أحدث المشاركات
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: حوار تم بين د/ يوسف ادريس وصحيفة الأهرام المصرية

  1. #1
    الصورة الرمزية ابراهيم عبد المعطى قلم مشارك
    تاريخ التسجيل : Aug 2007
    العمر : 70
    المشاركات : 170
    المواضيع : 45
    الردود : 170
    المعدل اليومي : 0.03

    افتراضي حوار تم بين د/ يوسف ادريس وصحيفة الأهرام المصرية

    حديث مع عميد القصة القصيرة د/ يوسف ادريس ****************************
    هذا الحوار الدسم بين عميد القصة القصيرة د/ يوسف ادريس وصحيفة الأهرام المصرية منذ
    سبعينات القرن الماضى والذى أعيد نشره فى كتاب لد/يوسف "عزف منفرد " ونظرا لأهمية الحوار
    أردت طرحه فى الواحة الحبيبة تعميما للفائدة وتحفيزا للمناقشة الجادة المفيدة .





    س: تقول الشائعات أن فترة المرض حولت الكاتب الكبير الى متصوف يرى الله فى داخله .. ثم جاءت كتاباتك الأخيرة شبه مؤكدة لهذه الشائعات . فماذا عن رد هذه التهمة ..؟
    ج: هذه تهمة لاأنفيها وشرف لاأدعيه .. فالذى لايرى الله فى داخله , ليس هو فقط غير متصوف أو غير مؤمن , ولكنه غير انسان بالمرة , ولست من أولئك الذين يحبون أن يتحدثوا عما يؤمنون به , فأنا فى داخلى معمل ايمان لايتوقف عن البحث والتنقيب , والتجريب والرفض , والعدول والقبول , معملى هذا غير ملتزم بإصدار نشرة دورية عن " أحدث " ماوصل اليه ! وأعتقد أن الشائعات صيغت بهذه الطريقة كى أبدو فى نظر الناس كأنى لم أكن مؤمنا بالله , ثم آمنت به أخيرا بعد المرض , ولكن كيف وضعت حيثيات خطيرة كهذه وأنا نفسى لاأعرف عنها شيئا ؟!
    بينى وبينك ..أنا لاأستطيع أن أضع إجابة محددة لهذا السؤال لافى الماضى ولا فى الحاضر ولا فى المستقبل .. أنا لاأكاد أعرف من أنا .. أعرف الله سبحانه وتعالى أو أعرفه للآخرين ؟ كل ماأستطيع قوله فى هذا المضمار هو أنى أكون _ فى معظم الأحيان – صادق الإيمان بالكلمة حين أكتبها وبالفعل حين أفعله .
    ترى .. هل أجبتك ...؟
    س:اتفق النقاد –وبما يشبه الإجماع – على زعامتك للقصة العربية القصيرة , إلا أن الناقد جبرا ابراهيم جبرا يقول إن قصصك مبنية على " رؤية روائية " بحيث تبدو القصة وكأنها " رواية مكثفة " ومن ثم فهو يعتبرك روائيا لا كاتبا للقصة القصيرة ...
    هل ثمة دفاع ..؟
    ج: أولا فلنستبعد حكاية " الزعامة " هذه ويكفينا ما يغص به عالمنا العربى من زعامات ..!
    ثانيا : أنا أوافق الأستاذ الكبير جبرا على مسألة " الرؤية " فالرؤية الروائية لاتختلف عن الرؤية القصصية القصيرة إلا إذا اختلف الإنسان الطويل عن الإنسان القصير , كلاهما إنسان , ولهذا فأنا أضحك عندما يقال هذا كاتب روائى وهذا كاتب أقصوصة كأن فى هذا نوعا من التعريف مع أنه فى رأيى نوع من اللاتعريف .. المهم فى الموضوع كله هو " الرؤية " سواء كان الشكل الفنى هو القصة القصيرة أو الرواية .. وعلى كل حال فإن القصة بنوعيها قد انفصلت تماما فى عصرنا الحديث عن جدتها وأمها .. أعنى عن الملحمة والحدوته .. صارت نوعا آخر جديدا له وظيفة أرقى بكثير من " طريق الندامة " و" سكة السلامة " والموعظة الحسنة .. ولكن هذا الموضوع يطول شرحه .. هو فى حاجة الى بحث ..
    ربما كتاب ..
    س: قلت مرة أن القصة فن دقيق جدا وخطير جدا ومتقدم جدا .. حتى على العقلية السائدة فى العالم اليوم , والبشرية حتى الآن لم تكتشف ماهية "القصة " .ز
    هل نطمح فى شىء من التوضيح ..؟
    ج: الفن بإعتباره نوعا من التكوين البيولجى للإنسان , لم يكتشف دوره تماما بعد .. وأعتقد أنه لن يكتشف إلا إذا اكتشفت كل أسرار الحياة ..
    ولنتأمل الحقيقة البسيطة التى تقول أن النبات يحزن ويفرح ويستجيب للموسيقى والحنان .. مادام هذا يحدث لأبسط أشكال الحياة .. للنبات ..
    فكيف الحال بالإنسان ؟ ألا تعتقد أن الفن يتخذ أبعادا أعمق ملايين المرات عند ذلك المخلوق الذى هو أرقى ما وصل اليه تطور الكائنات ..
    القصة –بالنسبة للفن – هي سلم التطور كله .. هى تقريبا أول فن يستجيب له الطفل ... ثم تظل معه فى رحلة الحياة يستجيب لها فى كل مراحل عمره , حتى وهو فى قمة نضجه .
    هذا النوع من الفن الذى يعمل على كافة هذه المستويات , لابد طبعا أن يتضمن كافة الفنون الأخرى .. اللغة .. الموسيقى .. وايقاع الحياة ..
    وتوهج الخيال .. وتغيير المكونات الداخلية الدقيقة فى الإنسان , جمالية كانت أو فكرية ..
    القصة تحتل – فى الفن – المقامات الموسيقية السبعة , ومن هنا فهي فن دقيق وخطير لم تكتشفه البشرية بعد .
    س: هذا يقودنا الى سؤال هام أدخلت نفسك فيه دون أن تدرى .. كنت تقول إنك أكثر ميلا إلى العزف على العاطفة البشرية , وأقل حماسا للعقلانية المحضة على أساس أن التأثير على الوجدان يحدث أثرا أعمق من التأثير على العقل .. لكنك فى الفترة الأخيرة أوليت المقال عناية خاصة بحيث جعلته أشبه بالدراسة المركزة , الأمر الذى شكل –فى رأيى – خطرا على انتاجك الفنى من ناحية ويناقض قولك الأول من ناحية .. فما قولك ؟؟
    ج: سؤالك هذا ليس هو الأول , تلقيت رسائل كثيرة تطالبنى بالكف عن كتابة المقال كيلا أهدر موهبتى القصصية والمسرحية .. لكن هناك عدة قضايا فى هذا الشأن .. القضية الأولى هى أن الكتابة ليست فقط شكلا فنيا .والكاتب فى عصرنا الحديث هو المنبه لقومه .. المقلق .. الموحى .. هو الذى إذا نام الناس صحا .. وإذا صحوا نام .. وإذا انحرفوا يمينا اتجه يسارا .. وإذا سدروا فى يساريتهم توسط أو أيمن .. إنه الضابط للحركة
    البوصلة .. العازف على الناي إذا كان للحكمة ناي ..
    القضية الثانية هى أننى لاأكتب بناء على تحديد دقيق لوظيفتى فى الحياة فلست أعرف لى وظيفة غير محاولة مساعدة الآخرين ليساعدونى ,وحين أرى عقل أمتى هو الغائب فلا أفكر لثانية واحدة فى أي شىء سوى أن أعتبر نفسى مجندا .. تماما كالمجند اجباريا فى القوات المسلحة للدفاع عن الوطن العقل .. أو العقل الوطن .. يجب أن تعرف أن ثمة هجوما رهيبا وبأشعة ليزر على الأمة العربية .. لاأعنى الأرض العربية فقط وإنما أعنى العقلانية العربية..
    عندما يكون عقل أمتى فى خطر , فلتذهب جميع الأشكال الفنية القصصية والروائية والمسرحية إلى الجحيم .. إن الكتابة ليست هزلا .. وإذا كنا قد دللناها وأسميناها أدبا أوفنون جميلة , فأعتقد أننا فعلنا هذا عن تخلف شديد فى ادراك ,ليس فقط ماهية الفن ودوره فى الحياة , بل ماهية الحياة ذاتها وقيمتها , الكتابة عمل خطير , إنها العقل والوجدان والروح تنسكب على الورق , قد أدركأعداؤنا هذا منذ زمن طويل , وتمكنوا من هزيمتنا فنيا وفكريا وسهل عليهم بعد ذلك أن يهزمونا عسكريا , الهزيمة كانت إنسانيا أولا , لأن الإنسان هو الذى يقاتل وليس سلاحه , الجزء المقاتل فى الإنسان هو إرادته , والكلمة الصادقة هى إرادة الإنسان , عندما أقول الكلمة فإنما أعنيها بمعناها الواسع الشامل لكافة مايحرك النبضة فى الكائن الحى ..
    إنى أعتبر نفسى مجندا للدفاع عن عقلى وكيانى أولا , لكى أدافع بهما عن عقل بنى وطنى , وحين يصل الأمر إلى مرحلة الإلتحام بالسلاح الأبيض وأنعزل أنا فوق السطح لأكتب قصة أسلى بها المحاربين , أعتقد أن المسألة تصل عندئذ الى درجة الخيانة , أما عن المؤرخين فإنهم أحرار إذا ماأعتبروا ماأفعله هو العبث بعينه لأننى –كما يقولون – أهدر موهبتى القصصية والمسرحية فيما يسمونه كتابة المقالات , ومن يدرى ربما لم يبق منى – اذا بقي شىء – إلا مايقال إنى أهدره
    س:سمعتك مرة فى إحدى الندوات تقول أن مشكلة " الخطيئة " مشكلة أجنبية غريبة علينا ومع ذلك نعالجها فى أعمالنا الفنية .. بينما المشكلة التى نقابلها فى مجتمعنا هى " الحرام " والفارق دقيق بين الخطيئة والحرام , ولكنه أساس .. ثم دارت مناقشة جانبية فى الندوة نسيت بعدها أن تقول لنا عن هذا الفارق .. ألا تعتقد أنها فرصة الآن لتكمل مابدأته ؟
    ج: الخطيئة بشكلها المسيحى تتضمن أن الإنسان كائن خاطىء بطبعه .. وقد جاء الإسلام ليغير هذا المعنى , ثم طورت المدارس الإسلامية هذا التغيير الى فكرة " الحرام " ومعناها أنه ليس هناك خطيئة أبدية ولكن هناك أفعالا حلالا وأفعالا حراما .. وهذا الفهم أكثر عدلا بالنسبة للإنسان وأكثر تحررا لإدارته ..
    لكن أغرب مافى الأمر أن الديانة المسيحية – وفقا لتعاليم السيد المسيح عليه السلام – ترفع هذه الخطيئة عن كاهل الإنسان باعتبار أن السيد المسيح قد حمل عن البشر خطاياهم كلها , بينما ارتدت المذاهب الأوربية المسيحية الى فكرة أن الإنسان كائن خاطىء أساسا لتستطيع أن تحكم قبضتها على الناس .
    س"فى كتابك القيم " اكتشاف سارة " حللت الشخصية الألمانية والشخصية اليابانية .. قلت أن الأول تتحكم فيه عقدة التفوق بينما مركب النقص هو الذى يتحكم فى الثانية .. ترى .. ماأهم مزايا وعيوب الشخصية العربية فى رأيك ؟
    ج: الشخصية العربية تختلف عن الشخصيتين الألمانية واليابانية .. هى شخصية –كما يسمونها فى علم النفس – الاكتئابية المرحة .. تتردد باستمرار بين المرح والإكتئاب .. نحن لانحتمل الحزن طويلا ولا نحتمل المرح طويلا .. فى حالة حزن اذا مرحنا وفى حالة فرح إذا حزنا ..
    وأهم عيوب الشخصية العربية هو التعقل .. نادرا مانصاب بالجنون .. نكتئب حقا حين تسوء الظروف .. لكنها لاتجن .. لاتجد عندنا أحدا ينتحر مثلا .. هذا العيب نفسه هو الميزة .. نحن شعب عاقل جدا لأنه متوازن .. وهذا هو السبب الذى جعلنا نعيش كل هذه الآلاف من السنين – تحت أسوأ الظروف – دون أن نفقد شخصيتنا .. دون أن ننتحر .
    س:مالذى ينقص أدبنا ليصبح أدبا عالميا ..؟
    ج:هذا السؤال أجاب عليه زميلى وصديقى الأستاذ الطيب صالح أجابه فى جملة أوافقه عليها تماما .. العالم ليس هو العالم الكبير الذى يشمل البشرية كلها .. بل هو الذى يبدأصغيرا ثم يتسع .. والمفروض فى الأديب أن يخاطب العالم الصغير ..عالمه .. فإذا نجح فى مخاطبة عالمه فإنه يكون بمثابة من نجح فى مخاطبة العالم كله ...
    وأقول لك شيئا .. إن أهم مافى الأمر هو الصدق .. هل نحن صادقون حقا فى مخاطبة عالمنا ..؟ إن صدقنا سنصل اليه .. وإذن .. علينا أن نحاول الوصول إليه أولا .. ثم نفكر بعد ذلك فى الوصول الى العالم الكبير
    **********************.
    بالإيمان والعلم والعمل تتقدًس الحياة

  2. #2
    الصورة الرمزية د. نجلاء طمان أديبة وناقدة
    تاريخ التسجيل : Mar 2007
    الدولة : في عالمٍ آخر... لا أستطيع التعبير عنه
    المشاركات : 4,224
    المواضيع : 71
    الردود : 4224
    المعدل اليومي : 0.68

    افتراضي

    شكرًا لك أيها الكريم على نقل هذا الحوار العاقل الثرِ للرائع الانسان يوسف إدريس

    للرفع للاستفادة والإمتاع

    يرعاك ربي
    الناس أمواتٌ نيامٌ.. إذا ماتوا انتبهوا !!!

المواضيع المتشابهه

  1. حوار أدبى بين د/ يوسف ادريس والمفكر السويسرى دورنمات
    بواسطة ابراهيم عبد المعطى في المنتدى النَّقْدُ الأَدَبِي وَالدِّرَاسَاتُ النَّقْدِيَّةُ
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 16-09-2014, 07:31 PM
  2. الأهرام المصرية تكذب بخبر تونسى
    بواسطة رضا البطاوى في المنتدى الحِوَارُ السِّيَاسِيُّ العَرَبِيُّ
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 19-10-2013, 09:37 PM
  3. ذكرى تشيكوف العرب يوسف ادريس
    بواسطة صادق ابراهيم صادق في المنتدى قَضَايَا أَدَبِيَّةٌ وَثَقَافِيَّةٌ
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 05-09-2013, 07:02 PM
  4. عًٍ ى دًٍ
    بواسطة اسماء محمود في المنتدى أَدَبُ العَامِيَّة العَرَبِيَّةِ
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 28-10-2008, 04:11 PM