..
..
رأيتُه في ركنه يعاقر الرياح
يساوم الفضاء بالنواح
رأيتُه كنخلةٍ مقصوفة السعف
يبكي ولا مجيب للصياح
فتنزف الدماء منه باكرا وينهض المساء
مسائلا:
يا أيها النديُّ
ما الذي يجيء بالوجع؟
ولا مجيب للسؤال غير دمعة الأسفْ
أواه يا أسيفْ
تمر في الميدان تحمل الأمل
منحدرا من عشك الورديِّ تمنح السلام
تقول لا عداء،، كلُّكم رفاق
وتمنح الرجال و النساء لهفة العناق
لكنهم قد زرعوا في دربك البهي كل شوكةٍ تقضُّ مضجعك
رأيتُهم إذ أجمعوا قرارهم
كأنهم ألقوك في الصحراء
وأغلقوا في وجهك الأبواب
ليمنعوك عن مدينة الرجاء
رأيتُهم يبكون موتك الرهيبْ
ويسرقون مهجعك
يا أحمد الأسيفُ
ما الذي برحلة الدموع صبَّرك؟
كم كنت أرجو أن أراك سيدا وجيه
لكنها الظروف والرياح ،، والرياح والظروف
تقودنا إلى الردى رغم الصراع والكفاح
يا نخلةً قد شدَّ فيها الطعن حتى ملَّت الرماح
مذ كنتَ طفلا وأبوكَ يغرس الجراح
وهبتَه الورودَ والحقوق
لكنني رأيتُه يرقص في إغماءة الفراق
مستهزئا ويسرق الغيب الذي قد أبعدك
يا أحمد الأسيفْ
لا زلت في الحياة أذكرك
وأسمع النايات تعزف البكاء
لا زال صوتك الشجي صادح الغناء
يصيح فينا أيها الرفاقُ
أين ظليَ الذي يغيب والمروج الشيِّقةْ
أسمعها فإنها أهزوجة كاذبة منمَّقةْ
هي الحياة قد تلين لحظةً
وغالبا في رحلة الدروب قد تقسو معك
فينهض البكاءْ
وأحمد الأسيفُ
واقفٌ بواحة الجفافْ
كنخلةٍ موحشةٍ مقطوعة الجذور
يغوص في الرمال
يقارع النزيف والجراح والسأم
والليل والشتاء والدموع والألم
وهاهي الأمراض حين تسكن الجسد
تبقى إلى الأبد
رأيتُه يسير في الشقاء
منتظرا قطاره الذي يقوده إلى العدم
وبعد رحلة مع الوجع
يجيئك العدم
فتسكت الشوارعُ التي رأيت في ظلامها العيون قد تقرَّحتْ
وتذبل الزهورُ تمنع العبير والشذى
ويوقظ الأطفال فينا حسرة الندم
وتغرق الأحلام في الذهول
ولم يعد في قلبنا ربيع
فكيف نحضن الحياة يا صديقنا
ونحن مذ فارقْتَنا نسير في دروبنا بلا يدين
والوردة التي عشقتها
أهدتك من حياتها الورود
أصابها الجنون والذبول
وأحمد الأسيفُ
كان فارسا جميل
يجوب في الميدان
كأشجع الفتيان
يستل لقمة الحياة من يد الزمان
يعود بالندى وعزة الكفاف
سمعتُه في آخر العناء
يقول يا حبيبتي
ضعي يديك فوق ظهريْ وامنحيني عطْفها
فإنني تعبت حتى ملني التعب
أريد أن أرتاح من حقيقتي
فتنزف الجراح منه بالدماء
وتسقط الدموع حتى آخر البكاء
وأحمد الأسيفُ
مات واقفا ومؤمنا وعاشقا يعاقر الرياح
سعيد العواجي
15/3/1431هـ
..
.