حين تمطر مكة..
مكة تبعث الخشوع , وتبعث السكينة ..
وتنثر أحياناً زخات من الفرح فجأة ودون مقدمات ..
لكنها حين تمطر تصبح أكثر خشوعاً , وأكثر سكينةً ..
وتزداد زخات الفرح
تهدأ الشوارع ..
ويصمت الضجيج
وتفوح رائحة الثرى المبلل بالمطر ..
ويخرج الصغار في الطرقات
ينشرون أياديهم الصغيرة صوب السماء
ويضحكون ..
ويصرخون
وتتسلل الخواطر عبر النوافذ
وتخطو المشاعر فوق الزجاج
والمشاعر المقدسة في الجهة الأخرى تنعم بالنقاء أكثر
بالصفاء أكثر وأكثر ..
المطر يعيد لها نشوة الفتح والنصر الأول العتيق
يُرفُ الجبالَ والتلالَ بمنديل أبيض يقق شفاف معطر
يُكسب المصابيح المشعة الصارخة
مسحة القمر في المساء ..
أو مسحة الشموع
المطر ينفض عنها الأغبرة الرمادية ..
ويزيل عنها عناء الأنفاس والساعات
ويكسبها رذاذاً طاهراً زكياً ..
له آثارٌ ونفحات
أشجار مكة في المطر ساجية ..
لكنها ترتعش.....
والكعبة أيضاً ترتعش خشوعاً ..
يزداد ثوبها لمعاناً ..
يبرق السواد نوراً يخطف الأبصار
والطائفون حولها حمامات سلام
فلاهزيج ولادوي ..
غير بلابل حب الإله تغرد في كل مكان
والقبة الزرقاء تنثر أوراقاً من أوراد الياسمين في كل زاوية وباحة
وتزداد العصافير شقشقة ..
تطاير معها لهفات متلاحقة من التسبيح في هدوء مُؤثر كالطيف
تزداد به أرواح الساجدين لذة ممتدة في غمرة استرواح ..
من عبير جنة مخفية لها نفحة بَرَد
وهناك عند المقام ..
تتبلور الزخاتُ ضوءاً مُكوراً مُبتلاً ..
تسقط بكثافة ..
فتنكشفُ الصورةُ أبهى
وتنكفءُ الأكفُ في بكاء صامت لامع ..
يبللها المطر
وأروقة الحرم تختبيء حياءً ..
خلف ستار المطر النازل
وينتفض زمزم غيرةً لكنه ..
يختلط بقطرة واحدة فيتجدد فيه السحر..
والسر
- سره الدفين المعتق -
بسر الإله في الرحمة المنتشرهْ
وعلى الصفا منابرُ الجلال تفوح ..
إلى المروهْ
وبينهما تختلط النجوى بالنشوهْ
ويرفرف البهاء في قدسية وخشوع ..
وصفاء
وينتهي المطر
فأعود للتأمل ..
أُمسكُ الكتابَ المُبين المُطهر
المعطر..
فتعودُ قطرةٌ تَسقطُ في كفي ..
تبعث البهجة
وتنبعث نحوي طفلةً تجري ..
تقبل رأسي ثم تفر ..
تفر إلى مجهول
أظل بعد هذا في اندهاش وذهول !
حين تمطر مكة ..
أشعر أني في قلب ربي
فيا رب مكهْ
زدها رحمةً ..
ومحبهْ