لا تنادِ امراة أنفقتَ عمركَ انتظارا لها "طفلتي" أبدا.. هذه الكلمة اعترافكَ الموجز بكل شيء. فاحذر الكلمات! !
أتـُراني كنتُ حقا أباكِ.. وأنتِ طفلتي؟
الأبوة كالأمومة تماما.. قلب في جسدين، ولذا فالأمر أكثر من مجرد توقع، وأقل من التصديق. لم يكن إحساسي بأن شيئا ما يحدث مجرد إشعار كاذب، بل كان أقرب إلى النبوءة.. أشبه باليقين.. كان هو اليقين الذي غالبني كي أصدقه، وغالبته كي لا أفعل. وبين خالد المؤمن، وخالد الإنسان، وجدتـُني ألعب الدورين معا بمخاطرة مخيفة حتى لا ينكسر داخلكِ شيء: كنتُ في آن ذلكَ الرجلَ الناضجَ الذي يصدق ربه إذ قال: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين".. وذلكَ الطفلَ الذي يوشكُ أن يجهش بالخواء إذ يكاد يفقد طفلتَه التي تخبره بكل براءة وعفوية أنها... راحلة. كيف لمنطق الفراش إذن أن يبقى صالحا أمام كل ما يحدث؟
حين تختارين أبا غيري فليكن مجنونا وأحمق بقدر ما، فالآباء لا يتقنون ملاعبة أبنائهم بغير قدْر من الجنون، وليكن وفيا لذكرى كل شيء صغيرا كان أو كبيرا.. النساء لا يغفرن للرجال نسيانهم.. وليتسع قلبه للتفاصيل والأحاديث العادية، من لا يأبه لكلماتِ أنثاه الطفولية لن يهتم قطعا بكلماتها الراشدة. وليعترف بضعفه وخيباته وحزنه بين الحين والحين، مثلما يملأ الدنيا صراخا بفرحه، فلن تكتمل رجولته بغير نقصان، ولن يعيبه أن يبكي أمامكِ، ولو حدث، تذكري أن أصدقَ الرجال من كان إنسانا. وأهم ما أوصيه به أن يظل مسكونا بأسماء أبنائه، ذلك أن الأسماء هي أول ما يأبه القلب له. سبق وأخبرتك هذا؟ ربما أكون فعلت.
حين تختارين أبا غيري سأظل أباك، فالأبوة قدَر، وكل قدر محتوم. وسأظل أناديك باسمكِ في غيابكِ، وأدعو الله عسى عيناك لا تبكيان أبدا إلا بكاءَ خشوع ودعاء. سأدعو الله أن يرعاكِ، وأن يهبكِ الأجملَ دوما.. سأدعو الله أن يكون الذي اخترتِه فارسا عربيا مسلما مثلما حلـُمْتِ به وانتظرتِ مجيئه بفارغ صبر.. وأحيانا.. بلا صبر... فارسا لا يُفلتُ يدكِ.. لا حيا.. ولا على الصراط.. ولا مشيا في الجنة. سأدعو الله أن يُتقن كل ما لم اُتقِنه، وأن يخبئكِ في عينيه ويغطيكِ بجفنيه مثلما لم أفعل، وأن يجعلكِ تضحكين العمر أكمَله مثلما كنتُ لأتحدى به الرجال. سأدعو الله أن يُِبقي قلبَه شابا حتى في المشيب، وأن تظلي بين النساء – وأنتِ عجوز كما هو – نجمتَه الأولى.. والأخيرة، وأن يحكي لكِ وقد نام الأولادُ والأحفادُ عن مشاريع أيامِه القادمةِ معكِ.. أيامكِ القادمةِ معه. سأدعو الله أن يَهَبَهُ لغة خرافية الإحساس، ساحرة، صادقة، وأن يجعله رجلا مُفصلا على مقاسِ الحُلمِ، يعرف جيدا كيف يُدهِشُكِ في كل لحظة ألف ألف مرة.
سأدعو الله مرات كثيرة، بأشياء كثيرة، في أمكنة كثيرة.. طول الوقت، فأنا أتصيد ساعة استجابة حتى أهديك كل الذي ما عدت أملكُ إهداءه.
أتـُراني كنتُ حقا أباكِ.. وأنتِ طفلتي؟
ظلي بخير.. وليرعكِ الله.