احتضار قلم
أخذ قلمه، بحث عن موضوع يكتب فيه،معالم تراءت له أضغاث أحلام،قلب في سلة القمامة عن موضوع يلتهمه قلمه الجائع...
تجول في دروب المدينة العتيقة...بدت له المنازل تشكو من وطىء الزمن ...تنهد حسرة على تاريخ المدينة الضائع بين العمارات و الناطحات و الفيلات.
القلم يئن جوعا... يحكي مرارة أمانيه في أن يصبح كاتبا.
لقد قرر أن يصبح كاتبا لا شاعرا...
لايزال يذكر يوم نظم أول قصيدة و آخر قصيدة ، ذهب بها فرحا إلى والده ، صفعه على خده اليانع صفعة سمع طنينها من المطبخ ، فاهتز لها قلب أمه التي تعد وجبة العشاء.
"أعوذ بالله...ألا تعلم أن الشعراء يتبعهم الغاوون ، و أنهم في كل واد يهيمون ...و أنهم يقولون ما لا يفعلون.؟"
ودون أن يقرأ والده القصيدة مزقها إربا إربا.
كانت أول قصيدة و آخر قصيدة.
إنه اليوم لا يذكر من ذلك الزمن البعيد سوى أشلاء الورقة تتطاير في سماء الغرفة.
القلم يئن من الجوع،و صاحبه مكتوف الفكر ، عاجز عن إطعامه، المواضيع مستهلكة، فالكتاب لم يتركوا موضوعا إلا دونوه في بطون صحائفهم.
سئم القلم من صاحبه ، و سئم من تبريرات عجزه ،فقرر أن يكتب ليسكت جوعه بعض الوقت ، فقد طال انتظاره مركونا في جيب معطف صاحبه بلا شغل و لا مشغلة،غير ملإ الشبكات المسهمة و السودوكو.
قرر القلم أن ينتفض لتحسين ظروف عيشه، مادام صاحبه عاجزا عن توفير طعامه.
نزع القلم نفسه من بين أنامل صاحبه قائلا في ثقة و عزم:
- سأكتب ، نعم سأكتب ، سأكتب كل شيئ و في كل شيئ
سأكتب عن وطني يتقاسمه الوزير و الوزارات
سأكتب عن الناهبين و الناهبات ،سأكتب عن المرتشين و المرتشيات،سأكتب عن الأفواه المكمومة خوفا على أسنانها من البرد ، سأكتب عن الصفقات المشبوهة و البنايات المغشوشة...
سأكتب...سأكتب...سأكتب...
اشتعل القلم حماسا ، و دبت فيه قشعريرة الحياة بعد طول الجوع و البطالة...
بدأ القلم يكتب ، و قبل أن ينهي أول سطر عن وطنه على طاولة القمار ، أحس بضيق صدره و برمق الحبر يجف حرفا حرفا، فلفظ آخر أنفاسه مع آخر نقطة رسمها على الوزير و الوزارات و الوزارات....