جناحان يطيران معا ، لكنهما يقينا لن يلتقيا ، وقد يظن من لا دراية له أنهما يتعانقان من نشوة الفرح حين يهم القدر بتسييرهما حيث أراد ، وأين هما من ذلك؟! إن ذاك الخفق منهما ما هو إلا لطمة أيم عقمت وما هي بعقيم ، وصرخة عربية ثكلى ترى سراديب الذل ملأى بالرجال ، ودمعة شريفة غرر بها حرف ، فإذا هو مسطر من ذي ظلف ومخلب !
إنما هي لطمات من لم يجد فكاكا من أسرلا خلاص من بعده إلا الحفر ، هي نغمة أسى خلا منها كل وتر ، ولم تعرفها الطير على الأفنان ، ولكنها تطلقها حين تهم بالطيران ، لـكم يحمل ذاك الخفق في طياته من معان شرقت بي وغربت .
ذاك الجرس أسمع منه حفيف الأمنيات التي تتراءى ، و قرع طبول المخاوف ،وحسيس الوساوس ، ونعيق البين ، و زأير القدر ... ، خفقة تنبئ بوشيك الوقوع من كل أولئك ، وكأنها أول نغم في سمفونية الأقدار .
جناحان يؤلماني حين يقتدحان كأني ريشة في كل منهما أعي ما تقوله القوادم للخوافي ، والميمنة للميسرة ، كلاهما يجأر بالشكوى ، فجناح من وحشة الليل وآخر من لفح الهجير ، كل جناح في غير سرب صاحبه ، وإن كانت الوجهة واحدة على اختلاف مواسم الهجرة بين السربين .
اخفق وطر حيثما شئت ، فجناحاك بعد ما بينهما كبعد المشرقين على الرغم منك ، وإن كانا متلاصقين .