ذهبت إلى مكان اشتاقت إليه منذ زمن بعيد ، أخيراً عرفت العنوان تراءى أمامها ما حلمت زمناً ان تصـل إليه ، عليها أن تصعد بعض الدرجات لتصل إليه عبر فناء أمامه .
وجدت ان الدرجات قليلة وغاية في الطراوة وكانها تصعد على فراش ، وصلت ووقفت أمام الباب مشدوهة مترددة في ان تطرق الباب الذي امامها ، لكنها جمعت قواها المبعثرة ودقت على الباب الذي أمامها ، دقائق ثواني مرت فتح لها الباب وأطل عليها ودعاها للدخول وأبدى لها التحية مع ابتسامة وضحكة من عينيه وسيجارة يحملها بين اصابعه ، لم تعرف سر ما أصابها بعض القلق ، هل فعلاً ما يحصل بداخلها أمر عادي وطبيعي ، وما أثار انتباهها ان هناك على الجدران لوحات معلقة مرسومة باليد قالت في داخلها لا بد انها رسوماته فهو فنان معروف ومعلم للرسم ايضاً . بعد وقوف دام ثواني نظرت حولها واختارت مقعداً مفرداً لتلملم نفسها قدر ما تستطيع وبدأت تتجاذب أطراف الحديث لمعرفة شخصيته محاوره جزئياته تقرأه تدونه بدفاترها بأحرف غاية بالأناقة ، بعد مرور بعض الوقت وجدت انها مرتاحة وأن المقعد أصبح ضيق عليها ! لاحظ هو ذلك دعاها لتغيير المقعد لتجلس بمقعد أكبر ! إطمأنت وفعلت وجلست في المقعد الآخر وأكملا حديثهما ، كلمها عن طفولته ومراهقته وشبابه وأسرته وحياته وهي أيضاً أفصحت عن ما لديها من أخبار ومعلومات وجدت أنه يحب أن يعرفها فهو على مقدرة لإنتقاء ما يريد أن يعرف وينتقي ايضاً ما يريد أن يعلمها به وهكذا امتدت الجلسة مما دعا شالها أن ينسدل عن رأسها لم تلحظ ذلك لانها كانت منشغلة بما تسمعه منه وبذلك اصبحت اكثر هدوئاً ولا زال بداخلها خليط من المشاعر الرقيقة الصلبة الواضحة المبهمة ووجدت أن في وجههه الكثير من التناقضات والانفعالات والدخان المحترق بداخله الذي ينفثه بين الحين والآخر ، يتوقع هو انها تفهم عليه كما يريد لأنه ذكي بما وصل اليه من احساس بارتياحها وتناقضاتها – أراحته – حيث ايقن انها لا زالت تلميذة جديدة .
وبدأ بين الحين والآخر يستأذن ويغيب ثم يعود وبكل مغادرة وعودة يكون لديه شيء جديد ربما يكون معها وربما يكون ضدها لكن هي اصبحت في خوف من طرح سؤال إذا كانت اختلفت بالنسبة له ام هي حالة خاصة به وليست هي سبب بها ، أم هل عليها الاهتمام والإلحاح لمعرفة ما سبب اختلاف ملامحه لكي يعرف أنها لا تطيق أن تتركه دون سؤال مع محاولتها ايضاً ان تحمي مشاعرها من ردة فعل هي في غنى عنها إلى أن أصابتها الحيرة من موقفها لم يعد مفهوماً ! ولم تعد تعرف ما تقول – وجدت في نظراته توهان – سرحان – كأنه غائب وهو حاضر ، صغير وهو كبير ، ضعيف وهو قوي وبنظراته عدة أسئلة دون إجابـات ، إذا نظر اليها مباشرة تغرق بداخله دون وعي منه فكان يهرب بنظراته عنها وبدأ حديثه يتباعد وغير مترابط وفيه علامات استفهام !! استيقظت على احساسها بأن المقعد الذي تجلس فيه واسع جداً فانتبهت وعادت للجلوس في المقعد الأصغر لاحساسها أن هذا المقعد سيضمها براحة أكثر ، لم تجد تفسير يساعدها ، يثنيها ، مدت يدها لشالها واعادته على رأسها من جديد ولم يبقى لها إلا أن تستأذن بالخروج فلم يبقى معنى لبقائها مع انطفاء سيجارته واحتفاظه بجمود ملامحه وزجاجية نظراته لها .
لم تستطيع حتى أن تتكلم لم تعد تذكر الأحرف الهجائية اشارت بيدها له انها تريد المغادرة مد هو الآخر يده باتجاه الباب ! سارت بخطوات مرتبكة ولم تستطيع اغلاق الباب خلفها لعله تسعفه اللحظة وينادي عليها !!!!!! مشت الى نهاية الفناء وهي غير قادرة على النظر خلفها فمهما كان من أمر فكرامتها وكبريائها فوق كل اعتبار بدأت بنزول درج المنزل ، لم تعد ترى جيداً من ذهولها وكانت تلمع عيناها وهناك ما يبلل خديها مع علمها انها لم تكن تمطر وكانت تحاول ان توقف هذا التدفق من عينيها وتستوعب ما حصل لها ورأت أن الدرجات طويلة عكس ما رأته عند حضورها والأدراج قاسية عكس ما احسته اثناء صعودها ووصلت إلى الدرجة الأخيرة وكانت في كل درجة تسقط عنها تسترق السمع جيداً !! بالرغم من الأصوات المحيطة هل هناك من ينادي عليها حتى لو بصوت خافت مخنوق علمت أنها كانت واهمة لأن الباب كان قد أقفل * !!!!!!!!!!!!!