ليلةٌ أخيرةٌ في قَصْرِ شهريار
في ليلةٍ لم يَحْفَظ العَدَّادُ فيها رَقْمَهُ الألْفِيَّ
أو حتَّى يمدّ السيرَ للعشرينَ
بل كانَت تؤَلِّفُ شاطئًا يَقضي نهايةَ
يومِها الحادي عَشَر..
القصر يزخرُ بالنيامِ تَقَاسَموا غُرَفَ النُّعاسِ
بكُلِّ صَوْبٍ
ما عدا السَّيَّافُ عِنْدَ البابِ يقبَعُ بانتِظار..
لم يأتِ أمرٌ بِارتشافِ السَّيْفِ
مِنْ عنقِ الضَّحِيَّةِ عاجلاً مِن شهريار..
هي قصّةٌ أخرى
سَتَحْبِسُ عَقْلَهُ في غُرفةِ الرَّاوِي..
وهَمْسُ البِنْتِ يُعْطِي طابِعَ التَّجْدِيدِ
يُنذِرُ بالتَّحَوُّلِ..
قِصَّةٌ أخرَى ويُسْكَبُ بَعْدَها كَأسُ النَّهار..
قالت:
وفي المَيْدَانِ أحْكَمَ بَعْدَها يا سَيّدي
صوتُ المَسِيرةِ قبضةً تَهْوِي على عُنُقِ النِّظامِ وَبَعْدها
زاد العَدد..
وكعادةِ الفَرْقِ الذي قد كانَ في التوقيتِ
بين الشعبِ في وَسطِ البلادِ وبينَ إحساسِ القيادةِ
جاءَ مضمونُ الكلامِ مذبذبًا.. قَلِقًا يُقَدِّمُ حَلَّهُ:
فَرِّق تَسُد..
وأتَى بهِ كيدُ الذين تخصخصوا في أمَّةٍ
لَمَّا تَعُدْ أبدًا كأعضاءِ الجَسَد..
الجِيدُ محتَكِمٌ إلى رأسٍ يُحَرِّكُ رِجْلَهُ صوبَ السُّقوطِ
فما استَحَقَّ الجِيدُ إلاَّ أن تُطَوِّقَهُ يَدُ العُقْبَى
بحَبْلٍ مِن مَسَد..
نَطَقَ البَيانُ..
فجاءَ مِن أقصَى المَدِينةِ مَوطِنٌ نَفَضَ الغُبارَ/
نَفاهُ عن ثَوْبِ الحَيارَى قائلاً:
لكُمُ الشُّمُوسُ وقِطْعَةُ الضَّوْءِ التِي
نَضجَتْ على نارِ الصُّدُورِ وإنّها لَكَبِيرةٌ
إلاَّ على المتآزِرِين..
إصرارُكُم يحتَلُّ قِمَّةَ مَشْهَدٍ
مِنْهُ استَطَالَ الآن قُطْرُ الأرضِ
والتَفَّتْ عيونُ القادِرِينَ على متابَعَةِ الرَّصاصةِ
في فضاءِ البَعْثِ قد قَبَضَتْ عَلَيها
نَظْرَةُ الفجرِ المصالِحِ بين أنمُلَتَينِ..
عادَ الليلُ في السينما وحيدًا
بعد أنْ خَطَفَتْ وجُوهَ القَوْمِ شاشاتٌ صغيرة..
لا تَعْرِضُ الأخبارُ إلاَّ أنَّ ثُوَّارًا إلى التَحْرِيرِ قاموا
صَنَّعوا للمُنْجَزِ المطلوبِ آلات الزَّمَن..
ردموا الخنادِقَ بينَ موقِعِهِم وبين القائمِينَ
على مصادرةِ الوَطَنْ
قاموا سريعًا..
رَمَّموا التاريخَ في بُنيانِهِ المَرْصُوصِ ينهضُ شامِخًا..
أمَّا بِنِعْمَةِ رَبّهِمْ .. قَدْ حَدَّثُوا
ثُمَّ استمالَ حَدِيثُهُم قلبَ الحُشُودِ
وعِنْدَ أوَّلِ صيحةٍ رَبَّوا لصاحِبِنا الخفيف..
فأتَى على الشاشاتِ بالسُّمِّ المُسَجَّلِ.. بَثَّهُ
ليَبِيتَ أكثَرُهُم بهِ شِيَعًا
ويُصْبِحَ بعدها المَيْدَانُ بَحْرًا مِن رمالٍ
فيه تُصْدَمُ بالصباحِ سَفائِنُ الثُّوَّارِ بَعْدَ قيامِها..
بسفائنِ الصَّحْراءِ والخَيْلِ المُدَرَّبِ آنذاكَ
على مشاهَدَةِ النَّزِيف..
ومُحَدِّثُ الإعلامِ ألثَغُ !
إن أتَتْهُ الرَّاءُ أشبَعَ ثوبَها عِطْرًا فرنْسِيًّا..
فإن شاءَت عبارتُهُ بوَصْفٍ أنَّ عَيْنَ المَشْهَدِ الثَّوْرِيِّ
مِنْ روحِ الشّهيدِ قد ارتَوَت..
قال "اغتَوَتْ"! |
ما أكثرَ الغاوينَ إذ بَلَغُوا بخُطوتهِم على هذا الطَّريقِ
مراحِلاً مُتأخّرة !!
تأتي بدايَتُها عليكَ بنَزْعِ أرواحِ الهواتِفِ
كي تَرَى المَحْمُولَ في يَدِكَ الطَّلِيقةِ جُثَّةً مُتَصَحّرة..
تأتِي بدايَتُها..
كأقْدَمِ حِيلَةٍ وُضِعَتْ لتَكْمِيمِ العقولِ
وتنتَهِي بالنارِ تَرْقُصُ رقصَةً ثَكْلَى وتُتْرَكُ
في حريقِ القاهرة..
تُلقِي بنظْرَتِها على المَيْدَانِ
تَضْرِبُ في انعدامِ الوَزْنِ ضربَتَها وترحَلُ
كي تنامَ لأنَّ أعمالاً سَتُلزِمها الحضور مُبَكّرة..
هامانُ أصدرَ أمرَهُ بالأمْسِ للقَنَّاصِ
يَصْعَدُ فوقَ ظَهرِ الجسْرِ مُتَّكِئًا على نَفَقِ الطَّوَارئِ
لا مُهِمَّةَ عِنْدَهُ إلاَّ اختراق الصَّفِّ/
تَفْرِيق الرُّبُوعِ الثَّائِرة..
هامانُ –بالرّيموتِ- قد سَحَبَ البنادِقَ
ثُمَّ أطلَقَ كُلَّ سَفَّاحٍ يُرَوِّعُ في القُرَى نَهْبًا
وَلَمَّا يَدْرِ ما يَعْنِيهِ أنَّ الثورةَ الخَضراءَ
إيمانٌ يرافِقُ كلَّ عينٍ في سبيلِ اللهِ باتت ساهرة..
أنَّ الحمايةَ من لجان الشعبِ
سوفَ تُلَقِّنُ الجُبَنَاءَ درسًا
بالرَّصَاصِ المَيِّتِ/ الأهليِّ يَنأى بالحِمَى
عن أيّ ثرثارٍ يقِيمُ مهاترة..
رَعْدٌ صياحُ البندقِيَّةِ في خيال الطفلِ
قد تركَ الملاعِبَ كي يشاركَ أهلَهُ إن هَدَّدُوا بالصَّيْدِ
أيَّ بعوضةٍ بالليل تخترقُ المجالَ
وكلُّ إنذارٍ له مَنْ أعْذَرَه..
***
ويعودُ من أقصى المدينةِ موكبُ الأحرارِ
مُدَّخِرًا لمِصْرَ نداءَهُ:
الكُلُّ صارَ على يسارِ العَرْشِ إلاَّ أنتِ
ساهرةٌ على فُرُشِ النِّيَامِ تراقِبِين الآنَ
كَم "طرزان" قد عقَدَت يداهُ الحَبْلَ مُنتَقِيًا لأبعدِ نخلةٍ
مُتَلَفِّعًا بفتائل المليارِ
لا يَبْغَي محاكمةً ويُبرِزُ حُجَّةَ الذيلِ القصير..
فِرعونُ عاتبَ في البيانِ وقالها متظَلِّمًا مما رآهُ:
أليسَ لي مُلكُ البِلادِ وهذهِ الأنهارُ مِن دَمِكُمْ
تقاتلُ حَوْلَ عَرْشِي؟
لا أعي مِن سعيِها حَولي سَوَى أنّي بسُلطاني جدير..
لم يأتِ تعديلُ البيانِ الحق إلاَّ مِن ذراعِ المدفعيّةِ
أسدَلَت نِصْفَ السِّتارِ على مرافعةِ التَنَحّي
أعدَمَت منظومة الكلماتِ
إن صارت بها الكلماتُ تَكْفُرْنَ العَشِير..
***
وهُنا تَنَبَّهَ شهريار إلى انقلابٍ قادَهُ السَّيافُ
حتَّى صار مطلوبًا من الملِكِ السَّعِيدِ
بأن يُجَهِّزَ قِصَّةً للشعبِ
لا توريثَ فيها أَطلَقَ الأهرامَ كالأغنامِ في غاباتِ أورُبّا
لكي تبتاع قَمْحًا دون عِلْمِ بلادِها
أو قال لا تورِيثَ فيها جَمَّدَ الدُّخّانَ حتى لا يَطِير
محمود موسى
18/2/2011