|
سَقَى زَهرَ الرُّبوعِ دَمُ الشَّهيدِ |
فَأحيَا العِتقَ فِي قَلبِ العَبيدِ |
سَرَى نُورُ الشَّهادةِ فَامتَطَاهُم |
وحَلَّق فِي الجِنانِ إِلى خُلُودِ |
وفَاحَتْ مِن دِمَائِهِمُ عُطُورًا |
فَسَاءَتْ كُلَّ جَبَّارٍ عَنيدِ |
وهَا دَمُهُمْ لِمَنْ يَبغِي حَيَاةً |
وذَا قَبرٌ وسَيفٌ مِن جَلِيدِ |
فَقَد شَقُّوا الطَّريقَ لِكَي تُلاقُوا |
حَيَاةَ العِزِّ والأَمرِ الرَّشِيدِ |
فَخُطُّوا مِن دِمَائِكُمُ مِدَادًا |
وَأَثنُوا بِالكَلامِ وبِالقَصِيدِ |
فَمَنْ نَخشَى وهَذَا الرَّأسُ مِلكٌ |
لِمَن أَبدَاهُ فِي هَذا الوُجُودِ |
وقُولُوا يَا شَهِيدُ لأَنتَ مَجدٌ |
وكُلُّ العِزِّ فِي دَمِّ الشَّهِيدِ |
رَمَى سَهمُ المنِيَّةِ فِي فُؤادِي |
بِمقتَلِهِم سِهَامًا فِي الوَرِيدِ |
وصَارَتْ أَرضُ أَوطَانِي حِدَادًا |
عَلَى جِسمٍ مَلِيءٍ بِالحَدِيدِ |
فَمَا قَتَلَ الرَّصَاصُ إِذَا غَشَاهُم |
بَل انْبَعَثَتْ حَيَاةٌ فِي الوَلِيدِ |
فَكَمْ مِنَّا شَهِيدٌ عَاشَ دَهْرًا |
وكَمْ حَيٌّ يَعِيشُ كَمَا الرُّقُودِ |
وكَم أَحيَتْ دِمَاؤُهُمُ بِلادًا |
وَضَاعَتْ مِن خَؤُونٍ بِالوُعُودِ |
هُمُ الأَحياءُ دُونَهُمُ مَوَاتٌ |
وَلِلأَعدَاءِ هُمْ شَرُّ الوَعِيدِ |
ويَا أُمَّ الشَّهِيدِ ويَا بَنِيهِ |
فَلا تَأسَوا عَلَى حَيٍّ سَعِيدِ |
عَلَى مَن قَدَّمَ العُقبَى عَجُولاً |
لِبَعثِ الرُّوحِ في شَعبِ الثَّرِيدِ |
فَأَحيَا دَمُّهُ ابنًا وَكَهلاً |
وزَوجًا والجَمَادَ مَعَ الوُرُودِ |
فَذَا خَلْقٌ وإِبدَاعٌ وبَعْثٌ |
ولَيسَ الصَّدحُ مِن صَوتٍ بَلِيدِ |
لِيَضرِبَ بِالكَلامِ الشَّمسَ صُبحًا |
وَيُزعِجَ أُذْنَ بَدْرٍ في الهُجُودِ |
ويَأتي بِالبَلاغَةِ في حِبَالٍ |
ويَعتَقِلَ القَصَائِدَ مِن لَبِيدٍ |
فَتُصغِي الأُذنُ تحَسَبُ أَنَّ أَمرًا |
أَتَى مِن عِندِ قُرآنٍ مجَيدِ |
فَيُولَدُ مِن بُطُونِ القَولِ فَأرٌ |
يُغَازِلُ قِطَّةً بَينَ النُّهُودِ |
بهِذا تُعقَرُ الآمَالُ فِينَا |
وتَلبَسُنَا المَهانَةُ في الخُدُودِ |
فَدَمٌّ صَامِتٌ يحُيي شُعُوبًا |
وَكَمْ يُودِي الكَلامُ إِلى اللُّحُودِ |
فَمَا التَّحرِيرُ يَأتي مِن خِطَابٍ |
وَلا فَنٍّ ولا شِعرٍ فَرِيدِ |
وَلَكِن مِن رِجَالٍ قَد تَبَارَوا |
لِيَسبِقَ بَعضُهُمْ بَعضًا لِعِيدِ |
وَهَبَّوا لِلشَّهادَةِ مُذْ دَهَاهُمْ |
نَذِيرُ الشُّؤمِ قَتَّالُ السُّعُودِ |
وَهَذَا الدَّرسُ يحكِي لِلمَطَايَا |
عَنِ الأَحمَالِ مِن زَمنٍ بَعِيدِ |
عَنِ الحِمْلِ الَّذِي أَضْنىَ ظُهُورًا |
وَأَجْهَضَ حَمْلُ إِبدَاعِ العَدِيدِ |
عَنِ الحِمْلِ الَّذِي أَعْطَى سُمُومًا |
لِجِيلٍ فَاسْتَحَالَ إِلى قُرُودِ |
وشَابَ الشَّيخُ والأَقفَالُ تَروِي |
سُيُوفًا في اللِّسَانِ وفي القُدُودِ |
ومَزَّقَ في الحَرائِرِ كُلَّ طُهْرٍ |
ونَازَعَ رَبَّهُ في ذِي الحُشُودِ |
فَمَا أَقسَاكَ يَا حِملاً عَلَينَا |
وَمَا أَقسَى الزَّمَانُ عَلَى الأُسُودِ |
فَكَيفَ يَسِيلُ دَمٌّ في عُرُوقٍ |
وَمَا نَلقَى أَشَدُّ مِنَ الصَّدِيدِ |
ومَا مجَرَى الدِّمَاءِ بَوَسطِ عِرقٍ |
فَعِرقُ دِمَائِنَا أَرْضُ الجُدُودِ |
طَلَبنَا المجدَ وَالأَثمانُ تَعلُو |
وَلا تَأتِ المَعَالي مِن قُعُودِ |
سَلامٌ مِن بِلادٍ في فُؤَادِي |
لمقتُولٍ يُزَّفُ مَعَ الشُّهُودِ |
وأنْعِمْ بِالشَّهادَةِ مِن سَبيلٍ |
وبِالقَاعِ الَّتِي حَولَ الشَّهيدِ |