في إحدى الليالي .....أطل القمر من نافذتي وتساءل عن ذات الفستان الأزرق قلت له من هي ؟
وأردف ,, تلك التي على راسها تاج من اكليل القرنفلي الأبيض ..قلت من هي قال ..صاحبة العقد الكهرماني و الذي كان يطوق بعناية ورقة جيدها المرمري العالي ..أجبت .. إنها ...إنها ذهبت مع الغروب ...
وآخر من رآها تلك الغمامة التي ظللت هامتها عندما نزلت البحر و رمال الشاطئ التي أستبقت آثار خطواتها قناديلا ..والموج الذي أعاد حذائها ..والنوارس التي تنبأت بقدوم زوارق الصيد العائدة من بعيد وقد عثرت على رائحة عطرها بين زعانف السمك والشبكة ..والصخرة التي لم تشأ ان يدفعها التيار على جوانبها المدببة ..وآخر من شاهدها كان النسيم الذي حمل صدى الفقاعات التي فقأتها ذراعيها وهي تلوحهما لقطع مسافات طويلة نحو جهة لا تعرفها ..آخر من شاهدها الجزر عندما أغراها بنزول البحر ...والمد عندما حل محلها في الساحل وسحبها الى الخلف والخلف هو الأمام في البحر ..وأي بوصلة قد لا تعي الإتجاه في عرض البحر ........
ولكن ماذا عن السفن العابرة والتي تحمل السلع الغابرة ..وإن كروية الأرض تعيد الينا ضياعنا وتضيع هدانا ...ليس للبحر ساعة لحظر التجول ..ولكن في عقولنا أقفال تنفلت من مفاتيحها في لحظات ما ...آخر من رآها وصل الشاطئ بعد فوات الأوان وعاد يبحث عنها متتبعا رائحة الأثر على الرمال وزوج حذائها الذي طردته الأمواج ......قيل أن صاحبة الفستان الأزرق تركت صورتها على الغمامات المسافرة في الهطول ولم ينتبه أحد للمعان صوتها الذي تلألأ بين أطياف الزبد ..شيء ما كان يلمع من هناك في إحتراق الغروب الذهبي تسلل الى نقطة دجى التي غرقت في مطر أغتسلت فيه الذاكرة وكان الصباح ضيفا جديدا في شاطئ الصمت الذي أطرق رأسه لمعاودة إرتجاف الموج وخطوات أخرى تعانق البحر....
في الضفة الأخرى كان الأمر مختلفا ..تجمعت النوارس حول نقطة لم يظهر منها سوى نتوء لا تبدو معالمه ... الصورة لمن رصدها عن قرب كانت كالآتي ..في كيفية أن الجميلة تجاهلت كمائن الحوت , وخنقت في أعماقها الخوف من الموت ...وغرزت أصابع صمتها في حنجرة الصوت ..خصلات شعرٍ مشبعة بأصباغ الطحالب وزعانف بنفسجية عالقة بطرف سفلي للثوب..وخدود كبتلات الزهر المتبل بالندى عاكسا الشعاع الفتي لشمس الضحى وكأنها لم يلامسها أجاج الزبد الجامح المرافق لها طيلة الوقت ,, سر الوقاية و معجزة السحر ,, تكمن في طهر ذاك الأجاج..وجبين ينبئ بسر خام بل رغم بهائه وتسييره دفة السير كان يبدو كمسحة مسك معتق ...وأما الفستان الأزرق قد سطا على لونه البحر مما كشف زيف زرقته مع انه حاول كثيرا ان يبرئ ذمته من هذه الزرقة ...ولأن الخبر دائما يسبق البرق ..لقد علم الجميع بأن ذات الرداء الأزرق نزلت البحر الذي أودع الأمانة ثانية الى البر ...ولكن شيئا ما كان مختلفا هناك ..
بسبب الجميلة غرق البحر لأول مرة بنظرات الجموع ..النوارس التي اصطفت حولها لم تقترب منها ..وكأن الروح تطرد الأرواح الأخرى التي لا تتوافق مع فسيفسائها الضوئية ..نبضات قلبها التي كانت تعزف على أوتار العلم بالشيء ..دقاته كانت توحي بأنها مازالت على قيد الحياة بكل قوتها الكهرومغناطيسية طردت النوارس .. وكان يطوف عليها غلمان من ضوء الضحى ...عندما وصلوا الذين سمعوا بأنها نزلت البحر ...لم يبق في تلك الميناء فردا سوى عجوز أنهكه الإعياء ..
رضيع نائم في المهد ...
جندي عاد من الحرب الأخيرة مشلولا وأكتفت الدولة بوصفه بطلا ضحى بحرية أطرافه حتى لا تتخثر دماء الديمومة في عروق السلطة الحاكمة ..
ولا يهم اذا كان الوطن عنصر محايد في هذه القضية التي شلت فيه اطراف الوطن منذ زمن ..لقد تخلف من الحضور أيضا عربيد لا يهمه من الحياة سوى الأكل والشرب و يعيث في زوايا القهاوي نميمةً ووشاية ونقل الكلام ...لم يبق احد إلا و جاء الى شاطئٍ كان يحتضن الجميلة ....
تباعدت النوارس على اثر خطوات المجموع وكأنها تقول ليس لي مكان بقربها وربما كانت تحمي الجميلة من لدغات القواقع الحلزونية وهذه حكمة أخرى من حكم الله التي لقنها للكائنات ...فهيبة الروح هيبة وما أدراك ما الروح ..والروح كما ذكرها الله سبحانه وتعالى بأذن ربه ..وكانت هذه الروح كفيلة بطرد ذوات الأرواح التي تقتنص الجسد في حالة خلوه من الروح ..كانت ضمن المجموعة امرأة تحمل طفلا عمره ثلاثة سنوات وقد تأخر في النطق عن المألوف ولكنه عندما رأى الجميلة نطق و قال ..أهذي هي التي تجرأت بنزول البحر ؟
الدهشة كبلت الجميع وبدأت ترتفع المتمتمات وفجأة نسوا الدهشة الأولى عندما لمحوا حركة ما في الكف الأيمن للجميلة التي رفعت يدها الى السماء لتقول الحمد لله وكأن الغرق هو النجاة حتى لو كان على هيئة غيبوبة بدلا من التواجد الحيوي في أماكن تسحبك الى أسفل الأرض قبل ان تذوب المسافات بينك وبين اللحد........وأجفلت الجميلة الآتية من الشاطئ الآخر في غيبوبة أخرى .........