مثلها..
مثل أرواق الخريف اليابسة أكاد أتنفس فإذا بي أتهشم..
مثل ثلوج الجبال الشواهق ، أحاول أن ألتقط فقاعات الشمس كي تذيبني ماء دافئا ، فإذا بي أهوي في مغارة مظلمة..
مثل أمطار الليالي الصاخبة ، أتسارع مع الريح فأسقط في الوحل..
مثل جنون بركان أحمر أفور فورته فتقذفني الريح في مكان سحيق لأتجمد ككتلة سوداء غير مرتبة..
مثلي أنا أبكي بكاء المحترق قلبا فتتجدد آمالي ومن ثـَمَّ آلامي..
وعلى وسن الشمس أحلم ، أندس بين خصلات شعرها المتموج كعزف مقطوعة حالمة تبرق في ثنايا الليل الساكن .
وإذا به يومي كأمسي ، غير أنه يبدو بحلة جديدة ؛ إذ توهمنا النشوة الآنية أن ثمة جديد يطرأ سيغير من السنين العجاف ، وإذا بها النفس تبتهج ثم أنكفئ أبحث عن شيء فلا شيء !
حاولت أن أتملص من طاحونة أيامي ، وأن أعدو خلف فراشات الحقول التي تتهادى بسكينة ، وأن ألتقط أزهار النوير لأعقد طوق خلاصي ، ولما أن أدرت قدمي باتجاه الرياح اللواقح تسمر قلبي.. أخوف ؟! أحنين ؟! أو أنه شك يستدر العطف فلا يبصر غير معالم الحياة واقفة مكانها لم تتزحزح إذ هو في مكانه لم يتزحزح..
يا لحملها الثقيل تلك التي ترجوني أن أظل قربها وألا أبرح مرابع وهمها الطاغي ، لم أشأ أن أغادر قبلا ، ثم أعياني المكوث بين أحراش مداراتها ، لم يعد بي متسع للحـُلـُم ، وها هو الكمد يأكلني بقايا أخيرة !
سأصرخ.. وإن سينعطف الضجيج بين زوايا الطيف الملون في فضاءات قلبي الحالم..
سأصرخ.. وإن لم تترتب أوراق عمري القادم ، وإن بقيت في ذات الدوامة أعزف بأشكال مثلثية حادة تصعد وتهبط..
سأصرخ.. وإن شارفت على الانتهاء ودق جرس الرحيل قبل الأوان..
سأصرخ.. وحقيقة واحدة تصمد ، هي أن صوتي ملكي ، أعلن به عن حالي متى شئت وأينما شئت ، وبما سيعقبه من سكون جميل مثل الربيع والقمر وأفياء الشمس .
سأصرخ.. ليتسلل الخريف أوراقي ، ولا خريف يأتي دون باقي الفصول ، فالحياة لا تنتظر منا أن نخلق أجواء ابتسامة أو ضحكة عميقة ، وإنما تجود بها طبيعة ً فنتحرك إعجابا بها فطرة ً .
خلود داود أحمد