"هذيان امرأة بين مطرقة الواقعـ وسندان الحـبـ "من "مجموعة رسائل قابلة للحرق"آه منك أيها الصديق ،كيف أخبرك أنني بخير وأنا لست كذلك، ففي ليلتي القمرية هذه اختفى كل شيء من أمامي ولم يعد هناك مكان لغير الذكرى، اليوم سأبوح لك بسر حكايتي التي ابتدأت مند أزيد من سنتين ،قال عني الكثير أنني متهورة لأنني امتهنت الحب في زمن لا يؤمن بالحب، قال عني الكثير أنني غبية لأنني وهبت قلبي لرجل، وقال عني ذلك الرجل أنني حياته، أحلامه المنسية التي كانت غائبة عنه لزمن غير أنه عانقها فيَ، وقلت له أنه زمني الذي فر مني في لحظة عتاب، صدقني وصدقته وكذبنا الجميع .أتعتقد أنني كنت غبية حين صدقته؟ لست أذري ،كل ما أعرفه الآن أنني في هذه اللحظة أدركت شيئا كان غائبا عني، أدركت اليوم أنني لم أعد أحب أنا أكثر مما أحب الغير كما تعودت، كنت دوما مع ذاتي أمنحها إحساسا بالأمان، أقول لها دوما أنني بخير وأصدقني حين أقول ذلك ،عندما أرى وجهي في المرآة أحسدني لأنني استطعت أن أعيش معي كل هذه الأعوام دون أن أمل مني، فما الذي جرى.؟
معجزة ان تحمل زمنا على كاهلك أيها الصديق وتنتقل به دون أن تقع، معجزة أن تجعل الآخرين يصدقون أنك راض عن حياتك وأنه لا ينقصك شيء، سوف تجد دوما من يوقفك في طريقك ليسألك أأنت بخير.؟ وقبل أن تجيب يفر الجميع من أمامك وكأنهم يعرفون ذلك الجواب الغائب. سألت يوما نفسي أمام مرآتي أأنا بخير ؟وقبل أن أجيب خبرتني أنا الحاضرة أنني لست بخير غير أن أنا الغائبة خبرتني العكس، فمن أصدق. ؟من جديد أعانق حيرة السؤال وكأن العالم ميدان أسئلة لا تنتهي سوى بموت. أتصدقني حين أخبرك اليوم أنني لم أعد تلك الفتاة التي كنت تعرفها، وأنني تغيرت أكثر مما كان لزاما علي أن أتغير، أصبح جزءاً من وجهي خفي وما بقي منه أحاول أن أجعل الجميع يختلفون حوله ملائكة وشياطين، هذا هو الكون الذي أسبح فيه كل يوم، غير أن يومي هذا مختلف فملاكي مازال يحرسني وكأنه على علم بما يسكن بأعماقي من شر .حاولت أن أجنب كل من أحب شري، غير أن الحب يتحول أحيانا لجنون مبتدع في لحظة هذيان، حصل معي ذلك ليلة أمس كان الهاتف يرن، وكنت على وشك أن أمسك بسماعاته حين أخبرني المارد الساكن بأعماقي أن أأجل ذلك، انتظرت منه أن يتوقف عن الرنين فخرس بعد بضع دقائق ليبدأ هاتفي النقال بالرنين ، ابتسمت بأعماقي يقينا مني أنه هو المتحدث ،تلذذت بجعله يحترق بنار الغيرة التي أعرف جيدا أنها تكوي جلده ، سعدت بأعماقي لأنني مازلت أملك القدرة على الانتقام منه بوسائلي الشرعية، أقفلت الهاتف كي يكون انتقامي منه أشد هذه المرة وجلست أمام شاشة التلفاز أراقب بهدوئي المعتاد كل ما يحصل. بعد دقائق معدودة كان الباب يفتح جلست بمكاني وكأن الأمر لا يعنيني دخل وقبل أن يسألني عن حالي استكشف المكان بنضرات يحسبني لا أعيها، سألته بهدوء ما الذي جاء بك باكرا اليوم.؟
أجابني بصوت غليظ:
-أين كنت؟
-في البيت فلم أغادره.
-ولماذا لم تجيبي على الهاتف.؟
صمت لبرهة من الوقت كي أزيد من ألآمه أكثر
-لم أسمع رنين الهاتف لعلي كنت في المطبخ ساعتها .
رمقني بنضرات رهيبة وقال :
-وهاتفك النقال ما الذي حدث له. ؟لماذا لم تجيبي عندما هاتفتك فيه.؟
قلت له ببرودي المعتاد :
-وكأنك لا تعرف عادتي، أكره أن أجيب على الهاتف حين لا أعرف رقم المتصل ،وقد أخبرتك بذلك أكثر من مرة وقبل أن يسأل مجددا سألته سوف تبقى على الغداء.؟
تطاير الشر من عينه وقال:
-ولماذا تسألين هل تركت شيئا خلفك وتريدين أن تتمميه؟
-فقط أردت أن أعرف إن كنت باقٍ كي أعده لك
قال بغضب:
-ألم تعدي الغداء بعد؟
أجبته ببرود:
-ليس بعد فلم أحسب أنك قادم للغداء اليوم .
سكت طويلا قبل أن يقول:
-ها أنا أتيت هل قاطعت مشاريعك.؟
اتخذت الصمت وسيلة للرد هذه المرة وتوجهت نحو المطبخ. قد تتساءل في سرك عن سبب كل هذه السؤالات التي لا تفيد في شيء، وهذا الغضب وهذا الإصرار مني في جعل الوضع يبدو متأزما بالرغم من سهولته وسوف أخرجك من حيرتك، تذري صديقي أن الرجل الذي وهبته أجمل سنين عمري يشك في إخلاصي، يشك في محبتي له وفي أشياء كثيرة ،لم يعد هو ذلك الحبيب الذي انتظرته لزمن، فقد اكتشفت عادته هذه بعد فوات الأوان ، يحرق جلدي دوما بسؤالات لا تنتهي وفي نهاية المطاف يلقي بكلمة "آسف" في وجهي وكأنها سوف تشفي جراحي، مؤخرا لم يعد يلقي بالا للجرح الذي يخلفه فيَ وتناسى الأسف، فخطر ببالي أن أجرحه كما يفعل بي والبداية كانت سهلة، فما أسهل إيلام الآخرين وما أصعب أن تشفي الألم التي تلحقها بهم.كنت أعرف أن الشك يقتله وكنت أتلذذ بجعله يقتل أمامي مرات ومرات فقد تأذيت منه أكثر من مرة وما عدت أستطيع أن أتحمل، فكل شيء جميل فيه تحول اليوم وما عاد فيه شيء يساعدني على الصمود أو حتى على محاولة التغيير منه، فحبيبي مقتنع أنني لم أعد أنا التي أحبها مند أول يوم كما أنا مقتنعة من أنه لم يعد هو الذي أحببت، فكيف السبيل للخروج من هذه الشرنقة التي تلف كل منا بعيدا عن الأخر.؟ فكرت وفكرت وبالنهاية قررت أن أخاطب صديقي الذي كان أقرب مني إلي قبل أن يكون حبيبي ورجل حياتي، قررت في ليلتي القمرية هذه أيها الصديق أن أقول لك أنني أحببتك أكثر من أجمل ذكرى جميلة في حياتي، حتى أنني أحببتك أكثر من نفسي ،فكيف استطعت أن تحول هذا الحب بداخلي لشر كبير يريد أن يطيح بك كي أنعم بالراحة .؟كيف استطعت أيها الصديق أن تجعلني أدمن الانتقام منك.؟ فكلما جرحتك أجرحني قبلك، وكلما آلمتك أتألم قبلك، كيف استطعت أن تنسى كل الحب الذي منحته لك وتسحقه في لحظة شك طائشة.؟ أنا يا صديقي ليس لي في الحياة سواك، قد جعلتك فوق الجميع وتناسيت الجميع فلماذا تريد أن تتساوى مع الجميع وتجعل من نفسك الأدنى مع أنك في القمة عندي.؟ فكلما رأيت نظراتك تبحث عند دخولك الباب أتمزق بداخلي ولا استطيع أن أخبرك بما تفعله فيَ كي لا أزيد الوضع سوءا غير أنني الآن لم اعد أتحمل،لم أعد أستطيع أن أتحمل نظرات الشك والعتاب، لم أعد أستطيع أن أتحمل تلك الأسئلة الغبية التي تلقيها على حجري وكأنني في مخفر الشرطة ،ما عدت أتحمل هذا القيد الذي تلف به معصمي باسم الحب. فان كنت تحبني صدقا كما تخبرني في لحظات هذيانك الغير المتوقعة أخبرني بذلك دون أن تستفيق من نومك مذعورا وأنت ترمقني بتلك النظرة القاتلة وكأنني كابوس يجثم على أنفاسك ليسرق منك راحتك، إن كنت قد تناسيت من أكون فما زلت أذكر من تكون أنت بحياتي، وإن أردت أن أخبرك بذلك أطرق بابي واسألني عن حالي دون أن تسألني مع من خرجت، مع من تحدث، بمن التقيت، لأنني لا أرى سواك. إن كنت تحبني كما أحبك أخبرني بها سرا كما كنت تفعل أيها الصديق في أولى لقاءاتنا، فما زلت أذرك كيف أقرأك دون أن تتحدث، أخبرني أنك مازلت تحبني وأن هذا الشك مجرد قربان تقدمه لي في كل الدقائق كي تخبرني أنك تحبني أكثر، لأنك مهما أحبيتي سوف أبقى دوما أحبك أكثر فأنت كل عمري الذي فات وما بقي منه .أتمنى أنه بمقدورك أن تقرأ رسالتي هذه دون أن تحرف منها كلمة، اقرأها بقلبك لأنني كتبتها لك من أعماق قلبي ولا يذري ما بقلبي سواكَ.
أَحْبَبْتُكَفيـ يوم غائب عن مدار الزمن، في لحظات صراع بين عقارب ساعة مميتة كتبت هذه الرسالة.
]