وصية.. لوداع قادم
1
ملء الترقب كنت أنتظر الذي لم يأت
لا يأتي، ولن يأتي
وبين أصابعي
قلم الرصاص لكي أصحح وجهة الأشياء
مادام العناد مكابرا بي
والصهيل يطول في عيني مثل النخل ما فيه التواء
ملء الترقب كنت أرد نفسي نحو نفسي
باحثا عني كأني منذ أن أبحرت ضدي
لم يعد في اتجاه : لا شمال الروح قد يعني سواي
ولا جنوب الريح يعنيني
وكنت أرد نفسي نحو غيري باحثا عنا معا : أنا والغريب
لكي نقيم تحالفا : في الحب، في الذكرى،
وفي شيء من الكذب البريء من الكذب
2
أنا لست أنكر أنني رجل تساقط كالندى
وتفتحت فيه الجراح، وأزهرت فيه المدى
وبأنني رجع الحكايات القديمة والصدى
لكنني بادلتني بي
واستقلت من التطابق
وانخداع الصوت بالصمت الموارب
كم من المرات قلت أنا أنا
وأنا سواي
وكم من المرات عريت الكلام
من المجاز
من التشابه واستعارات المشاة على معان
لم تشيد بعد
لا أبكي علي ولا على هذا الغريب
ولست أرثي وجهتي
في العمر متسع من الذكرى
ومتسع من الفرح المؤجل
كلما أبحرت شرق الماء ردتني إلي مواجع الريحان
أعلم:
في الحقيقة كلنا موتى
ولكن الحقيقة لا تصدق
3
أنا والغريب معا
تعودنا علينا
كالتباس الضوء بالظل المقابل
نشرب الحزن المعتق
نرقص السمبا
ولا نرتاح إلا كانخطاف الطرف
لا نرتاح ما دمنا معا
4
فلنفترض أنا وقفنا هكذا
وجها لوجه
كي نحيي بعضنا
نتبادل التاريخ
وشم القلب
رائحة الصبا والبرتقال
ولا نصافح بعضنا
خوفا من التطبيع
أو خوفا على حس الطفولة
أن يصير رجولة قبل الأوان
لنفترض أنا وقفنا هكذا
وجها للاوجه
ولم أعرف لمن سأمد لا كفي
ولا أبادل، لا أصافح
لا أخاف
لنفترض أني أمامي
لم أميزني
ولم يقل الغريب: " إليك وجهك "
لم يكن وجهي ولا وجه الغريب
وإنما كانت ملامحنا
مقاطع من تفاصيل الغموض
وبعض آيات الغياب
لنفترض أنا وقفنا هكذا
لا كما شئنا
ولكن مثلما شاء المدى
ظلا لظل، أو للاظل
نمثل دورنا في المسرحية باحتراف
نتقن الحزن المزيف
والبكاء على الذين مضوا وماتوا
نتقن التأبين، نلبس جرحهم
ونشيدهم نتلوه:
"يا وطنا يبيع ويشتري فينا
ستندم حين ننفذ يا وطن"
5
للمرفئ الحجري كم من قصة
يأتي إليه العابرون الهاربون بعشقهم سرا
تخبئه عيون لا تنام
- فكل هذا الليل لا يكفي -
وهذا المرفأ الحجري يذكر
عاشقين توقفا سهوا
ومالا نحو بعضهما
كلبلاب توحد في ظفيرة طفلة
وقفت بشباك الغياب
ترى على مد الحنين عسى يعود لها أب
نسي الرجوع من السفر
كانا هناك
رأيت ظله لا يفارق ظلها
متعانقين وراء سارية
ولا أحد هناك سواهما
هل يبكيان؟
سألت نفسي
كيف أعرف ما يدور الآن بينهما
وبينهما وبيني
ألف جلاد وسياف تخفوا
مثل قطاع الطرق
6
"عدني بأنك سوف ترجع"
قالت السمراء
قلت: "وهل لبحار وعود كي يفي؟
لا لن أعود
تعودي هذا الغياب
ولا تقصيني حكاية عاشق للبحر
أغوته المراكب فاستقال من المرافئ والتراب
وصار ينبت فوق خارطة المتاهة والزبد
ردي عليك مدامع النسيان
منديل الوداع
وشهقة البوح الأخير
ولا تقولي سوف يرجع بعد غد
ماض أنا
عودي إلى حيث افترقنا
واكتمي سري
إذا سألوك من ذاك الذي ودعت
قولي: لا أحد.