قد تكون الأعذار هي أصعب ما تبحث عنه، وقد تكون الصراحة هي أهون الطرق إلى ما تريد، قلها في كلمتين ولا تحاول أن تهون الأمر بمواساة ساعة.. لا تحاول أن تتهرب من قرارك ساعة أخرى؛ فالله خلقنا جسدا من طين، وبلغة الطب جسدا من نظام محكم دقيق، لكنه أودع فينا سرا عظيما لا يعلمه إلا الله، وروحي لا تنصت إلى الحروف على شفتيك، بل تنصت لروحك.. لتململها.. وكيف لروحي يا بني أن تسكن لعذب كلامك وهي ترى من روحك اضطرابها؟!
خفْقُ جناحيك بين يدي يطرب روحي، يعيدني إلى أمس وقبله، يوم كان جناحاي يخفقان مثلهما.. ويوم صدقت مع نفسي فعلمت أن الأحبة لا يقيدون أجنحة الطيور الحرة، لكن القيود عذر أنيق. لا تبحث عن الكلمات لتعفيك من قسوة أو هجر أو حتى جحود - توشك أن توصم بأيها، لن توصم بشيء بعدما أحاطك الحب بهالة من الغفران، فلا تبحث، لا ترهق نفسك وأنصت إليّ.. متى ما ارتد الباب وراءك لن تسمع هذه الكلمات ثانية، فأنصت إلي.
إن المحبة مراحل ومقامات، منها ما يرتد عند القسوة جرحا، ثم ينقلب كراهية عميقة، لكن الأسمى محبةٌ خالصة لذاتها، لا تتقلب بتقلب الأيام، ولا يتقد القلب بعدها بالكراهية. والإنسان يا بني فخور بذاته معتد بها، يحبها فوق كل شيء وكل شخص، يقبل على المحبة، فإذا ما أيقن تعلق القلوب به تنكر لها وجفاها ظانا أنْ غدا يلقى أرحب منها وأسمى، وهو إنما يتخذ لنفسه من الغرور والعبث ظلا، فما يلبث الغرور والعبث أن يغدوا أصلا، وهو لهما الظل!!
اضرب في الأرض ستجد قلوبا تسكنها، وقلوبا تسكنك، وستهدي المحبة –الخالصة لذاتها كما تخال- إلى قلوب ستنكرك بدورها وتنأى عنك باحثة عن قلب أسمى يهواها، وستتكبر على محبة وستتكبر محبة عليك، وسيجن عليك الليل فيسلمك لذكرياتك ووجيب قلبك، ستتمنى وأخيلة الليل تحيط بك أن تعود القهقرى لتسترد قلوبا جحدتها، لكن قطار المحبة ذو اتجاه واحد، والليل ادلهم!! ويسفر الصبح فتستعيد نفسك مع النور خيلاءها، وتنسى أن تتأملك في المرآة، وتمضي ممنيا نفسك بقلب كبير يستحق قلبك الكبير!! قف بني لحظة، وتذكر أن أخيلة الليل لا تزور إلا الشِّـيَّـب، وابحث في المرآة عن شيب قلبك، نح عنك الغرور لحظة وابحث، فإذا ما (أبصرته) انصرف عن غرورك، وقلب صفحات عمرك باحثا عن الله فيها.
لن يُقدِّر قلب في هذه الدنيا (المحبة الخالصة)، فالقلوب مثلك مشغولة بغرورها، ولن يقدر قلبك أن يمنح هذا الكنز كاملا إلا لواحد، وليس سوى الواحد من تأمنه عليه، فاختصر سني عمرك واختصر رحلتك، ولا تنتظر حتى يبلى كنزك بل اركن إلى السكينة في ظل محبته، وردد للشيطان إن هم أن يشغلك عنه: سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، منهم شاب نشأ في طاعة الله.
كن عظيما ولا تكن مغرورا، غدا ستدوسك الأقدام كما تدوس اليوم عظام أناس لعلهم كانوا أكثر منك غرورا، وغدا سينسونك، ولعلي أنساك أيضا، فاعمل لعلك لا تكون ممن ينساهم الله كما نسوا لقاءه في الدنيا.
كن عظيما، فالعظماء وحدهم كبار بلا غرور، والعظماء وحدهم لا يبلى في الأرض ذكرهم، والعظماء إن آمنوا واتقوا كانوا عظماء هذا الجسر وعظماء أَبَدِ ما بعده.
إليك الدنيا يا بني فانطلق، وتذكر أن تتأمَّلَكَ في المرآة!!
16-09-2009