟ رغم قساوة المكان والمجهول والغموض ، ولماذا – وببساطة – يتلاشى الإنسان كبخار معدوم من الوجود والبقاء حين يهبط نحو الأسفل ؟

    لعل " البصلون " يمارس ثأره الأزلي من تعسفنا وكراهيتنا له ، دون سبب أو مبرر ؟

    وحين نهبط نحو الأرض ، يغوص عميقا ليمتص وجودنا ويوزعه على القبة المتدلية كبركان محموم بالغضب والثورة.

    تتوغل قليلا في المقبرة ، تدخل أعماقك القبور المنخسفة ، والقبور المتهدمة ، وتنتشر بأعماقك تشققات جدران القبر الضخم المشاد فوق جثة لا تستطيع مقاومة جذور " البصلون " أو الدود المتوالد والمتناسل من بقايا جسد كان يغتسل بالماء والعطر.

    ترى الحراذين وهي تسارع بالانتقال من شق في هذا القبر إلى شق في ذاك القبر ، تطاردها ، لكنك تعجز عن الوصول إليها ، عن اكتشاف مكانها ، فتاتيك الفكرة ، ربما غاصت في القبر ، لتتوارى بين حنايا الموت الراقد في الجثة ، ولتمارس طقسا من الغموض والمجهول .

    منذ الطفولة وللحراذين بأفكارنا مكانة خاصة ، مميزة ومتناقضة ، لا نفهمها ولا ندركها ، فنحن نطاردها من سور إلى سور ، نلهبها عذابا ووجعا ، نصبغ العشب بدمائها ، ثم نتركها تتعفن ، لا لشيء سوى أنها حراذين .

    وحتى مقولة الصلاة التي كان يؤكدها كبار السن ، صلاة الحراذين على الأسوار ، وعلى أسطح المنازل ، والتي كنا نشاهدها ونشهد عليها ، ابتكرنا لها أغنية غريبة ، ترتبط بالموت والعذاب والنار .

    كنا نطاردها ونحن نغني بصوت جماعي " صلي صلاتك يا حرذون ، أمك وأبوك في الطابون "

    أغنية تربط الصلاة بالموت ، بالموت ، بالعذاب في النار ، ربط خرج من اللاوعي واللاارادة .

    لماذا كنا ندعو الحراذين للصلاة ، ونحن نعلمها بوجود والديها في الطابون ، طابون الفلاحين المستعر بالحرارة واللهب .

    كيف تولد الحقد فينا على مخلوقات ضعيفة تمارس العبادة ، كما كنا نفهم منذ الطفولة ؟

    الحراذين أدركت ذلك ، بطريقة ما ، وحملت جنسها نحو المقابر ، طلبا للأمن والحماية والبقاء ، احتمت بالموت من الحياة ، واحتمت بالمجهول الغامض ، من المعلوم والمعروف .

    فهل تركناها تنعم بصداقة الموت والمجهول ؟

    تشعر بخشخشة بين الأعشاب الملوحة ، المحروقة والمصلية ، تطل عليك أفعى ضخمة ، ترقبها بعيون الرعب والهلع ، المقبرة والموت ، يبرزان أمامك كماردين من نار ، تشعر بالسم يسري بجسدك ، تتحسس جسدك ، تمسك انتفاضة الجلد المتواصلة ، تحدق بالأفعى ، وهي تتلوى ضائقة ذرعا بسم تدفعه الحرارة للخروج ، تتسارع دورتك الدموية ، وتبدأ القبة المتدلية بالغوص بأعماقك .

    تقفز رعبا حين تلمس قدمك ورقة نبات جافة ، تصرخ صرخة تتكون في نغماتها انبعاث الموت ورائحته ، تفتش عن الأفعى ، فتصبح مستحيلا بعد وجود.

    تتحول إلى قطعة من الجبن والهزيمة والصغر ، تضج أحشاءك وتصطدم ، تتمنى دخول احد ما ارض المقبرة ، تلك الأرض المنزوعة من ذاكرة الإنسان والزمان والمكان ، رغم توسطها المدينة ، ورغم التفاف الشوارع حولها كحيات عملاقة.

    التوقع والتحسب يسكنان أعماقك ، تتحول إلى قطعة من الخوف والعجز ، كقطعة من انهيار مشهود .

    ألم يكن الحرذون يوما بين يديك ؟ فلماذا لم تشعر بأحاسيسه ونوازعه وهو يتلوى عذابا ووجعا وخوفا وعجزا ؟ لماذا لم توقف انهياره المشهود ؟

    منذ سنين ، رحلت الحراذين من المقابر ، تلاشت ، ترى في أي مكان تخنفي هي الآن ؟

    مقابر الطفولة ، تختلف عن مقابر الشباب والكهولة ، تماما كمرايا الطفولة ومرايا الشباب والكهولة.

    يوم الخميس ، هو يوم المقابر المشهود لأهل مدينتنا ، فهو اليوم الذي يتحرك فيه الموتى من قبورهم لاستقبال الأحياء القادمين للزيارة ، ومعهم المصاحف ، والمسابح ، والأدعية ، والحزن والقهر والدموع ، ومعهم – وهذا ما يهمنا كأطفال – حسنة الصدقة من معمول وغريبة ومبسوس ، ومعهم بعض النقود المفكوكة إلى تعاريف وقروش .

    كنا نتوجه زرافات ، إلى المقبرة الصامتة ، الغارقة بالصمت ، لنزاول مهنة السؤال والتسول ، سؤال أهالي الموتي أن يمنحونا بعضا من الحلوى والقروش .

    يوم الخميس ذاك ، الذي اختفى بين غلالات زمن مهجور ، كان عيدا من أعياد الطفولة ، الطفولة التي كانت تتمنى موت المدينة لتكثر حبات المعمول والقروش .

    تلتهب الشمس ، تتدلى أكثر ، تشعر بالشوك ينبت في حلقك ، ووخزه يمتد من أسفل الحنجرة ، إلى سقف الحلق ، يسقط الحزن بأعماقك ، كسقوط الشلال في مصب الوجود ، تتحرك حاجتك للبكاء ، لكنك تشعر بوهن عارم في القدمين ، تسقط ككومة لحم على صخرة تتلظى غيظا وقهرا ، يسافر الوجع ليجول المقبرة ، لاما كل آلام الموت ، ليقذفه بصدرك.

    ترى ، لو لدغتني الأفعى ، أي مساحة من هذه الأرض ستكون حاضنة لجسدي ؟

    اندفع لفح القبة مرة واحدة ، تأصل وتمكن وترسخ ، اندفعت الروح نحو مساحات الحيرة والغموض ، تجذرت ، وتلوعت النفس بخفايا ضياع موبوء بضياع ، تهاوت الأشياء ، والرؤى ، والأزمنة ، والأمكنة .

    أين الحراذين التي هربت نحو الموت طلبا للحماية من الحياة ؟
    مأمون احمد مصطفى
    فلسطين – مخيم طول كرم
    النرويج – 1 – 9 -2007

  2. #2
    الصورة الرمزية سحر الليالي أديبة
    تاريخ التسجيل : Sep 2005
    الدولة : الحبيبة كــويت
    العمر : 38
    المشاركات : 10,147
    المواضيع : 309
    الردود : 10147
    المعدل اليومي : 1.49

    افتراضي

    أستاذي الفاضل" مأمون":

    لنصوصك دوما رائحة الحزن والألم ...
    وكأن بين كل كلمة وكلمة قطرات من دموع ....بل غيمه من بكاءوآهات....

    الا إني أدمنت حرفكــ وقلبكـ

    سلمكـ الله وحفظكـ من كل حزن

    تقبل خالص تقديري وألف باقة أوركيدا

  3. #3
    أديب
    تاريخ التسجيل : Apr 2006
    المشاركات : 9,079
    المواضيع : 101
    الردود : 9079
    المعدل اليومي : 1.38

    افتراضي

    مأمون........الرائع
    لغة المقابر..ربما لايعرفها سوى حفار القبور..
    استمع الى هذه الترنيمة السيابية/ حفار القبور

    وهز حفار القبور
    يمناه في وجه المسا، وصاح:رب ! اما تثور
    فتبيد نسل العار..تحرق،بالرجوم المهلكات،
    أحفاد عاد،باعة الدم والخطايا والدموع،
    يارب..ما دام الفناء
    هو غاية الاحياء، فأمر يهلكوا هذا المساء!
    سأموت من ظماء وجوع
    ان لم يمت-هذا المساء الى الغد بعض الانان
    فأبعث به قبل الظلام................
    .............


    واليك وصف اخر سيابي/نفس وقبر
    نفسي من الامال خاوية جرداء لاماء ولاعشب
    ما ارتجيه هو المحال وما لاارتجيه هو الذي يجب
    قدر رمى فاصاب صادحة في الجو خرت وهي تنتحب
    من ذا يعيد الى قوادمها افق الصباح تضيئه السحب



    دمت مبدعا

    محبتي لك
    جوتيار

  4. #4

  5. #5
    شاعر
    تاريخ التسجيل : Nov 2006
    الدولة : سوريا ..حمص
    العمر : 51
    المشاركات : 1,617
    المواضيع : 37
    الردود : 1617
    المعدل اليومي : 0.25

    افتراضي

    يولد الإنسان حزيناً


    ويفنى حزيناً


    كل الأقلام تترجم الحزن
    وتأخذ نصيبها من أرواحنا المتعبة


    وفي النهاية البقاء للأجمل


    أنت الأجمل يا مأمون
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
    أهداب الليالي شكراً

  6. #6
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    العزيز جوتيار

    للسياب نكهة تشيه نكهة المقامات العراقية ، وله روح تتوحد مع اختلافات المشاعر والحب والالم والضياع ، لكنه يبقى شاهرا النخيل كعلامة في وجه الموت والفناء .

    لك كل المحبة والود

  7. #7
    الصورة الرمزية د. عمر جلال الدين هزاع شاعر
    تاريخ التسجيل : Oct 2005
    الدولة : سوريا , دير الزور
    العمر : 50
    المشاركات : 5,078
    المواضيع : 326
    الردود : 5078
    المعدل اليومي : 0.75

    افتراضي

    يا لها من لغة
    و يا له من بيان
    و يا لك من مُجيد لما تخط
    أدهشني الإتقان المتفرد في حرفك وفكرك
    وفكرتك
    فدم بخير
    نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

  8. #8

  9. #9
    الصورة الرمزية سهير ابراهيم قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    الدولة : اوروبا* فلسطينة*مولودة في لبنان
    المشاركات : 561
    المواضيع : 19
    الردود : 561
    المعدل اليومي : 0.09

    افتراضي

    حروف رائعة رغم مضمونها المألم
    ولكن مزجها مميز
    احترامي وتقديري
    * كتبت الشعر فيك لكن عجزت أوصف معانيك*
    * الناس توصف بالشعر والشعر يتوصف فيك*

  10. #10
    قلم نشيط
    تاريخ التسجيل : Jul 2005
    المشاركات : 320
    المواضيع : 85
    الردود : 320
    المعدل اليومي : 0.05

    افتراضي

    الاخ علي اسعد

    بين البقاء والجمال ، لغة الذوق التي مننت علي بها

    مع كل المودة والتقدير

صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

المواضيع المتشابهه

  1. يوح 4
    بواسطة مامون احمد مصطفى في المنتدى النَّثْرُ الأَدَبِيُّ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 20-05-2016, 12:19 PM
  2. إطلالة على ديوان "ضجيج على قارعة الصمت" لمختار محرم
    بواسطة عبد الله محمد الشميري في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 22-03-2015, 01:40 AM
  3. مجرد""""كلمة"""""ترفع فيك أو تحطمك........!
    بواسطة أحمد محمد الفوال في المنتدى الاسْترَاحَةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 28-05-2009, 11:27 AM
  4. رواية أوزار اهل السامرة -الفصل الاول-"ضجيج الصمت"
    بواسطة مروان الطيب بشيري في المنتدى القِصَّةُ وَالمَسْرَحِيَّةُ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 04-09-2008, 01:21 PM
  5. أيها المارون خلف المقابر
    بواسطة جهاد عفانة في المنتدى فِي مِحْرَابِ الشِّعْرِ
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 06-05-2008, 09:17 AM