صرخةُ الأبطال
يُذوِّبُني على نأيٍ هواها
كأنّي لم أكن يومًا فتاها
تُذوِّبني إلى اللقيا شموسٌ
على أعتابنا ألقتْ رؤاها
تباريحٌ ـ ولو أخفيتُ شوقًا ـ
يُجدِّدُهُا مع اللقيا سناها
وما عهدي بقلبٍ ذاق وجدًا
بأنْ يسلو المغانيَ، أو رباها
تجاذَبَنا الفراقُ بكلِّ صقعٍ
وتهنا يومَ أنَّ الشّوقَ تاها
وبتنا نقرأُ "الحجراتِ" جهرًا
و"ياسينًا"، و"عمرانًا"، و"طه"
إلى أنْ ضمَّنا جمعٌ كريمٌ
به الأمجاد قلنا: مَن بناها؟
تملَّكنا الهوى، فهفتْ قلوبٌ
على أطلالنا تشكو جَواها
نفتِّشُ عن بقايانا، ونرجو
بأنْ نبني من الماضين جاها
تركنا الأرضَ تضحكُ في ليالٍ
بها ازدانتْ نجومٌ في سماها
وشُدنا للمعالي كلَّ صرحٍ
به تحلو العلومُ، ومَنْ حواها
فيا أهلَ النهى، بكمُ الليالي
تُنارُ، وينجلي فيكم دُجاها
خطوبٌ ما رأيتُ لها مثيلاً
حوالكُ مثلما تجري نراها
طواها ليلُنا الداجي بخبثٍ
فبانتْ مثلما يومًا طواها
وها هي ذي النيوبُ براحَتيْها
تُحطِّمُ كلَّ شهمٍ قد أتاها
ولكنّا مشيناها أباةً
(ومَنْ كُتبت عليه خطًا مشاها)
وتلك براعمُ الإبداعِ لاحتْ
وردَّدتِ النفوسُ هوًى صداها
روافدُ بحرِنا الهادي أماطتْ
لثامَ الجهلِ عن مدن غشاها
تعلَّقها الفؤادُ بكلِّ فكرٍ
وأجلى ليلَها فبدا ضُحاها
فأضحت منبرَ القلمِ المعافى
إليها الحقُّ في الدنيا تناهى
وشوقًا للكتاب به انتهجنا
سبيلاً شدَّ للفكر انتباها
ومن أمسيَّةٍ تحلو لأُخرى
"حديثُ الأربعاءِ" بها تباهى
بنينا للصَّحافةِ خيرَ دارٍ
به اخضلَّتْ، ونالت مُبتغاها
وللفنِّ العريقِ زهتْ رياضٌ
تلاقى المبدعونَ على حِماها
وتاهت واحةُ الأمجادِ فخرًا
بماضٍ زانها، وحمى قُراها
ومن حبٍّ لماضينا تغنَّتْ
تباريحٌ به شدّت عُراها
وللشعراءِ سِفرٌ سوف يرقى
بكلِّ قصيدة تحكي مُناها
وبيتٌ للكتاب غدا زهورًا
يضوعُ بكلِّ ناحيةٍ شذاها
وكم من مهرجانٍ قد أقمنا
به الشعراءُ قد صدّحَتْ رؤاها
فيا أهلَ النُهى، هذا حمانا
برغم الحاسدينَ علا، وباها
وهذي صرخةُ الأبطالِ تبقى
وتُخرَسُ كلُّ جوفاءٍ سواها